من المعتصم بالله الى المعتصم بأمريكا بقلم السفير د. عمر شلايل

السبت 09 سبتمبر 2017 04:19 م / بتوقيت القدس +2GMT



 سأتحدث في مقالي هذا حول ما يجري للمسلمين الروهينجا في بورما (ميانمار )، وأحاول وضعه في سياق تاريخي كي تضج الصورة

●أولا/خلفية تاريخية منذ مايقرب من (1180)عاما: يروى عن "المعتصم بالله" إبن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور ثامن الخلفاء العباسيين ، والذي كان في عهد أخيه المأمون واليا على الشام ومصر ، وبويع بعد وفاة أخيه في 10/8/833 ولقد لقب بالمعتصم في اليوم نفسه.وكان المعتصم يوصف بأنه رجل قوي البنية وشجاع ، وقد تميز عهده بإستعانته بالأتراك للحد من الصراع بين العرب والفرس في جيشه وحكومته. والذي يروى أن رجلا قدم إلى المعتصم ناقلا له حادثة قد شاهدها بنفسه قائلا: يا أمير المؤمنين كنت بعمورية، فرأيت إمرأة تجر إلى السجن وهي عربية مسلمة في السوق وهي إمرأة مهيبة جليلة فصاحت: "وامعتصماه" فأرسل المعتصم إلى أمير عمورية قائلا له : من أمير المؤمنين إلى كلب الروم ، أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش أوله عندك وآخره عندي، فلم يستجب الأمير الرومي ، فمضى المعتصم بجيشه الكبير لمحاصرة عمورية، فلما استعصت عليه قال : اجعلوا النار في المجانيق، فاستسلمت المدينة بعد أن حاصرها مدة ستة أشهر ، ودخل المدينة وقال للمرآة المستنجدة: هل أجابك المعتصم..؟ قالت: نعم. وكان قد قتل من الروم مايقرب من (30) ألفا ، وقال أبوتمام في وقعه عمورية قصيدته البائية: السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ * في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ.

● ثانيا/ من هي بورما (ميانمار)، وما الذي يجري فيها؟ ميانمار هي إحدى دول جنوب شرق آسيا إنفصلت عن حكومة الهند البريطانية عام 1937 نتيجة للانتخابات التي جرت فيها بين بقائها في حكومة الهند البريطانية أو استقلالها لتكون مستعمره بريطانية منفصلة.

وتشكلت مليشيا " الرفاق الثلاثون" وهي قوة مسلحة لطرد الاحتلال البريطاني في عام 1940م تدربت في اليابان. وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية التي إنتصر فيها الحلفاء أعادت بريطانيا ضمها كمستعمره بريطانية.

وعلى العموم نالت بورما استقلالها في عام 1948 وانفصلت عن الاستعمار البريطاني. يختلف السكان في بورما حسب التركيب العرقي واللغوي ويتحدث أغلب سكانها اللغة "البورمية" ويطلق على هؤلاء إسم "البورمان" ، وباقي السكان يتحدثون لغات متعدده ومن بين هذه الجماعات جماعة "الأركان" ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات "أركان بوما" وجماعات الكاشين حيث ينتشر الاسلام بين هذه الجماعات.

وبورما تحدها من الشمال الشرقي الصين، وتحدها الهند وبنغلادش من الشمال الغربي ، ولبورما حدودا مع لاوس وتايلاند، اما حدودها الجنوبية فسواحلها تطل على خليج البنجال والمحيط الهندي ، فهي إذن في موقع استراتيجي وبذلك فهي في محل استهداف للقوى المركزية الكبرى في صراعها الدائم حول المواقع الهامة لمصالحها الحيوية. وقبل استقلال بورما عام 1948 ، كانت تحت الاستعمار البريطاني حيث واجه المسلمون الاستعمار البريطاني بقوة وعنف، فبدأت بريطانيا حملتها للتخلص من المسلمين عبر سياساتها "فرق تسد" وأدخلت بريطانيا الفرقة بين البوذيين والمسلمين. وقد لعبت بريطانيا دورا قذرا كعادتها الذي هو من أبرز صفاتها والتي نعرفها نحن جيدا في فلسطين، وتمثل دورها في

: 1- طرد المسلمين من وظائفهم وإحلال البوذيين محلهم.

2- مصادرة أملاك المسلمين وتوزيعها على البوذيين.

3- حبس قادة المسلمين أو نفيهم خارج البلاد.

ب4- ووصل الأمر إلى ماهو أخطر من ذلك وهو أن بريطانيا كانت تمد البوذيين بالسلاح وتحرضهم ضد المسلمين حتي أوقعوا المسلمين بالمذبحة الشهيرة في عام 1942 حيث تم قتل مائة ألف مسلم في "أركان".

