مَن أخطر على العالم: رجل العقارات الأميركي أم رجل الصواريخ الكوري؟محمد ياغي

الجمعة 22 سبتمبر 2017 03:19 م / بتوقيت القدس +2GMT



إذا كان التصفيق يعبر عن الاحترام والتقدير والتأييد للمتحدث، فإن الرئيس الأميركي، ترامب، قد حظي بالقليل منه أثناء خطابة في الأمم المتحدة. 
لا غرابة في ذلك، لأن من وصف الرئيس الكوري الشمالي بأنه "رجل الصواريخ" وأنه "في طريقه لمهمه انتحارية" متوعداً إياه بالدمار الشامل، لا يقل خطورة عنه في نظر غالبية القادة العالميين. 
ترامب لم يكتف في خطابه بتجاهل أهم المشاكل التي تواجه عالمنا اليوم ابتداءً من استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، الى الحروب الأهلية التي تتسبب في تدمير عدد كبير من الدول وتصدير عشرات الملايين من اللاجئين للعالم، الى الفقر الذي يطحن مئات الملايين من البشر، ولكنه أعلن من الأمم المتحدة بأنه سيعمل على مفاقمتها:
أولاً، أميركا لن تقبل في "عهده"، كما قال، بأن تدفع ما نسبته 22٪ من تكاليف عمل المنظمة الدولية، وهو ما يعني في حالة حدوثه أن العديد من برامج الأمم المتحدة سيتم وقفها مثل إغاثة اللاجئين، التطعيم من الأمراض، حماية الأطفال في الدول الفقيرة، مساعدة الفقراء حول العالم، وإرسال الفرق العسكرية التي تحفظ السلام بين الدول المتنازعة. 
ترامب تناسى متعمداً أن ما تدفعه أميركا للأمم المتحدة، ليس مِنٌة منها، ولكنه قائم على اتفاق دولي يعتمد على حجم الدخل الوطني لكل دولة مخصوماً منه نسبة لها علاقة بديون الدولة الخارجية والدخل السنوي للفرد فيها. 
أميركا تدفع 22٪ للأمم المتحدة لأن دخلها الوطني الإجمالي يعادل 27٪ من الدخل العالمي، تأتي بعدها اليابان التي تساهم ما نسبته 9.7٪ من نفقات المنظمة الدولية، ثم الصين 8٪، ثم ألمانيا 6.3٪، وهكذا. 
عندما يطالب ترامب بأن تتساوى نسب الدفع، فإنه يتغافل حقيقة أن هذه النسب متساوية وفقاً لإجمالي دخلها. أميركا إذن تساهم بحصتها وفقاً لنظام أقرته إدارتها السابقة مع دول العالم الأخرى، وهو نظام عادل لأنه يساوي بين جميع الدول حسب دخلها القومي السنوي، وهذا بدوره يشكل حماية للدول الفقيرة التي يقل دخل بعض دولها عن دخل شركة صغيرة في الولايات المتحدة.  
ثانياً، أميركا في عهده، كما قال، ستضع مصالحها فوق أي اعتبار آخر مطالباً قادة العالم بأن يحذوا حذوه. هذا يعني بأن أميركا ستعيد التفاوض على العديد من الاتفاقات العالمية التي تنظم سباق التسلح، التجارة العالمية، وتلك التي تحمي البيئة. 
إذا كانت كل دولة ستضع مصالحها أولاً فوق أي اعتبار، لماذا إذن على العالم أن يدين كوريا الشمالية وأن يحرمها من امتلاك السلاح النووي. أليس ما تقوم به هو من باب حماية مصالحها هي، أو بلغة ترامب، من باب وضع مصالحها فوق مصالح الآخرين، وهي هنا حماية أمنها ومنع أميركا من التدخل في شؤونها بما في ذلك تغير نظامها. 
لماذا إذن يتهم إيران بالإرهاب ويهدد بتشديد الخناق الاقتصادي عليها ويلوح بمحاربتها؟ أو ليس ما تقوم به إقليمياً هو من باب تعزيز أمنها ومنع أميركا وإسرائيل من إعلان الحرب عليها؟ 
ترامب، رجل العقارات لا يكف عن مفاجأتنا، فهو يقول الشيء ونقيضه في نفس الوقت، ولكنه بالطبع لا يفهم أن ما يقوله يناقض بعضه البعض لأن الرجل لا يكترث بثقيف نفسه سياسياً، وربما لو حاول، لن يتمكن من ذلك بسبب تقدمه في العمر، ولأن الطبع، كما يقولون، غلب التطبع، ورجل العقارات طبعه سيئ لأن مهنته مرتبطة بالكذب والخداع لتحقيق الأرباح. 
