هل أصبحت المصالحة ممكنة.. أخيراً؟ حسين حجازي

السبت 16 سبتمبر 2017 02:48 م / بتوقيت القدس +2GMT



لا يعرف الغزيون المساكين على وجه الخصوص الذين ارهقهم الانقسام كما الحصار، والفلسطينيون ككل على وجه العموم في غضون هذا الأسبوع، إن كان عليهم أن يتفاءلوا هذه المرة بقرب ونجاح المصالحة او يتشاءموا كما في كل مرة. وكان كارل ماركس هو الذي طرح السؤال: أيهما اسبق المادة أي الواقع ام الوعي والفكر؟ بعد ان كان الفلاسفة من قبل يقولون ان الوعي والفكر هو اسبق من الواقع، وأضاف متحديا ان هؤلاء كانوا يقلبون الفلسفة على رأسها، وان ما فعله انه أعاد تجليسها او إيقافها على قدميها. 
انهم حائرون يفكرون ويتساءلون: ايهما اسبق حل اللجنة الإدارية في غزة العقبة الكأداء، ام وقف العقوبات المتخذة والذهاب فعلا الى المصالحة؟. وقال عزام الأحمد مسؤول ملف الحوار الأزلي مع "حماس"عن الجانب الفتحاوي: يا ليتهم قالوا بدل انهم مستعدون لحل اللجنة الإدارية، انهم حلوا اللجنة الإدارية. ولكنهم بدلا من ذلك توصلوا الى مخرج او صيغة مبتكرة، لقد قرروا وبعد ان فضلوا وضع البيض كله في السلة المصرية، وضع اللجنة الإدارية ومصيرها وديعة او امانة في يد المخابرات المصرية.  
وقرر الرئيس في هذه الأثناء إرسال عزام الأحمد على رأس وفد فتحاوي الى القاهرة لاستجلاء حقيقة ما جرى، وان كان هناك تقدم فعلي وفرصة واقعية لتحقيق المصالحة وانهاء هذا الانقسام البغيض. ودعا صلاح البردويل الرئيس وحركة فتح الا يفوتوا الفرصة او المبادرة التي تطرحها "حماس"من القاهرة، وهكذا سوف نعرف ان كنا ازاء هذه الفرصة اخيرا ام لا. 
ولقد شعرت شخصيا بالحيرة والتساؤل والتفكير في مغزى هذه الزيارة المفاجئة ولكن غير العادية، التي قام بها رئيس حركة "حماس"مع وفد كبير يمثل معظم قيادات الحركة الى القاهرة، اذا كان المنتظر والمتوقع ان تتم هذه الزيارة الى تركيا التي ذهب اليها الرئيس ابو مازن قبل عيد الأضحى، لطرق باب رجب طيب أردوغان أخيراً لإقناع حماس، وهو مع قطر يمثلان الحلفاء الأساسيين لـ "حماس". 
 واذا كان الاعتقاد او الانطباع ان الطريق الى مصر في ظل النظام المصري الحالي والاصطفاف الإقليمي على خلفية ازمة الخليج اليوم، انما هو الطريق باتجاه واحد لمعانقة محمد دحلان والدول التي تقاطع او تحاصر قطر. وفي ذلك بدت "حماس"للوهلة الاولى كما لو انها تعاود تكرار ما فعلته بعيد الأزمة السورية بادارة ظهرها للتحالف السوري وحزب الله وايران او ما يسمى آنذاك بحلف المقاومة والممانعة. واليوم تعاود التخلي او التنكر لتحالفها مع قطر وتركيا، خصوصا وان هذه الزيارة وهذا المسار لا بد انه يزعج هذين الحليفين. 
وكان اللافت ان السيد اسماعيل هنية قرر القيام بالزيارة بعد يوم من اجراء وزير الخارجية القطري اتصالا هاتفيا به، اكد له فيه مواصلة قطر دعمها ل"حماس"والغزيين. وبدأت قناة الجزيرة انفتاحا لا يمكن تخطئة مغزاه في هذا التوقيت في معاودة استقبال معلقين ومتحدثين اسرائيليين في برامجها الحوارية. فيما يبدو وكأن قطر تريد ان تدخل على خط المنافسة مع خصومها لفتح القنوات مع إسرائيل. 
