بعد إعلان حماس حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة ودعوة حكومة الوفاق لتحمل مسؤولياتها، كخطوة أولى على طريق المصالحة، سادت حالة من التفاؤل والأمل في كل أماكن تواجد الفلسطينيين، إذ بات إنهاء الانقسام أقرب من أي وقت مضى.
وفي المقابل، أعرب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن ارتياحه لقرار حركة حماس، وتحدثت أنباء عن قرب توجه وفد من حركة فتح وحكومة الوفاق لقطاع غزة للتباحث مع حركة حماس حول استلام الحكومة لمهامها.
لكن، يرى محللون أن المصالحة ليست بالأمر اليسير، وأن عقبات وتحديات ستواجهها، وعلى حركتي فتح وحماس تقديم تنازلات من أجل تحقيقها.
ومن هذه العقبات الأساسية، "غياب أو ضعف الإرادة لدى حركتي فتح وحماس بأهمية الشراكة السياسية"، واختلاف برنامجيهما السياسي، والموقف الإسرائيلي تجاه المصالحة، وملفات موظفي حكومة "حماس" بغزة، والقوة العسكرية التي تمتلكها حماس، والأجهزة الأمنية بغزة، وملف منظمة التحرير الفلسطينية.
العقبة الإسرائيلية
ويرى الكاتب السياسي في صحيفة "الأيام" المحلية، طلال عوكل، أن "إسرائيل تمثل تحديًا وعقبة كبيرة في وجه المصالحة الفلسطينية، لسعيها المتواصل للإبقاء على حالة الانقسام التي استفادت منها خلال السنوات الماضية، على جميع المستويات".
ويقول عوكل، لوكالة الأناضول، إن "إسرائيل استفادت كثيرًا من حالة الانقسام الفلسطيني المتواصلة، فعلى المستوى السياسي خطت خطوات كبيرة على صعيد تهويد القدس، والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، كما تهربت من استحقاقات سياسية للفلسطينيين تحت ذريعة عدم وجود شريك موحد في ظل الانقسام".
ويشير عوكل إلى أن إسرائيل تعرقل المصالحة من خلال اتهامها المتواصل للسلطة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي بالتحالف مع "الإرهاب" المتمثل من وجهة نظرها بحركة "حماس".
البرنامج السياسي
وإضافة إلى العقبة الإسرائيلية، فإن حسابات حركتي "فتح" و"حماس" وبرنامجهما السياسي المختلف يشكل تحديًا كبيرًا أمام إنهاء الانقسام، وفق عوكل.
فحركة "حماس" لا تؤمن بأي حل سلمي مع إسرائيل لإقامة الدولة الفلسطينية وتؤكد على ضرورة المقاومة المسلحة للاحتلال حتى تحرير كامل فلسطين التاريخية وترفض الاعتراف بإسرائيل.
أما "فتح" فترى أن الحل السياسي السلمي والمقاومة الشعبية (المظاهرات السلمية)، بالإضافة إلى المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية هي السبيل الوحيد لإقامة الدولة على حدود عام 1967 (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة).
وخلال جلسات الحوار المتعددة التي جرت في القاهرة والدوحة منذ 2005 وحتى 2014، حاول الطرفان تقليل الهوة بين البرنامجين، ولكن تمسك كل طرف بمبادئه أفشل ذلك.
موظفو غزة
من جانبه، يعتقد المحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن ملف موظفي حكومة حماس السابقة، يعتبر من أهم عقبات المصالحة أيضًا.
ويؤكد المدهون أن ملف الموظفين والتعقيدات التي تفرضها السلطة الفلسطينية لدمجهم ضمن موظفيها الرسميين، يمثل عائقًا مهمًا أمام تنفيذ أي اتفاق للمصالحة.
وقال إن "حماس لا يمكن أن تقبل بتجاوز هذا الملف دون إيجاد حل جذري له".
وكان هذا الملف، من أبرز معيقات نجاح اتفاق "الشاطئ" بين الحركتين الموقع عام 2014، حيث رفض الرئيس محمود عباس دمجهم ضمن موظفي الحكومة، واقترح تشكيل لجنة لدراسة ملفاتهم، وهو ما رفضته حماس.
وعينت حركة حماس قرابة 40 ألف موظف عقب سيطرتها على قطاع غزة، لإدارة شؤونه، في أعقاب استنكاف الموظفين الحكوميين الذين طلبت منهم القيادة الفلسطينية الجلوس في منازلهم.
الشراكة السياسية
بدوره، يشير مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات "مسارات"، هاني المصري، إلى أن عدم الإيمان بالشراكة السياسية، من قبل طرفي المصالحة الفلسطينية (فتح وحماس) يقف عائقًا أمام إنهاء الانقسام.
ومن عقبات المصالحة بحسب المصري، ملف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وإمكانية سماح "فتح" (كبرى فصائل المنظمة) لـ"حماس" بدخولها، في ظل اختلاف الميثاق السياسي للأخيرة عن برنامج المنظمة التي تعترف بإسرائيل.
ويؤكد المصري أن المطلوب من الحركتين الاتفاق بشكل تفصيلي دقيق على آليات وأسس تنفيذ المصالحة، مع تناول جميع التحديات وإيجاد حلول لها، حتى تتوج الجهود الحالية بإنهاء الانقسام الفلسطيني.
سلاح الفصائل
ويضيف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، الدكتور مخيمر أبو سعدة، عقبة جديدة وأساسية أمام نجاح المصالحة، وتتمثل في القوة العسكرية التي تملكها حركة حماس.
وقال أبو سعدة لوكالة الأناضول إن "السلطة الفلسطينية ترفع شعار أن سلاح السلطة سلاح واحد، وأنه لا يوجد سلاح غيره (سلاح الأجهزة الأمنية)، فيما ترى حركة حماس أن سلاح المقاومة لا يمكن المساس به".
ويتابع: "من المعروف أن سلاح المقاومة، سلاح لمحاربة إسرائيل، فكيف سيتم التعامل معه؟ فإن لم يتم وضعه على الأجندة الرئيسية للاتفاق بين حركتي فتح وحماس، فمن المؤكد أن المصالحة ستشهد انهيارًا".
ولفت إلى أن القوى الوطنية والإسلامية المسلحة لن تسمح بالمساس بسلاحها.
ويرى أبو سعدة، أن على حركتي "حماس" و"فتح" العمل معًا على إيجاد حلول لإنهاء هذا الملف.
وتمتلك الفصائل الإسلامية والوطنية في قطاع غزة، أجنحة عسكرية، يتقدمها كتائب القسام، وسرايا القدس، الذراعان المسلحان لحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
كما يتواجد في القطاع، أجنحة عسكرية، تقول إنها تنتمي فكريًا لحركة "فتح"، التي تؤكد مرارًا أنها لا تملك جهازًا عسكريًا.
'الاناضول