ثالثاً، ترامب قال أيضاً بأن عقيدته العسكرية مختلفة عن سابقيه من رؤساء أميركا، وأنه أعطى التعليمات لقادة جيشه بأن يتصرفوا في الدفاع عن بلادهم حسب ما تقضيه أولوياتهم الأمنية دون انتظار قرار المستوى السياسي. 
هذا يعني أيضاً أن معاناة الناس في الأماكن التي ينتشر فيها الجيش الأميركي في العالم ستزداد، لأن أمن الأميركيين أهم بطبيعة الحال من أمن الناس في الدول التي تستضيفهم أو حتى في الدول التي يتواجدون فيها دون رغبة قادتها مثل سورية. 
شاهدنا في اليمن وفي سورية وفي العراق، في بداية عهد ترامب، كيف أدى هذا القرار الى مقتل مئات المدنيين في هذه الدول لأن حسابات العسكريين مُختلفة عن السياسيين. العسكريون همهم الأول حماية أنفسهم وتنفيذ المهام الموكلة لهم حتى لو كان الثمن تدمير الهدف ومعه عدد كبير من المدنيين العزل. 
السياسيون يوازنون بين أمن جُندهم وسمعة بلادهم، وهم أكثر حساسية لمقتل المدنيين احتراماً للمبادئ التي يحملونها. أوباما مثلاً، أوقف صفقة بيع طائرات متطورة للبحرين وصفقة أخرى للعربية السعودية لأسباب لها علاقة بالصراع الأهلي في الأولى وبحرب الثانية في اليمن. 
لكن ترامب الذي لا يكترث بحقوق الإنسان أو بمصيره، أجاز هذه الصفقات لأن الأرباح التي تجنيها شركات السلاح الأميركي أهم في تقديره من كل سكان الشرق الأوسط. 
رابعاً، ترامب أيضاً قال بما معناه أن سياساته ضد إعطاء اللاجئين حق اللجوء الى دول أخرى، وأنه على استعداد لمساعدتهم في مخيمات لجوئهم مثلما هو الحال في الأردن ولبنان وتركيا. 
لا يمكن فهم الرجل. هو من جانب يريد تخفيض مساهمة بلاده المالية للأمم المتحدة، وهو من جهة ثانية يريد مساعدة اللاجئين شريطة أن يبقوا في مخيمات لجوئهم. لكن الأهم من التناقض، هو تلك الكراهية التي يحملها الرجل للاجئين. لماذا عليهم أن يبقوا في مخيماتهم؟ أو ليست بلاده مسؤولة عن الدمار الذي لحق بالعراق وعن تشريد الملايين منه؟ 
وحتى لو تجاهلنا مسؤولية أميركا عن خسارة الملايين لأماكن سكنهم الآمنة، لماذا يجب القبول بحرية التجارة وحرية رأس المال التنقل بين الدول بدون قيود، بينما تفرض القيود على البشر؟ 
الجواب بالطبع مفهوم، حركة رأس المال تعود بالربح على ترامب وأمثاله من أصحاب الشركات الكبيرة، بينما حركة البشر تتسبب في أزمات مؤقتة لدولهم عليهم أن يتعاملوا معها. الربح مقبول ولا يجب وضع القيود عليه، لكن الخسارة، حتى لو كانت مؤقتة، لا يجب التسامح معها في نظر ترامب. 
ترامب نسي أن شمال أفريقيا غصت بملايين اللاجئين من أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، وأنهم عادوا لبلادهم عندما أصبحت آمنة فقط، وهو ما قد يفعله ملايين اللاجئين الذين هربوا الى أوروبا أو الى أميركا الشمالية بحثاً عن مكان آمن وحياة أفضل. 
سياسات رجل العقارات الأميركي التي أعلنها من منبر الأمم المتحدة هي أخطر على العالم من سياسات رجل الصواريخ الكوري. خطر الأخير على شعبه فقط وهو لا يستطيع مهاجمة أميركا أو غيرها لأن في ذلك نهاية نظامه. أما خطر ترامب فهو على العالم أجمع، وربما لا يمكن صده أو وقفه دون تحالف أممي يضم الشرق والغرب معاً.