تنشغل إسرائيل في الفترة الأخيرة بترتيبات ما بعد انتهاء الحرب السورية وهزيمة "داعش"، والتي كان من مؤشراتها اتفاق تخفيض التوتر على جبهة جنوب سوريا القريبة من الحدود مع إسرائيل ومع الأردن، والاتفاق الذي وقعته روسيا وأمريكا بحضور الأردن.
لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست استعرضت الحالة الأمنية السياسية في سوريا، كذلك نوقشت داخل الكابينت، ويبدو ان الموقف المتبلور يتمثل بدفع أمريكا باتجاه تبني موقف يراعي المصالح الأمنية الإسرائيلية.
وقد عادت، أول أمس، أعلى هيئة مفاوضات أمنية إسرائيلية، كانت في مهمة تأكيد المصالح الأمنية الإسرائيلية في أي اتفاق روسي أمريكي بشأن سوريا، يتوقع أن يتم البحث به قريبًا، وقد ضم الوفد الإسرائيلي رئيس "الموساد" يوسي كوهين ورئيس الاستخبارات العسكرية هرتسي هليفي والسفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر ومدير عام وزارة الخارجية زوهر بلاطو ونائب رئيس مجلس الأمن القومي ايتان بن دافيد، وقد التقى هؤلاء مع رؤساء الهيئات الأمنية الأمريكية، ومع مستشار الرئيس للأمن القومي ومستشاريه للشرق الأوسط.
الوفد الإسرائيلي قدم للأمريكان تقارير والكثير من المعلومات الموثقة والحساسة حسب صحيفة "يديعوت احرونوت" عن الدور والنفوذ والنشاط الإيراني بشكل عام، وعن نشاطهم في سوريا بشكل خاص، بما في ذلك بناء قوات موالية لهم على حدود الجولان، وتوجههم لبناء رصيف خاص بهم في ميناء طرطوس، ليؤمن وصول إيران إلى البحر الأبيض بعد استكمال بناء ما يسمى بالهلال الشيعي، ومن المؤكد أنهم أعربوا عن قلقهم من تزايد النفوذ الإيراني وتحولها إلى دولة إقليمية خرجت منتصرة من المواجهة الإقليمية وتبحث عن تعزيز دورها، الوفد الإسرائيلي عرض على الأمريكان أيضًا دور حزب الله في سوريا وقرب الحدود الاحتلالية.
الوفد الإسرائيلي حمل مطلبًا رئيسيًا، وهو ان تلتزم أمريكا بضمان خروج إيران وحزب الله من سوريا عند توقيع اتفاق إنهاء الحرب، الذي من المحتمل ان يتم توقيعه بين روسيا وأمريكا إذا ما استمر المنحى الإيجابي الحالي لانخفاض التوتر وتراجع شدة المعارك؛ إلا ان الوفد لم يستطيع ان يتحصل على الضمانات المطلوبة، بل إنهم عادوا - بحسب "يديعوت" - ولديهم شعور بالقلق الناتج عن الانطباع الذي تولد لديهم نتيجة اللقاءات ان أمريكا متلعثمة فيما يتعلق بسوريا، وليست لديها أية خطة، ولا تتصرف كلاعب رئيسي، وهدفها الأول هو هزيمة "داعش" والانسحاب تدريجيًا، وأنه برغم مصادقة الرئيس ترامب على مجموعة عقوبات ضد إيران؛ إلا أنه لا ينوي فعلًا فتح هذا الملف، حيث انشغاله بالملف الكوري والفنزويلي والملفات الداخلية الأمريكية والتحقيقات بشأن العلاقة الروسية.
ولأن الأمر يقع بالنسبة لإسرائيل ضمن أولويات سياسات أمنها القومي العليا، فهي تضعه على طاولة النقاش الدائم، سواء داخل الكابينت أو داخل المؤسسات ذات الصلة مثل لجنة الخارجية والأمن، وعلى طاولة الرأي العام الإسرائيلي، وأيضًا على طاولة الاهتمام الدولي. وعليه فإن نتنياهو سيحمل ذات الملف وذات الطلب إلى اجتماعه مع بوتين المقرر الأربعاء القادم، والذي تم بناءً على طلب نتنياهو، كما ان ذات الوفد الامني الإسرائيلي سيسافر قريبًا إلى موسكو لنقاش الأمر مع نظرائهم الروس.
