كلما تحدثت عن فئة أو شريحة من المعتقلين الفلسطينيين، وجدت نفسي مرغماً أكرر القول: بأن الاعتقالات طالت كل مكونات المجتمع الفلسطيني، بفئاته العمرية المختلفة، وتعدد شرائحه الاجتماعية.
وفي إشارة للتأكيد على أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تفرق في اعتقالاتها، ولا تميز في استهدافها ولا تراعي في تعاملها بين فئة وأخرى. فهذه المرة سنتحدث عن برلمانيين فلسطينيين غيبهم السجن وكبلهم السجان الإسرائيلي بالأصفاد.
عن أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني الذين انتخبهم شعبهم في إطار عملية ديمقراطية جرت في كانون ثاني/يناير عام 2006 واشاد بنزاهتها واستقلاليتها وشفافيتها المجتمع الدولي وأثنت عليها كافة المؤسسات الحقوقية التي أشرفت على مجرياتها.
تلك الانتخابات التي جرت في الأراضي الفلسطينية كاستحقاق للاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل بإشراف دولي، والتي نصت على إنشاء برلمان فلسطيني منتخب يحظى بالحصانة، ويقوم بتعيين حكومة تُسير أمور المواطنين في الضفة والقطاع.
حكومة الاحتلال تنكرت، كالمعتاد، لتلك الاتفاقيات، ولم تحترم نتائج الانتخابات، وتوافقت معها ودعمت موقفها بعض الدول والأنظمة، وصعَّدت سلطات الاحتلال من عدوانها على الشعب الفلسطيني بشكل لم يسبق له مثيل، كإجراءٍ عقابي على اختياراته الديمقراطية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية وما أفرزته صناديق الاقتراع بفوز حركة "حماس" بأغلبية أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان الفلسطيني).
ولربما كان سجل العام 2006 الأكثر سوءاً في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
اذاً النواب هم لا يتم استثناؤهم من الاعتقال، ووفقا لمتابعتنا لهذا الملف فان سلطات الاحتلال اعتقلت قرابة سبعين نائبا فلسطينيا، ذكورا واناثا، وهؤلاء يشكلون أكثر من (50%) من اجمالي عدد النواب في المجلس التشريعي الفلسطيني،، وينتمون لكتل برلمانية محسوبة على (فتح وحماس والجبهة الشعبية)، فيما غالبيتهم العظمى كانوا ينتمون لكتلة "التغيير والإصلاح، المحسوبة على حركة "حماس".
وقد تم عمليات اعتقال غالبيتهم العظمى بعد مداهمة بيوتهم واقتحامها ليلاً، وهو الأسلوب الأكثر شيوعاً، فيما منهم من تم اختطافهم من أماكن العمل، أو من الأماكن العامة أو من داخل باحات المؤسسات الدولية. وما زالت سلطات الاحتلال تحتجز في سجونها (13) نائبا.
لقد تعرض النواب مرارا للتنكيل والاهانة، أثناء عملية الاعتقال، وخلال فترة الاحتجاز والتوقيف، شأنهم في ذلك شأن باقي المعتقلين، كما احتجزوا في ذات الظروف والأمكنة الصعبة، دون مراعاة لمكانتهم الاجتماعية والسياسية الخاصة.
بل لقد انتهكت كل حقوقهم في الحصانة البرلمانية التي تنص عليها كل الاتفاقيات، الدولية والثنائية الموقعة ما بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
كما أخضع جميع النواب وبدرجات متفاوتة للتعذيب، الجسدي والنفسي، دون مراعاة لتقدم أعمار بعضهم، وسوء الأوضاع الصحية لبعضهم الآخر.
والغالبية العظمى ممن تعرضوا للاعتقال صدرت بحقهم قرارات بالاعتقال الإداري لفترات مختلفة، دون تهمة أو محاكمة، وأقلية منهم صدرت بحقهم أحكام بالسجن الفعلي، تحت ذرائع وتهم مختلفة.
ولا شك بأن عملية اعتقال النواب المنتخبين، لا تستند لأي مبرر قانوني، بل هو إجراء مخالف للقانون والعرف الدولي، حيث من المفترض أن يكون لهؤلاء النواب حصانة دبلوماسية، تمنع التعرض لهم أو الاساءة لمكانتهم، وتُجرم استخدامهم كورقة للضغط أو الابتزاز.
