بقلم: ناحوم برنياع
على نتنياهو أن يبعث هذا الصباح بالورود لضابط الامن زيف في السفارة الاسرائيلية في عمان وان يشكره، ولحظه السعيد، على المواجهة التي وقعت في سكن موظفي السفارة. فقد كلفت المواجهة حياة مواطنين اردنيين اثنين، ولكنها وفرت لنتنياهو السلم الذي سمح له بان ينزل عن سخافة البوابات الالكترونية في الحرم.
هذه هدية واحدة لا تشكل خرقا لقانون الهدايا. هالوليا. الملك عبدالله يستجم هذه الايام في الولايات المتحدة. وحسب نبأ ما فانه في هاواي. وحسب نبأ آخر في الشاطيء الغربي. يوم الاحد مساء، بعد وقت قصير من الحادثة، طلب نتنياهو الحديث مع الملك هاتفيا. عبدالله لم يكن متوفرا. في اسرائيل اخذوا الانطباع بان فارق الساعات كان مجرد ذريعة. فقد ترك الملك نتنياهو يتصبب عرقا.
وقد تصبب عرقا. فليس فقط أمن الدبلوماسيين في سفارة اسرائيل في عمان كان على الكفة بل ايضا مستقبل العلاقات مع الاردن ومع دول سنية اخرى في المنطقة، بينها تركيا والسعودية، واحتمال تهدئة العنف في اسرائيل وفي الضفة. ومثلما حصل في الماضي، يتجند الجميع للمساعدة. جيسون غرينبلت، المبعوث الامريكي، استدعي للوساطة ولعرض افكار اسرائيلية مموهة كأمريكية؛ رئيس المخابرات نداف أرغمان، الذي اسمت ميري ريغف، وزيرة صفحات الرسائل جهازه "هاذ" بسبب معارضته للبوابات الالكترونية، ارسل على عجل لعمان. في الحكومة لا يصدقونه. أما في القصر فيصدقونه.
أفرايم هليفي، الذي انقذ نتنياهو من الاغتيال الفاشل لخالد مشعل، قال أمس انه عندما تقع مثل هذه الازمة يجب التفكير قبل كل شيء بمشكلة الطرف الاخر. في اللحظة التي تحل تحل ايضا مشكلتنا؛ ويجب العمل بسرعة. في 1997 اضطر نتنياهو لتحرير الشيخ ياسين ولان يقدم لاطباء مشعل حقنة إكسير الحياة. هذه المرة سيدفع الثمن في القدس.
لقد زرع نتنياهو الريح فحصد العاصفة. فقد ولدت فكرة البوابات الالكترونية في العقل المغرور لضباط الشرطة. ونتنياهو، الذي تحفظ في البداية، تبنى الفكرة في اللحظة التي تبناها بينيت. بعد ذلك عندما انكشفت تحذيرات الجيش والمخابرات، وحين اختار الوزراء، بمن فيهم جلعاد اردان الهروب من دوره في القصة والقوا بكل المسؤولية على نتنياهو، خاف التراجع. في الولايات السابقة كان لنتنياهو مجال مناورة اكبر. اما الان فيوجد في شارع بلفور ابن مع طموحات، ولي عهد هو وامه يدفعان الاب الى الحد الاقصى.
ما المشكلة مع البوابات الالكترونية، يسأل الوزراء. في مكة ايضا توجد بوابات الكترونية. وهم لا يفهمون بان الجدال ليس على البوابات الالكترونية بل على السيادة. قبل 50 سنة قرر موشيه دايان قواعد اللعب: علم اسرائيل لا يرفع على مساجد الحرم. اسرائيل تكون صاحبة السيادة عمليا، من خلال شرطة اسرائيل، ولكن الاوقاف، التي يتلقى مسؤولوها رواتبهم من الاردن، تكون مسؤولة على النشاط اليومي. كل خطوة تنسق؛ دايان خاف، وعن حق، من حرب دينية تسحب خلفها كل العالم الاسلامي.
منذئذ طرأت تغييرات: بفضل اتفاق السلام دخل الاردن الى الصورة رسميا؛ السلطة الفلسطينية زقت قدما بعد اتفاق اوسلو؛ الشيخ رائد صلاح فتح حربا دعائية سامة، جعلت ساحة المسجد احدى الساحات التي لا ينبغي لمسها. وبالمقابل، يهود من التيار الديني القومي اختاروا خرق الحظر الديني على الحجيج الى الحرم. تواجدهم اصبح مادة متفجرة. الشرطة كفت عن تنسيق خطواتها مع الاوقاف.
من ناحية أمنية البوابات الالكترونية لا داعٍ لها. فليست هي التي ستمنع دخول السلاح الى الحرم. وكان قرار نصبها سياسيا داخليا: نتنياهو شعر بانه ملزم بان يثبت لناخبيه بانه يفرض على الفلسطينيين عقابا جماعيا في اعقاب قتل الشرطيين، وكانت هذه البوابات الحل المتوفر، الحل الذي قدمته له الشرطة.
لقد كانت النية للاظهار بانه يعزز السيادة الاسرائيلية على الحرم. اما النتيجة فكانت معاكسة: نصب البوابات الالكترونية وازالتها جسدا لكل العالم بان اسرائيل ليست رب البيت. نتنياهو، والوزراء الذين دفعوه، اضعفوا السيطرة الاسرائيلية في ساحة الحرم.
امس عقد نتنياهو الكابنت كي يقرر ازالة البوابات الالكترونية ونصب كاميرات ذكية بدلا منها. في الجولة السابقة، في نيسان 2016، اتفق نتنياهو مع الملك عبدالله على نصب 55 كاميرا تكون باشراف اردني واسرائيلي؛ سياسيين من اليمين عارضوا التواجد الاردني، فتراجع نتنياهو واحرج الملك. ومن أجل ان تنصب الكاميرات الان يتعين على احد ما أن يتنازل عن شيء ما يراه له: إما اليمين في الحكومة غير مستعد لايداع هذه القوة الرمزية في ايدي الاجانب أو الملك الاردني، الذي اعطي له الدور في مشروع الكاميرات.
الكاميرات ذكية، قيل لوزراء الكابنت وهي ستعرف كيف تميز من بعيد بين مصل بريء وارهابي مسلح، بين مسبحة صلاة وحزام ناسف. الكاميرات ذكية، هذا مؤكد. ربما بدلا من نصبها في بوابات الحرم نضعها حول طاولة الكابنت. فالذكاء هو عملة نادرة جدا هناك، هذه الايام وضرورية جدا.