وهكذا بدلا من ان يأتي الرد من تركيا جاء من القاهرة. وقال معلقون من حركة "حماس"في تفسير هذا التحول، ان مصر بذلك ربما تريد تدارك تراجع دورها الإقليمي عبر استعادة دورها انطلاقا من المسألة الفلسطينية مرة اخرى. ولكنه كان واضحا ان "حماس"عبر هذه النقلة على رقعة الشطرنج، وبهذا الزخم الذي يشبه تحريك "القلعة"، انما كانت تفضل اولوية الاستجابة لقهر الجغرافية، اكثر من مراعاتها مقتضيات او حساسية التحالفات.
وفي هذه القصة التي نعاود تركيبها بررت "حماس"سابقا موقفها بالخروج من سورية العام 2011 ، لاعتبارات قالت انها مبدئية على حساب التحالفات مع إيران وسورية، لأنها لا يمكن ان تكون ضد الشعب السوري رغم ان هذا كان خطأ في التحليل وتقدير الموقف، لانه حتى من وجهة نظر متواضعة لكاتب مثلي هنا، فان هذه لم تكن ثورة شعبية سورية ولا يحزنون، وانما عملية قذرة استهدفت تفكيك سورية وقتل الدولة السورية على حد سواء. قامت بها عن قصد أطراف دولية وإقليمية في واحدة من اوسخ الألاعيب الأممية. وهكذا فان المبرر اليوم لإيداع اللجنة الإدارية لدى مصر، انما هو القول ان للضرورات أحكاما وليعذر كل منا الآخر، والمقصود بذالك تركيا وقطر. 
وتدرك "حماس"كما ندرك ويدرك الجميع انه في آخر المطاف ليس من قيمة او مفاعيل للحصار الإسرائيلي على غزة من دون معبر رفح، أي معبر رفح هو شريان الحياة لخروج غزة من عزلتها. والسؤال: هل ان دوافع مصر في عناقها الجديد ل"حماس"هو حقا محاولتها لتعاود دورا إقليميا كان قد تراجع؟ ام ان وراء الأكمة ما وراءها؟ 
والراهن انه قد لا يكون من الحكمة او الصواب بل والمصلحة استباق مسار الأحداث قبل ان تكشف عن نفسها من تلقاء ذاتها، اذا كانت الغاية او اللذة الكبرى في هذه الحالة والوضع الذي نقف عنده، هو ليكن عن أي طريق انقرة او الدوحة او مصر، المهم الوصول الى المصالحة وانهاء هذا المأزق. وهو ما يعني ان نصلي لله ان تنجح مصر هذه المرة في ان تتم المصالحة، اذا كانت مصر تغير هي ايضا مقاربتها القديمة التي كانت تقتضي مصالحة الرئيس مع السيد دحلان اولا، كمقدمة للمصالحة مع حماس. او ربما التعديل الآخر جمع "حماس"وتيار دحلان كأولوية لتطبيع علاقاتها أي مصر مع حماس، ولعل ثمة شيئا هنا قد تغير. 
ولكن اذا كان ثمة من مسألة بالأخير تستدعي التأمل وتتعلق بالتفكير الاستراتيجي، فان هذه المسألة التي كانت منذ البداية وحتى الآن تظلل هذه الازمة كما لو انها تفاحة هيرا آلهة الشر في الاسطورة الاغريقية، انما هو موقف "حماس" من مفهوم تحولها الى سلطة في منطقة كغزة تعتبر معزولة، ولا يمكن لها ان تواصل القدرة على العيش من دون الاقتران بقرينة اكبر منها.  
وفي هذا المجال ليكن الاعتراف بحركة "حماس"شريكا وان يكون هذا الاعتراف بالشراكة موضع الاحترام على كافة المستويات، ولكن على "حماس" ان تطرح السؤال على نفسها ايضا ان كان من الأفضل لها ان تمارس دورها في الحكم وفي القيادة من الصفوف الخلفية بدلا من الواجهة؟، وان تمارس هذا الذكاء السياسي على غرار ما يفعله حزب الله في لبنان الذي يمارس هذه القيادة من الظل او الصفوف الخلفية.