لكنها إجراءات احتلالية لأهداف سياسية محضة، بل انتقامية بالمقام الأول. ولقد شكَّل استهدافهم واعتقالهم؛ انتهاكاً فاضحاً لأبسط الأعراف والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية والأخلاقية والديمقراطية، وتدخلاً مرفوضاً في الشأن الفلسطيني الداخلي، وعدواناً سافراً على المؤسسات الشرعية الفلسطينية ورموزها، ومساساً فاضحاً بالحصانة التي يتمتعون بها، بهدف إضعاف النظام السياسي الفلسطيني، وتعطيل عمل المجلس التشريعي، الذي تأثر سلباً وبدون شك بغيابهم جراء الاعتقال.
فيما ساهم الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني في تعميق الأزمة التشريعية وإنهاء عمل المجلس التشريعي (البرلمان الفلسطيني) بالكامل، الأمر الذي أثر على النظام السياسي والقانوني الفلسطيني ، وأدى الى غياب دوره الرقابي على أداء السلطة التنفيذية وعلى آليات تنفيذ القوانين.
ويعود البدء باستهداف النواب الفلسطينيون واعتقالهم إلى ما قبل الانتخابات الفلسطينية الثانية، حينما أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الخامس عشر من نيسان/ابريل عام 2002 على اعتقال النائب مروان البرغوثي، وأصدرت بحقه حكماً بالسجن المؤبد خمس مرات.
وفي السابع عشر من آذار/مارس من عام 2003، اعتقلت النائب حسام خضر، وهو أحد قيادات حركة فتح في الضفة الغربية.وكلاهما انتُخبا للمجلس التشريعي في دورته الأولى التي جرت عام 1996، وأعيد انتخاب مروان وهو في السجن، في انتخابات المجلس التشريعي الثانية، في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير عام 2006.
وفي الرابع عشر من آذار/مارس عام 2006 أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام "سجن أريحا"، التابع للسلطة الفلسطينية، ويقع تحت الحراسة البريطانية الأمريكية، حيث تم اختطاف أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، الذي كان قد نجح في انتخابات العام 2006 ، مع مجموعة من الفلسطينيين الذين كانوا محتجزين معه وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 30 سنة.
وفي حزيران/يونيو من العام 2006 وعقب الانتخابات التشريعية وأسر الجندي الإسرائيلي "شاليط" شنت سلطات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة وجماعية، استهدفت عشرات النواب الفلسطينيين المنتخبين، لاسيما المحسوبين على حركة "حماس"، في محاولة يائسة للضغط على حركة "حماس" ومساومتها ودفعها نحو تغيير مواقفها، وزجت بهم في سجونها ومعتقلاتها سيئة الصيت والسمعة، في رسالة للجميع مفادها بأن لا أحد يمتلك الحصانة من الاعتقال، ولا زال ذلك الوضع مستمرا حتى الآن.
ومؤخرا أقدمت على اعتقال النائب عن الجبهة الشعبية/خالدة جرار في الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي.
وفي الختام ندعو البرلمانات العربية والأوروبية إلى التحرك الجاد والضغط على سلطات الاحتلال لإطلاق سراح النواب الفلسطينيين كافة، أعضاء البرلمان الفلسطيني، ووقف استهدافهم بالاعتقال أو الابعاد، وصون الحصانة التي يتمتعون بها، وحماية مكانتهم وعدم المساس بهم أو تعطيل دورهم.
كما ونأمل من الفصائل الوطنية والاسلامية وخاصة حركتي فتح وحماس الى اتخاذ خطوات فعلية وجادة تؤدي إلى انهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وإعادة تفعيل دور المجلس التشريعي.
ويبقى للبرلمان الفلسطيني أهميته ومكانته، ولأعضائه حضور بين أوساط شعبهم الفلسطيني الذي ما زال يحلم بقدوم ذاك اليوم الذي يرى فيه المجلس التشريعي منعقدا بمشاركة كافة أعضائه وإعادة تفعيل المؤسسة التشريعية.