منذ الخامس عشر من يونيو الماضي عندما أعلن القيادي الفتحاوي سمير المشهراوي عن التفاهمات التي جرت بين كل من التيار الاصلاحي في حركة فتح وقيادة حركة حماس في قطاع غزة برعاية مصرية . بدأ الهرج والمرج في الساحة الفلسطينية وبدأت النميمة السياسية تسيطر علي المحاور المؤثرة في الساحة الفلسطينية وفِي الاقليم وبدأ السعي لإفشال هذه التفاهمات ،اسرائيل من جانب والرئيس عباس من جانب وقطر وتركيا من جانب اخر . اسرائيل من جانبها لم تعلق على هذه التفاهمات لعدة أسباب أبرزها السعي لإنجاز صفقة تبادل أسرى ولكنها التزمت الصمت رغم ان التقديرات تشير إلى رفضها لهذه التفاهمات لأنها تشكل تهديد إستراتيجي علي أمنها القومي في البعد الاستراتيجي. من جهته بدأ الرئيس محمود عباس بالتحرك بكل قواه السياسية لإفشال تلك التفاهمات وبدأت المحاور الإقليمية المؤثرة في الساحة الفلسطينية التحرك بذات الاتجاه متمثلة في قطر وتركيا مع تحفظ إيران وعدم التدخل المباشر في الامر . وبحسب المحللين السياسيين الذين بنوا وجهات نظرهم على موقف يحيى السنوار والذي كسر قرار المكتب السياسي لحركة حماس المتمثل بعدم لقاء دحلان والموافقة على لقائه حيث ان الرجل كسر الفيتو والتقى بدحلان والمشهراري وكان ذلك الحدث الابرز والمفاجئ الذي انعكس علي الرجل بشكل إيجابي في فرض وجوده وشخصيته القيادية وزعامته للحركة في قطاع غزة . وبحسب أكثر من مصدر فان السنوار ذهب متسلحاً في مشورة صديقه ورفيق عمره قائد كتائب القسام محمد الضيف أبوخالد والذي نصحه بلقاء دحلان والمشهراوي وقال له "توكل علي الله أنا أثق في وطنية هؤلاء". ذهب السنوار باتجاه القاهرة آخذاً بنصيحة صديقه القائد محمد الضيف والذي يعرف دحلان والمشهراوي معرفة جيدة وصديقه روحي مشتهي والذي التقي دحلان في عام 2014 في ثاني لقاء للجنة التكافل في إمارة ابوظبي. بدأ التحول الحقيقي والعملي باتجاه دحلان بعد اللقاء الاول والذي استمر أكثر من ثلاث ساعات وتقييم السنوار لشخصية جاره وصديق طفولته والذي عايشه حتي في فترة الدراسة بالجامعة الاسلامية بعد غياب ل27 عام . وبحسب المصادر كان اللقاء الاول استثنائي وعناق الاطفال الكبار الذين تفتح وعيهم في مخيم اللجوء بغرب خانيونس على نكبة حزيران عام 67 وكل منهم بدأ مرحلة نضاله الوطني باتجاه . السنوار ورفاقه سمعوا ما لم يتوقعوه من حقائق تاريخية لا يعلمها الا القلائل عن دحلان ورفاقه والشاهد عليها كل من محمد الضيف وصلاح شحادة واسماعيل هنية واسماعيل ابوشنب والكثيرين من الذين بقو احياء . ذهول السنوار ورفاقه عندما سمعوا تلك الحقائق التي لم ينكرها الأحياء من الذين ذكرتهم كان العامل الأبرز في قناعتهم أن الرواية منقوصة ويجب أن تعاد صياغتها من جديد وأن دحلان ورفاقه جزء مؤثر وأصيل في الحركة الوطنية الفلسطينية. المحور الأخر من اللقاء والذي جعل السنوار يتيقن هو ورفاقه بأنهم علي صواب في قرارهم لقاء دحلان والمشهراوي إضافةً الي الطرح الذي سمعوه في البعد الوطني وسعي دحلان لأعادة الأعتبار للقضية الوطنية في إطار الاولويات وما سمعوه وما شاهدوه كان الدافع الرئيسي في الإتفاق علي تلك التفاهمات التي تمت . ويجب التنبه الى ما نشرته بعض وسائل الاعلام عن ان موسي أبومرزوق ذهب الي القاهرة علي عجل بتعليمات من محور قطر في المكتب السياسي لإنقاذ الموقف واحداث توازن ولكنه لم يستطع تحقيق ما يريد تلبية لرغبة المحور القطري التركي علماً أنه باطنياً ليس ضد تلك التفاهمات لأنه يتمتع بعلاقة قوية مع القيادي سمير المشهراري ويعرف الكثير من الحقائق . عاد السنوار ورفاقه الي غزة وبدأ الرجل بمشاورات تنظيمية شملت كل مؤسسات حركة حماس وحصل علي الدعم الذي يريده بعدما ساق روايته مدعومة في رؤيته السياسية وحقق نتائج جيدة علي صعيد مؤسسات حركة حماس إضافة الي دعم الجناح العسكري الذي يقوده الضيف ومروان عيسي