من المعروف ان دولة الاحتلال - فيما يتعلق بما تسميه مصالحها الأمنية - تبالغ كثيرًا ومثلما يقول المثل "بتعمل من الحبة قبة"، ولا حدود لهوسها ومبالغاتها الأمنية طالما أمكنها ذلك، فهي عادة تعمل وفق سيناريو الكابوس لتحصل على أفضل ما يمكن، وهي في كل الأحوال تسير وفق مسارين: مسار الضغوط السياسية، بما في ذلك المساومات والصفقات، لا سيما أمام روسيا؛ ومسار العمل العسكري والنشاط الأمني السري والعلني طالما أمكنها ذلك، وكان خيارها الأنسب والأنجح.
وعلى مسار التهديد العسكري، كان من الملفت للاهتمام إبراز الأقوال التهديدية التي أطلقها قائد سلاح الجو أمير ايشل عشية مغادرته منصبه، حيث أجرى لقاءً تلفزيونيًا مع القناة الثانية، وظهرت خلفة طائرة الشبح (اف 35) التي أثناء لقائه أشار إليها بأنها منحت الردع الإسرائيلي درجات نوعية عالية، متفاخرًا بأنها تستطيع ان تضرب عشرين هدفًا في نفس الوقت، واعترف في نفس اللقاء بأن سلاحه نفذ مئات المهمات في إطار المحافظة على أمن إسرائيل، مهددًا ان كل لبنان في وقت واحد سيشعر بالقوة الإسرائيلية في حال اندلعت الحرب، وملمحًا لإيران بأن سلاحه لديه الخطة والتدريب للتغلب على أي تحدٍ.
أحد الاسباب والدوافع التي تزيد من مستوى الانشغال الحكومي الإسرائيلي بما يسمى التهديد الإيراني يكمن في استخدام نتنياهو واليمين للتهديد الإيراني لإثارة الفزع والخوف داخل المجتمع الإسرائيلي، وأنه الوحيد القادر على التصدي لهذا التهديد، فكان من الملفت أن يقدم نتنياهو تلخيصًا لاستعراض رئيس "الموساد" كوهين داخل لجنة الخارجية والأمن أمام نشطاء "الليكود" في مدينة أسدود، حيث قال "سأقدم لكم ملخصًا في جملة بسيطة واحدة: داعش خرج، وإيران تأتي، ونحن نتحدث في الغالب عن سوريا"، وأضاف "إن سياستنا واضحة، إننا نعارض بشدة الحشد العسكري لإيران ووكلائها، وسنبذل كل ما بوسعنا لحماية أمن إسرائيل".
بيد ان القلق الإسرائيلي يزداد موضوعيًا، لا سيما وهي تراقب التغيرات الإقليمية في الفترة الأخيرة، وتغيرات تؤشر على ان المنطقة تنهي مرحلة وتقف على أعتاب مرحلة جديدة، وكل أطرافها الرئيسية تحاول ان تعيد النظر في تحالفاتها واصطفافاتها بناءً على نتائج الصراع وبما ينسجم ومصالحها، فالسعودية تنفتح الآن على تخفيف التوتر مع إيران، ورئيس أركان الجيش الإيراني باقري وقائد الحرس الثوري يزوران تركيا ويلتقيان مع الرئيس التركي، وهي الزيارة التي نظرت إليها تل أبيب بعين الشك، فعلق عليها المدير العام السابق لوزارة الخارجية دوري غولد بالقول "الزيارة تطور غير جيد، ويجب أن تثير القلق، فالإيرانيون يحاولون تقوية تأثيرهم في جميع أنحاء المنطقة، ويبذلون الجهود لفتح ممر بري من إيران، مرورًا بالعراق وسوريا وحتى حزب الله في لبنان. في حال نجحت إيران بتعميق علاقاتها العسكرية مع دول المنطقة فهذا أمر سيئ، رأينا في السابق انه حتى أشد الخصوم يمكنهم التعاون بشكل مؤقت من أجل تعزيز مصالح مشتركة؛ لذلك، من ناحيتنا فهذا التطور غير جيد ويتطلب متابعة".
كما ان أردوغان سيزور الأردن قريبًا في إطار تعزيز العلاقات الثنائية، لكن زيارته في الظروف الحالية تكتسب أهمية على مستوى الملفات الجيوسياسية الساخنة، لا سيما وأن الأردن يشكل عنصر توازن مهم لبعض ملفات المنطقة.