مقابلة مع مسؤول القبة الحديدية في إسرائيل.
يتحمل العميد تزفيكا حايموفيتش مسؤولية الحفاظ على أمن وسلامة أجواء دولة الاحتلال، وهو المكلف بحمايتها انطلاقاً من مكتبه الواقع في وزارة الدفاع الاسرائيلية "هكيريا" في مدينة تل أبيب.
لقد أصبحت سماء الشرق الأوسط مزدحمة وملبدة بالأحداث والتهديدات أكثر من أي وقت مضى، كما وازداد سعي "أعداء إسرائيل" للحصول على أسلحة حديثة ذات مواصفات عالية ومتقدمة، مما خلق المزيد من التحديات أمام سلاح الجو الإسرائيلي، وألقى بالمزيد من المسؤولية على العميد هايموفيتش، قائد شعبة الدفاع الجوي في سلاح الجو الاسرائيلي.
انضم حايموفيتش الى سلاح الجو الإسرائيلي سنة 1985، شاغلا عدة مناصب من بينها المسؤولية عن اعداد القادة في "كلية الدفاع الجوي" التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، ومنصب رئيس فرع التدريب في شعبة "الدفاع الجوي" بسلاح الجو، كما شغل منصب قائد جناح الدفاع الفعال، والقائد العام لجناح الدفاع الجوي.
يقول العميد حايموفيتش: "لقد شهدت شعبة الدفاع الجوي حركة بناء وتحسين أشبه بالثورة التطويرية خلال السنوات القليلة الماضية"، مضيفا أنه كان جزءا أساسيا من ورشة الثورة التطويرية تلك منذ انطلاقتها، حتى أن بإمكانه ذكر تواريخ محددة، ووصف لحظات معينة في التاريخ المهني لشعبته.
يضيف حايموفيتش، أن يوم 7 نيسان من عام 2011، وتحديدا الساعة 6:16 من مساء ذلك اليوم التاريخي، شهد إطلاق الاستخدام الأول للقبة الحديدية في دولة الاحتلال، ولقد نقلت هذه القبة كل من الطرفين، إسرائيل وأعدائها، الى عهد جديد من المواجهات، على اعتبار أن هؤلاء "الأعداء" أدركوا وللمرة الأولى أن إسرائيل أصبحت تمتلك أنظمة دفاعية قوية وقادرة على الإطاحة بصواريخهم، وفق ما جاء في المقال المترجم.
منذ مساء ذلك اليوم، وهو المحفور بعمق في ذاكرة حايموفيتش، امتلكت شعبة الدفاع الجوي الإسرائيلي أنظمة دفاع جوي متقدمة جدا، بحيث توفر لإسرائيل قبة حماية شاملة وقادرة على التعامل الفاعل مع التهديدات الصاروخية المتنامية، فعلى سبيل المثال هناك: القبة الحديدية، وهي مصممة لإسقاط الصواريخ قصيرة المدى، وهناك نظام السهم الصاروخي (بما يشمل نظام سهم-1 ونظام سهم-2)، المصمم لاعتراض الصواريخ البالستية خارج الغلاف الجوي للأرض.
بالإضافة الى ما سبق، هنالك أيضا نظام الدفاع الصاروخي المسمى "ديفيد سلينج" الذي دخل في الخدمة حديثا، وهو مصمم لاعتراض كل من الصواريخ البالستية التكتيكية، والصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، هذا بالإضافة الى صواريخ كروز التي يتراوح مداها بين (40) و (300) كيلومتر.
في هذا السياق، من المعروف أن حزب الله يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة المتطورة التي منحته إياها راعيته إيران، هذا بالإضافة الى امتلاكه للتكنولوجيات المتطورة، جنبا إلى جنب امتلاكه للخبرة القتالية التي اكتسبتها المجموعات القتالية للحزب في سوريا، مما جعل من حزب الله العدو الأكثر خطورة على الاطلاق بالنسبة لإسرائيل، وبصورة أكبر بالطبع من خطورة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، دون التقليل من خطرها.
ووفقا للعميد حايموفيتش، فان حرب اسرائيل الأخيرة مع حزب الله سنة 2006، كانت تجربة صعبة وهي التي شكلت الحافز الاجباري لإسرائيل لإنتاج القبة الحديدية.
أضاف حايموفيتش، أنه وخلال حرب لبنان الثانية، لم يكن لدى إسرائيل أي نظام إنذار مبكر، الا أن الوضع تغير الان وأصبحت جميع أنواع الأنظمة متوفرة لدى سلاح الجو الإسرائيلي، مضيفا أن بإمكانه التصريح بكل ثقة بأن حرب لبنان الثانية كانت الحافز الأكبر لإسرائيل للحصول على أنظمة دفاع أكثر فعالية.
