"عقدت السلطة الفلسطينية ووفد الولايات المتحدة اجتماعاً مثمراً ركّز على كيفية بدء محادثات جوهرية للسلام الإسرائيلي - الفلسطيني. واتفق الجانبان على مواصلة المحادثات التي تديرها الولايات المتحدة باعتبارها أفضل طريق للتوصل إلى اتفاق سلام شامل".
هذا هو النص الذي بعثته القنصلية الأميركية العامة في القدس؛ سطران ونصف السطر، كأنها بلاغة الإيجاز!
مثمر، هو وصف اللقاء-الاجتماع، أما الهدف بحث كيفية بدء المحادثات، والاتفاق كان على مواصلة المحادثات. أما المحادثات فموصوفة بأنها من إدارة الولايات المتحدة. والتي هي: أفضل طريق للتوصل إلى اتفاق سلام شامل.
"فسّر الماء بعد طول الجهد بالماء"؛ لقد انطبق المثل عليّ وأنا أكتب هذه الأسطر، بل التي اقتبستها، لكن مهلاً، لعلّنا نصل إلى تفسير آخر جديد.. ربما.
هل وصلنا إلى أقل الكلام؟
ما قبل اللقاء قرأنا:
"قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، إن زيارة الوفد الأميركي لرام الله، ولقاء رئيس دولة فلسطين محمود عباس، هي زيارة مهمة ومفصلية، تأتي عقب الجولة التي قام بها الوفد الأميركي للمنطقة، ولقائه مع عدد من القادة العرب. وأضاف أبو ردينة: إن الرئيس أجرى مشاورات معمقة مع الملك عبد الله الثاني، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عقب لقائهما بالوفد الأميركي، الأمر الذي قد يخلق فرصة جديدة لتحقيق تسوية تقوم على أساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، ووقف التدهور الحاصل على المسيرة السلمية".
في الصفحة نفسها نقرأ:
"قال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي: إنه يتوقع من الوفد الأميركي أن يحمل معه ردوداً عن الأسئلة التي وجهها الجانب الفلسطيني له، خاصة حيال الموقف من حل الدولتين وإمكانية إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67 وحول الاستيطان، وحول إن كان هناك فرصة تاريخية للاستمرار في عملية تسمح بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي أم إن كل هذه الزيارات مضيعة للوقت".
ما بعده نستمع مساء للرئيس محمود عباس والمبعوث الأميركي جاريد كوشنر لما قرأناه. لا جديد سوى الأماني!
اجتماع مثمر، والاتفاق على مواصلة الحديث، وتكرار قناعتنا بأن المحادثات الفلسطينية-الإسرائيلية أفضل طريق للتوصل إلى اتفاق سلام شامل..
أي أن الاجتماع حسب النص المنشور والتصريح المسموع أثمر مواصلة الحديث.. وتكرار القناعات..
أي ثمر عجيب الذي نأكله نحن الجوعى للسلام الشامل؟!
سخرية الأخ الذي زار أخته فراح يحدثها عن السوق وما به، وكيف أنه كان يكرر رغبته بإحضار شيء من تفاحه وعنبه، وهي تكرر "بدنا إياك سالم يخوي"، فما كان منه، وهو الذي لم يأت بأي شيء خلا نفسه، إلا أن قال "خليهم يوكلو".
خلينا نوكل!
يبدو ألا إجابات هنا على أسئلتنا التي نوجهها للوفد الأميركي الزائر، "خاصة حيال الموقف من حل الدولتين، وإمكانية إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67 وحول الاستيطان، وحول إن كان هناك فرصة تاريخية للاستمرار في عملية تسمح بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي".
هل وصلنا إلى أقل الكلام؟
قلي بربك، أو قولي: لم اعتدنا الفترة الأخيرة على أن نلقي أسئلة نعرف إجاباتها أكثر من غيرنا؟
هل لأجل ذلك ختم الوزير رياض المالكي حديثه عن الأسئلة بقوله: "أم إن كل هذه الزيارات مضيعة للوقت؟".
