الحديث عن عقد المجلس الوطني وعن ضرورته الملحة، يدور متواصلاً منذ سنوات ويرتفع موجه بين فترة وأُخرى، لكنه لا ينعقد.
من أوائل العام الحالي ارتفع موج الحديث الى مستوى أعلى، ووصل الى ما يقرب الذروة منذ شهر من الآن.
لكن المجلس لم يعقد، ولا حدد له موعد ولا برنامج عمل او جدول أعمال. ولا حدد بأي أعضاء سيتم عقده، ولا مكان انعقاده.
ولا تزال مواقف التنظيمات حيال المشاركة والحضور غير نهائية، تتراوح بين الحماس والقبول، وبين الرفض، وبين التردد المشروط.
وما زالت اللجنة التحضيرية للمجلس لم تدع الى الانعقاد للتحضير والاتفاق على العناوين الجدلية المشار إليها، او لتدوير الزوايا والتوصل الى حلول وسط لبعضها.
حركة فتح كتنظيم، وبوصفها التنظيم القائد في المنظمة والسلطة، تبدو متحمسة ومصرّة على عقد المجلس الوطني. يشاركها في ذلك التنظيمات المنضوية في منظمة التحرير باستثناء الجبهة الشعبية التي تضع مطالب محددة لحسم مشاركتها.
اما حركتا حماس والجهاد الإسلامي فما زال موقفهما، ودون الدخول في المبررات والأسباب، هو رفض الفكرة ورفض المشاركة في حال تحقق الانعقاد.
الحديث عن الضرورة الملحة لانعقاد المجلس الوطني على كل المستويات الوطنية والمشروعية والبرنامجية والسياسية والتنظيمية والتجديدية و..و.. هو حديث تحصيل الحاصل.
لكن بعد التسليم بالضرورة الملحة وحتى يعطي انعقاد المجلس النتائج الملبية لهذه الضرورة فإن عدداً من التساؤلات والعناوين تفرض نفسها بإلحاح.
اذا تجاوزنا الأسئلة المباشرة، على أهميتها، وأولها سؤال إمكانية الانعقاد ومكانه وإمكانية وضمان وصول كل الأعضاء اليه بدون تعقيدات وتبعات تطال من يحضره، فان العنوان الأهم يبقى السؤال عن ماذا يراد من انعقاد المجلس وما المطلوب تحقيقه من انعقاده.
ان انعقاد المجلس الوطني بعضويته القديمة ( جدا) وبمن بقي على قيد الحياة منها ومن يقبل الحضور او يمكنه الحضور من الأعضاء والتنظيمات يبقى، على كل حال، انجازاً بالقياس الى الواقع الحالي بكل ما يعيشه من تكلس وترهل وشيخوخة وضعف المشروعية.
وبالقياس أيضاً الى واقع الخلاف والانقسام الضاربة جذوره عميقاً في النظام السياسي الفلسطيني العام.
ولكنه يبقى في كل حال ايضا، إنجازاً شكلياً يعطي مشروعية محدودة لما هو قائم ويجدد وبشكل محدود ايضا في بعض الوجوه والمواقع، وهذا اقل بكثير من ما يتطلبه الواقع الوطني الفلسطيني بإلحاح على كل الأصعدة وفي جميع المجالات.
ولا يغير من شكلية الإنجاز نجاح المجلس الوطني، اذا ما تم انعقاده فعلا، في اتخاذ قرار بعقد دورة اخرى سريعة تقوم على انتخابات جديدة لعضويته وعلى إنجاز كل التحضيرات الضرورية واهمها بذل كل محاولة وجهد ممكن لمشاركة الجميع الوطني، والاتفاق على مشروع البرنامج الوطني.
فهذا قرار يصعب التحكم بتعرجات مساره ويصعب اليقين بالقدرة على تنفيذه.
ان مجرد عقد دورة المجلس الوطني بعضويته القديمة (جدا) هو، وقبل اي شيء، اعتداء على حق المواطن الفلسطيني في اختيار مندوبيه الى المجلس الوطني عبر انتخابات حرة وديمقراطية في مناطق السلطة الوطنية، وحيث امكن من بلدان الهجرة وبلدان طلب الرزق العربية.
وما دمنا فيها:
فلماذا لا يقرر اجتماع مشترك لرئاسة المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تشكيل لجنة تحضيرية مختلفة ذات طابع ومهام غير تقليدية او روتينية وذات صلاحيات أوسع، تحضّر لعقد دورة مجلس وطني على الأصول والمبادئ التنظيمية والديمقراطية.
ولماذا لا تكون عضوية هذه اللجنة واسعة تضم كل التنظيمات بلا استثناء، ولكن تبقى أغلبية قوامها ورئاستها لشخصيات وكفاءات وطنية معروفة متنوعة الخبرات والكفاءات.
ولماذا لا يسبق تحديد موعد المجلس الوطني فترة كافية تقوم فيها اللجنة التحضيرية المذكورة بالحوار المسؤول والصريح والموضوعي مع كل التنظيمات السياسية ومع المجتمع الفلسطيني بكل هيئاته ومكوناته ومع الناس مباشرة، بهدف تأمين أوسع مشاركة سياسية ومجتمعية في المجلس، وأوسع مساهمة في وضع او اقتراح توجهات المجلس وأهدافه ومشاريع برنامجه وقراراته.
بالمحصلة لماذا لا تنظم هذه اللجنة حالة جماهيرية نشطة حول المجلس الوطني ودوره والأهداف المرجوة من دورية انعقاده.
ولماذا لا تكون هذه اللجنة هي من يشرف على الانتخابات حيثما تجري، وهي من يتصدى بشكل حازم لاي جهة تعيق مسار انعقاد المجلس الوطني او تعطي لنفسها حق النقض لمبدأ عقد المجلس، او حق منع إجراء انتخابات الأعضاء المندوبين له حيث يمكنها ذلك. وتكون هي من يتصدى لهذه الجهة وتفند أعذارها وتكشف دوافعها وخلفياتها، ومضار كل ذلك على المسار الوطني.
ولماذا لا تتم الاستعانة بالوسائل التقنية للتغلب على مشكلة مكان الانعقاد وعدم إمكانية البعض الوصول اليه، او رفض بعض آخر انعقاده فيه لأسباب مختلفة.
لا يمكن النظر الى انعقاد المجلس الوطني في هذه الايام كرفاهية نقبل عليها او نستمر بتجاهلها وبتأجيلها، ولا كاجراء عادي روتيني. لقد اصبح انعقاد المجلس الآن وبعد كل هذه السنين ضرورة حتمية لا يمكن التغافل عنها او استمرار تأجيلها.
ضرورته الحتمية تنبع أولاً من ضرورة ان يشكل انعقاده اول طريق الخروج من الواقع الوطني الفلسطيني الحالي بكل ما يتوفر الإجماع عليه من نواقص وقصورات ونقص واسع في الشرعيات وتقادم للبرنامج وتغييب لدور الناس وهيئاتهم المجتمعية و.... وانقسام عمودي يضرب وحدة النظام السياسي.
وتنبع ثانياً من ضرورة ان يكون بداية الطريق لتصحيح وضع القضية الوطنية الفلسطينية على سلم الأولويات الدولية، وقبلها، واهمها، على سلم الأولويات العربية.
بدون ذلك، يبقى انعقاد دورة للمجلس أمراً شكلياً وذا قيمة ثانوية.