يخلص حايموفيتش في تشخيصه ليؤكد مرة أخرى على أن تلك الحرب هي التي جعلت المسؤولين السياسيين والعسكريين في اسرائيل، يدركون مدى الحاحية هذه الأنظمة ومدى الحاجة الشديدة لها.
وفي وقت سابق، كان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله قد حذر مفاخرا بأن صواريخه قادرة على إصابة " كامل فلسطين المحتلة"، كما قال.
كان حزب الله قد أطلق ما يقرب من (4) الاف صاروخ على شمال إسرائيل، خلال شهر واحد فقط، وهو مدة تلك الحرب تقريبا. كما ويعتقد حايموفيتش أن إسرائيل تواجه خطرا محتملا من آلاف الصواريخ التي يمكن أن تهز كامل الجبهة الداخلية لإسرائيل في الحرب القادمة مع "المنظمة الشيعية الإرهابية"، وفق مصطلحه.
ويضيف: "إنه من السهل جدا مواجهة صاروخ واحد، ولكن الأمر يصبح تحديا هائلا عندما يتوجب عليك التعامل مع (100) أو (200) صاروخ، خصوصا عندما تكون موجهة الى مكان واحد، وفي وقت واحد أيضا. وفي حالة جدية وحرجة كهذه، لا يصبح هناك أي معنى للجغرافيا بعد ذلك، حيث لا ينفعنا القول ان حدودنا الشمالية أو الجنوبية فقط مهددة، لأن كل اسرائيل ستكون في مرمى الصواريخ. في حال مواجهة ضربة صاروخية من هذا النوع، سيعني ذلك أن الصواريخ قد تصل الى تل أبيب، والى هرتسيليا، والى القدس، ... الخ".
ان ما يقلق حايموفيتش ليس "رشقات " من صواريخ حزب الله فقط. فهو يرى أنه حتى لو تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية من تدمير عدد كبير من الصواريخ، فسيبقى على الأرجح عددا كبيرا منها في جعبته، مما يشكل خطرا كبيرا على أنظمة الاعتراض الصاروخية الإسرائيلية، وخصوصا ان أُمطرت تلك الأنظمة بوابل من الصواريخ في ان واحد، سواء من حزب الله أو من حماس، وكلاهما يعرفان جيدا الجدوى من وراء هذا النوع من الاطلاق، أي الاطلاق بكميات كبيرة، وعلى نقطة واحدة، وفي وقت واحد.
يضيف هايموفيتش أن "الفكر العملياتي" لحركة حماس قد تغير بين شهر نيسان من عام 2011، وشهر تموز من عام 2014، مستشهدا بأحداث ونتائج العدوان الاسرائيلي على غزة عام 2014.
لقد طورت "المنظمة" من قدراتها الصاروخية، ومن القدرة على اطلاقها، بحيث أصبحت لا تكتفي بالإطلاق الفردي لصاروخ واحد هنا أو هناك، بل لجأت بطريقة "خبيثة" الى إطلاق وابل من الصواريخ في وقت متزامن، لإرباك الدفاعات الاسرائيلية والقبة الحديدية.
وأضاف يقول: "للأسف، لقد انتهت الحرب الأخيرة مع حماس بينما كانت زخات من صواريخها تتساقط على القدس، وعلى زخرون يعقوب في الشمال ومتسبيه رامون في الجنوب".
حماس اطلقت حوالي 5000 صاروخ على اسرائيل عام 2104
لقد شهدت حرب العام 2014 إطلاق ما مجموعه (4,594) صاروخا من قطاع غزة باتجاه إسرائيل. وعندما كانت الحرب توشك على أن تضع أوزارها، ركزت حماس على إطلاق قذائف الهاون قصيرة المدى، مسجلة نتائج مؤسفة، أسفرت عن مقتل جنود ومدنيين، لم يكن ليديهم على الأغلب أي نوع من الانذار بسقوط صواريخ، أو ربما كان انذارهم ضعيفا.
يضيف حايموفيتش، ان أعداء إسرائيل قد أيقنوا أن إمطار إسرائيل بنحو (4,500) صاروخ لا يكفي، وأنهم بحاجة إلى صواريخ أشد فتكا وأكثر دقة. وهنا تتفاخر حماس بأن ترسانتها من الصواريخ تنمو بشكل متزايد، وأنها تقوم باختبارها بشكل منتظم منذ انتهاء عملية الجرف الصامد (حرب العام 2014).
من ناحية أخرى، ذكر تقرير أذاعه راديو الجيش الإسرائيلي في شهر اذار 2017، أن حماس قد قامت مؤخرا بإنتاج صاروخ قصير المدى يصل مداه الى (10) كيلومتر، قادر على حمل كميات كبيرة من المتفجرات، ويتراوح وزن الرأس الواحدة منها بين عشرات ومئات الكيلوغرامات، وهو ما يشبه صاروخ "بركان" الذي يمتلكه حزب الله، والذي يتراوح وزنه بين (100) و (500) كيلوغرام.