بإستثاء محور أخر رافض لتلك التفاهمات ولكنه محور ضعيف وغير مؤثر أمام قوة السنوار ورفاقه بما يمثلونه من ثقل سياسي وشعبي علي صعيد قواعد حماس وعلي صعيد ابناء قطاع غزة . حاولت قطر بكل إمكانياتها السعي لإفشال تلك التفاهمات من خلال الضغط علي محور المكتب السياسي في الخارج ومن خلال الضغط علي الإسرائيليين ومن خلال إقناع الرئيس عباس بالإتفاق مع حماس ولكن جهودها بائت بالفشل ، دخلت تركيا بكل ثقلها لتحقيق ذات الهدف من خلال إقناع الرئيس عباس بالعمل علي الوصول لإتفاق مصالحة ولكنها سجلت صفر اكبيرا. نتائج كل هذه الضغوطات التي مورست علي حماس وقياداتها في غزة سواء من خلال المكتب السياسي في الخارج أوالمكتب السياسي في الضفة سجلت صفرا كبيرا وفشل ذريع في الضغط علي السنوار وقيادة غزة من اجل إفشال هذه التفاهمات . يري الكثيريون من المحللين ان السنوار وضع يده على ملفات تهدد أمن إسرائيل وتهدد قوى إقليمية وتحديداً في سعي الرجل الي إنهاء الإنقسام وإعادة العلاقة مع طهران وتمسكه في العلاقة مع مصر وتمسكه في التفاهمات مع دحلان وسعيه الي إعادة الإعتبار للقضية الوطنية وهذا ما لم تسمح به إسرائيل و بعض الدول في الإقليم والتي تقدم خدمات لإسرائيل. لذلك أعتقد أنّ هذا لن يطول ولن تستسلم بعض الدول في الاقليم والتي بات السنوار يهدد مصالحها إضافةً الي التنظيم الدولي للإخوان ،هذا من جانب ومن جانب أخر لن يستسلم المحور الاخر في قيادة حماس لإرادة السنوار في إطار الصراعات السياسية الداخلية ،ولن يستسلم الرئيس عباس ،وهذا ينذر بقلق كبير ويشكل خطر علي حياه الرجل لا سيما انه فِي حال عدم تراجع الرجل بكلا الإتجاهين،فان هذا ما سيدفع الإقليم وقواه بالضغط علي إسرائيل من أجل تهميش الرجل وهذا ما بدأ يدركه السنوار . الخيارات لدى السنوار محدودة في حال إستمر في الدفاع عن مشروعه الذي يبدد طموح الكثيرين سواء داخليا علي صعيد حماس من جانب وعلي صعيد إسرائيل وعباس من جانب وعلي صعيد بعض الدول في الاقليم من جانب إضافةً الي التنظيم الدولي للإخوان من جانب اخر . يري بعض المراقبين ان مستقبل الرجل مرهون في مواقفه السياسية والتي بدت تظهر ملامحها بأن السنوار شخصية وسطية غير متطرفة دينيا عنيفة قوية سياسية برغامتية وهذا ما سيدفع الرباعية العربية وعلي رأسها مصر لتتمسكك في دعم الرجل لتقاطع المصالح السياسية والأمنية في بعدها القومي لعدة اسباب ابرزها قناعة مصر ان السنوار قائد سياسي ووطني بامتياز وشخصية ذو كاريزما قوية باستطاعته تنفيذ اي قرار يتخذه ملتزماً به. من جانب آخر يرى البعض خيارات السنوار محدودة وسر قوته تسلحه في عسكر حماس من القسام لانه احد الذين اسسوا وارسوا عقيدة الجناح العسكري كتائب القسام وفِي حال خرج عن ثوابت هذه العقيدة سيفقد كل مصادر قوته. ومن الواضح ان السنوار إن بقي ثابت علي رؤيته فعليه ان يلحق بركب صديقه القائد محمد الضيف في البقاء تحت الارض لأنه سيصبح في دائرة الاستهداف من قبل اسرائيل والتي لن تسمح له بأن يهدد مصالحها الاستراتيجية بعد تفاهماته مع دحلان وقربه من القاهرة وطهران رغم تناقض هذه العلاقة في البعد السياسي ، لذلك يتوقع المراقبون سعي مصر للحفاظ علي الرجل من اجل مناهضة سياسية. ومن الواضح ان محاور اقليمية تسعى لافشال هذه التفاهمات من اجل الاستمرار في العبث في أمن المنطقة وإن كلّف ذلك قيامهم بتحريض اسرائيل علي اغتيال السنوار . يبقي الرهان الحقيقي علي الرباعية العربية التي تقودها الشقيقة مصر في ما يخص مستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية برمتها من خلال إنجاح هذه التفاهمات والتي ستشكل ضمانة لأمن المنطقة والبدء في اعادة الاعتبار لهذه القضية الفلسطينية العادلة من خلال دحلان والسنوار من بوابة قطاع غزة والتي تعتبر الوزنة الحقيقية والناظم الفعلي للقضية الفلسطينية . باحث في الشان الفلسطيني