شخصياً، لا أظن أن الزيارة هي كذلك: مضيعة للوقت، فلا أظن أن دولة عظمى لديها وقت زائد لتضيّعه!
هل وصلنا إلى أقل الكلام؟
فإن كان كذلك فماذا عن الفعل؟ هل هو أقله أم أكثره أم ما بينهما؟
الفعل، فلسطينياً: مظاهرة في رام الله، وصفت بالصغيرة، وتصريح لنائب قائد حركة "فتح" الأخ محمود العالول:
"مظاهرة على دوار المنارة ضد زيارة الوفد الأميركي، وشارك فيها عشرات المتظاهرين فقط"، لعلي أقتبس ما أورده الكاتب هاني المصري في وصفه للمظاهرة، ودعوته للجمهور للبحث في دلالاتها:
"انتهت مظاهرة على دوار المنارة ضد زيارة الوفد الأميركي، وشارك فيها عشرات المتظاهرين فقط" رغم أن الداعين لها فصائل طويلة عريضة، ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات! لماذا المشاركة محدودة جداً رغم أن غالبية الشعب الفلسطيني ضد العداء الأميركي للفلسطينيين، وانحياز إدارة ترامب الأعمى لإسرائيل؟
يمكن أن يكون السبب أن الناس لم تعد تثق بالفصائل والقائمين على الدعوة، أو لأنها فقدت الأمل بجدوى هذه الأشكال أو بجدوى النضال، أو لأن الداعين لا يقبضوا أنفسهم؛ بدليل أنهم قادرون على حشد أكبر بكثير، وإذا لم يكونوا كذلك، فكيف سيقبضهم الناس؟ رغم ذلك لا أدعوا للكف عن التظاهر بأي أعداد، لأن تظاهرة صغيرة أفضل من لا شيء، ولكنني أدعو للبحث في هذا الوضع، وتقديم اقتراحات لتجاوزه".
تظاهرة صغيرة أفضل من لا شيء...
أما عن تلبية دعوة الكاتب المصري للبحث في هذا الوضع، لتقديم اقتراحات لتجاوزه، فلذلك مقام آخر، يفسّر، سيكو-سوسيولوجياً، وسياسياً وثقافياً وإنسانياً ووو...، حسب ما يرتئيه الحال، وحسب ما يحتاجه الفقيه المفسّر.
نعود لفعل "فتح"، من خلال نائب قائد الحركة الذي ركّز على أن:
• "الإدارات الأميركية المتعاقبة تعطينا وعوداً وتتبخر... أبلغنا الإدارة الأميركية بعدم قبولنا مناقشة القضايا الثانوية، ويجب التركيز على القضايا المتعلقة بالدولة الفلسطينية والوضع النهائي".
هل وصلنا إلى أقل الكلام؟
فإن كان كذلك فماذا عن الفعل؟ هل هو أقله أم أكثره أم ما بينهما؟
أما الفعل عربياً، فلعله صار كحال الفعل الأميركي: استمرار الحديث وربما التوسط بيننا وبين الإسرائيليين!
وهو في جوهره انعكاس لعلاقات القوة والمصالح، نرجو أن يتجاوز ذلك، لقيادة ضغوط عالمية على الاحتلال لا علينا.. ونرجو أن يكون للقضية الفلسطينية دور في تطور العلاقات الثنائية، لا أن تكون أمراً ثانوياً، وأصلاً فإن العرب سيقوون بفلسطين، إن تأملوا في عمق تأثيرات قضيتها.
ضم الوفد الزائر من الولايات المتحدة: المبعوث الأميركي لعملية السلام جيسون غرينبلات، وجاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي، ودينا باول نائب مستشار الأمن القومي للشؤون الاستراتيجية، فما علينا إلا أن نقول للزوار: أهلاً وسهلاً.. أما الفعل، فلا أظنه بشكل جوهري ورئيس إلا فعلنا..
فقط لتقرأ التاريخ جيداً، ولنتأمل في طاقاتنا، وفيما يعيقنا، وقتها سنمضي، هكذا قالت لنا الحنونة، وفراشة الوادي!
Ytahseen2001@yahoo.com