وقد حذر الجيش الإسرائيلي من أن حماس أعادت ترميم وبناء قدراتها العسكرية، لتعود كما كانت قبل حرب العام 2014، ومن المتوقع أن المناطق الجنوبية الواقعة على الحدود مع قطاع غزة ستتعرض للمزيد من القصف بالصواريخ، وقذائف الهاون في الحرب القادمة.
خطة طوارئ لاخلاء مستوطنات محيط غزة لدى اندلاع حرب جديدة
في هذا السياق أيضا، ذكر رئيس المجلس الإقليمي لمنطقة عسقلان، يائير فرخون، في مقابلة مع اذاعة الجيش الإسرائيلي في شهر اذار 2017، أن قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي تحتفظ منذ الان بخطة طوارئ جاهزة لإجلاء السكان الذين يعيشون في المناطق الحدودية، في حال وقوع حرب في هذه المنطقة.
وأضاف: "نحن مستعدون لكل السيناريوهات الممكنة، وإذا كان الخيار هو إخلاء المنطقة من سكانها، فسنكون قادرين فعلا على إخلاء كل السكان من منازلهم واخلاء كامل المنطقة"، وأضاف، أن المدنيين ليسوا بحاجة الى أن يتواجدوا في خطوط أمامية خطرة كتلك.
وأضاف هايموفيتش، أن عملية الجرف الصامد كانت واحدة من أكثر الأزمات التي خاضتها اسرائيل من حيث التحدي والصعوبة، حيث شهدت استهداف ثلثي البلاد بأكثر من (4,500) صاروخ أطلقتها حماس خلال تلك العملية.
يضيف حايموفيتش، بصيغة شهادة، قائلاً: "أذكر أنني كنت في أحد أيام السبت خلال تلك الحرب في عسقلان، والتقيت عائلة متدينة لديها ثلاثة أطفال، وبادرتهم بالسؤال حول ماذا يفعلون في المنطقة، والتي كانت بطبيعة الحال غاية في التوتر والخطورة، فأجابوني بأنهم هنا لأنهم يثقون في قدرة الرب على حمايتهم، ولكنني أخبرتهم أن الثقة في الرب لا تكفي لحمايتهم، ولكن شعور الأمن والحماية الذي قد يشعرون به، هو بالفعل يعود للقبة الحديدية، وليس الى الرب".
ووفقا لتقديراته، فإنه في الوقت الذي يسجل فيه نظام القبة الحديدية نسبة عالية من النجاح، إحصائياً، فانه لا يمكن للمدنيين الاعتماد على تلك القبة لوحدها كسبيل وحيد لحمايتهم.
يشدد العميد الاسرائيلي : "انطلاقا من مسؤوليتي الشخصية، فإن من واجبي التنبيه بأنه لا يوجد ما يسمى "حل سحري". وفي الحقيقة، لا يهم فيما إذا كانت صواريخ حماس أو حزب الله هي التي ستتساقط على دولة الاحتلال، بل ان المهم هو حاجتنا الضرورية لأن يكون الأداء الدفاعي للقبة الحديدية فعالا الى أقصى حد ممكن، وأن تكون ردة فعل السكان فعالة من خلال النزول والتستر في الملاجئ بأسرع وقت ممكن أيضا".
ويتابع ، بأنه ما من شك لديه في أن "أعداء إسرائيل" "سيشكلون تحديا جديا لإسرائيل في المعركة المقبلة"، غير أنه على ثقة بأن الجيش الإسرائيلي لديه حلولا لجميع المشاكل التي قد تواجهه.
يضيف حيموفيتش قائلا: "سيجد كل من حزب الله وحماس، في الحرب القادمة، الجيش الإسرائيلي وسلاحه الجوي في حالة غير مسبوقة من الجاهزية والاستعداد، ولقد قمنا بتحديث أنظمتنا الدفاعية، كما تحصلنا على أنظمة جديدة كذلك..." وفق المقال.
على الجانب الآخر، وعلى الرغم من كل هذه التكنولوجيا لدى سلاح الجو الإسرائيلي، يشير حايموفيتش الى وجود العديد من المخاوف التي ما تزال ماثلة أمامه، فيقول: "ان ما يقض مضجعي من النوم في الليل، هو كيفية أن نكون مستعدين قدر ما في وسعنا، ولا أستطيع الادعاء بأنني أمتلك شرف القول إننا كنا في حال جيدة خلال عملية الرصاص المصبوب، بل يتوجب علينا أن نكون في غاية الاستعداد للمرة القادمة، وعلينا أن نبقي على تعلمنا من الدروس وعلى النمو والتطور في ذات الوقت، وأن نتأكد دوما من أن الجميع يتمتعون بالحماية الكافية".
واختتم حايموفيتش بالقول: "هناك حقيقة أؤمن بها تماما، وهي أنه كلما مر يوم، كلما اقتربنا من الحرب المقبلة".
ترجمة " وطن للانباء