5- ومن هذه السياسة أيضا إغلاق المعاهد والمدارس والمحاكم الشرعية والقيام بنسفها بالمتفجرات. وعلى العموم فإن عدد سكان بورما يصل إلى (55) مليون نسمة وتصل نسبة السكان المسلمين إلى حوالى 20% ونصف عدد المسلمين من إقليم "أركان". وقد دخل الاسلام الى بورما عن طريق إقليم "أركان" بواسطة التجار العرب في عهد الخليفة "هارون الرشيد"،والبورمان هم العدد الأكبر وأصلهم من التبت الصينية وهم قبائل شرسة ، وعقيدتهم هي البوذية هاجروا الى بورما في القرن السادس عشر،وهم الطائفة الحاكمة، والمسلمون يعروفون في بورما ب"الروهينجا"، وهم الطائفة الثانية بعد البورمان، ويصل عدد المسلمين إلى حوالي (10) ملايين نسمة.

●ثالثا : الحرب الأهلية لم تهدأ الحرب الأهلية في بورما منذ حصولها على الاستقلال عام 1948 وحتي اليوم ، وهي حروب من أجل الحكم الذاتي العرقي في شهر أكنوبر 2012 شملت الصراعات الجارية في بورما الصراع في كاشين بين جيش استقلال كاشين المؤيد للمسيحية والحكومة وحرب الإبادة التي شنتها المجموعات الحكومية وغير الحكومية على مسلمي الروهينجا في ولاية راخين.

إن من نتائج الحرب التي يتعرض لها المسلمين من جرائم القتل والحرق والتعذيب والتقطيع التي تمارسها سلطة "ميانمار" هي في آخر إحصائيات الامم المتحدة التي صدرت يوم الاربعاء الماضي إلى أن هناك (146) ألف من "الروهينجا" المسلمين فروا من العنف من "ميانمار" إلى بنغلادش، منهم (21) ألف طفل ، ومقتل 400 مسلم خلال سبعة أيام وحرق (2600) منزل بولاية راخين، وغرق (20) شخصا أثناء هروبهم. كما وثقت الامم المتحده أعمال إغتصاب جماعي ، وعمليات قتل شملت أطفالا ، وفي أول أيام عيد الأضحى أكد جيش "ميانمار" مقتل 400 شخص، وأن زعيمة البلاد "أونج سان سوكى" تقوم بتشجيع قوات الأمن على إرتكاب الجرائم الأنسانية ضد المسلمين.

رابعا: من نسأل..؟ ها نحن نصل بعد قراءة موجزه وسريعة لنسأل أنفسنا ونسأل حكامنا العرب وحكام المسلمين ، ونسأل الجامعة العربية ، قبل أن نسأل الدول العظمى التي تدعي الديمقراطية وحقوق الانسان ونسأل الأمم المتحدة صنيعة الدول الكبرى ، ونسأل المؤسسات الدولية والقانون الأنساني عن هذا الإجرام وعن هذه الوحشية وكذلك عن هذا الصمت المخزي لنا أولا كعرب ممن نزلت عليهم الدعوة أولا وهم حملتها للعالمين ، ونسأل حكام الأمة الاسلامية ، ونسأل الأزهر الشريف وهل يكفى الذي قاله في مؤتمره الصحفي.. وهل يكفي ماقاله أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية في بيانه الرسمي الذي عبر فيه عن استنكاره الشديد لما يجري ، والخرس الشديد الذي أصاب رؤساء وملوك أمتنا المتفرجين على مايجري ، ونسأل الأتحادات والنقابات ونسأل الشوارع ونسأل الجوامع ، ونقول لهم : أتتفرجون على ذبح المسلمين أمام أعينكم؟ والله الذي لا إله إلا هو ليسألنكم الله يوم القيامة عن صمتكم وعن ولائكم لأمريكا.

اتتفرجون على هذا الاجرام ولا تنتابكم موجه غضب ، ولاتصرخون في وجه العالم ؟ قاطعوا بورما وكل حلفائها إذا بقيت لكم بقية من شرف. أنا أعرف أن عصر المعتصم بالله قد ولى وأن عصر المعتصمون بأمريكا هو الحاضر .

ولا نقول إلا ماقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس ياأرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وربنا فلمن تكلنا إلى بعيد يتجهمنا أم إلى عدو ملكته أمرنا، إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي ، لكن عافيتك هي أوسع لنا ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخره أن يحل بنا غضبك ، او أن ينزل بنا سخطك ، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولاقوة إلا بك". والحمد لله رب العالمين

السفير الدكتور/ عمر شلايل - غزة