رغم أن المعركة حول القدس لم تنته بعد، إلا أن الفلسطينيين، وخاصة المقدسيين بينهم، لقنوا حكومة الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو، درسا بإرغامه على التراجع عن استمرار وضع البوابات الالكترونية. وفي موازاة ذلك، تعرضت حكومة الاحتلال هذه، ورئيسها، للتوبيخ من الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الثلاثاء، بسبب أدائها في الحرم القدسي، خلال الأسبوعين الأخيرين.
ويبدو أن من شأن صمود المقدسيين في الأسبوعين الأخيرين، أن يعزز ويشحن صمودهم في الفترة المقبلة، بعدما أعلنت دائرة الأوقاف في القدس والمرجعيات الدينية في المدينة عن أنه لن يتم الدخول إلى الحرم والصلاة في المسجد الأقصى إلا بعد أن يعيد الاحتلال الوضع فيه إلى ما كان عليه قبل يوم 14 تموز/يوليو الحالي.
وهاجمت الصحف الإسرائيلية، اليوم، نتنياهو ووزراءه. ورأى كبير المعلقين السياسيين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أن الأزمة التي تسبب بها حارس السفارة الإسرائيلية في عمان، الذي قتل مواطنين أردنيين، وفّرت لنتنياهو سلما للنزول من "غباء وضع البوابات الالكترونية" في الحرم القدسي.
وأضاف برنياع أنه ليس أمن الدبلوماسيين بالسفارة في عمان فقط كان ماثلا أمام أعين نتنياهو، "وإنما أيضا العلاقات مع الأردن ومع دول سنية أخرى في المنطقة، وبينها تركيا والسعودية، واحتمال تهدئة العنف في إسرائيل والضفة".
وذكّر جميع المحللين الإسرائيليين بإخفاق محاولة إسرائيل لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، في عمان في العام 1997، وكان نتنياهو رئيسا للحكومة حينها، وهو الذي صادق على الاغتيال بحقن مشعل بالسم. لكن هذه المحاولة فشلت، واضطرت إسرائيل، بأمر من نتنياهو أيضا، أن ترسل إلى الأردن مادة مضادة للسم، والإفراج عن زعيم حماس، الشيخ أحمد ياسين، وكان هذا ثمن كبير بنظر الإسرائيليين.
ورأى برنياع أن "نتنياهو زرع ريحا وحصد عاصفة". وأشار إلى أن ضباط الشرطة الإسرائيلية، اقترحوا فكرة البوابات الالكترونية، وأن نتنياهو تحفظ من الفكرة بداية، لكنه تبناها بعد أن أيدها رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، نفتالي بينيت.
ولفت برنياع إلى أنه في أعقاب احتلال القدس، قبل خمسين عاما، أقر وزير الأمن في حينه، موشيه دايان، قواعد اللعبة: علم إسرائيل لا يرتفع في الحرم القدسي، "إسرائيل هي صاحبة السيادة الفعلية بواسطة شرطة إسرائيل، لكن الأوقاف تكون المسؤولة عن النشاط اليومي، وأي خطوة ينبغي تنسيقها. فقد خشي دايان، وبحق، من حرب دينية تجر وراءها العالم الإسلامي كله". وأشار إلى أن اقتحامات المستوطنين للحرم "تحولت إلى مادة متفجرة" خاصة وأن الشرطة توقفت عن تنسيق خطواتها مع الأوقاف.
وشدد برنياع على أن "البوابات الالكترونية غير ضرورية من الناحية الأمنية" وأن "القرار بوضعها كان سياسيا، إذ شعر نتنياهو أنه ملزم بأن يثبت لناخبيه أنه يفرض عقابا جماعيا على الفلسطينيين بعد مقتل الشرطيين... وكان القصد أن يظهر أنه يعزز السيادة الإسرائيلية في جبل الهيكل (الحرم القدسي)، والنتيجة كانت معاكسة لأن وضع البوابات الالكترونية وإزالتها أثبت للعالم كله أن إسرائيل ليست سيد البيت".
من جانبه، وصف المحلل السياسي في صحيفة "معاريف"، بن كسبيت، أداء نتنياهو وحكومته بأنه "هزيمة الغطرسة والاستعلاء ونشوة القوة. فقد سمحنا للفلسطينيين والعالم الإسلامي بجرنا إلى أزقة لا توجد منها مخارج معقولة... نسينا أنه توجد حدود للقوة، وأنه ينبغي العمل بذكاء وحساسية ومن خلال معرفة الخارطة وإدراك الحدود".
وأشار المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس"، باراك رافيد، إلى أن تحول حارس السفارة الإسرائيلية في عمان إلى رهينة في الأردن، بعد قتله المواطنين الأردنيين، "جعل نتنياهو يدرك أنه يقف أمام ’العاصفة المثالية’، وأن المسافة التي تبعد عن فقدان سيطرة مطلق قصير جدا وأنه من الأفضل حل الموضوع".
ورأى رافيد أن "العبرة الإستراتيجية من أحداث الأيام الأخيرة هي أنه طالما أن إسرائيل تسيطر في جبل الهيكل، فإنه على زعيمها أن يفكر مرتين وثلاث ومئة مرة قبل أن يقدم على أي خطوة في برميل البارود هذا القابل للانفجار".
من جانبه نفى نتنياهو ما تم تناقله عبر وسائل الإعلام حول وجود صفقة مع الأردن تقضي بالتراجع عن الإجراءات الأخيرة في القدس، مقابل الإفراج عن الحارس الأمني لسفارة إسرائيل في عمان.
وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو إنه بشكل شخصي ومباشر تابع عملية اتخاذ قرار في مجلس الكابينت الذي عقد امس وامتد حتى ساعات فجر اليوم الثلاثاء، يقضي بإزالة البوابات الالكترونية والكاميرات وإعادة الوضع في المسجد الاقصى الى ما كان عليه قبل العملية المسلحة التي وقعت في ساحات الاقصى قبل اسبوعين، مع اختلاف واحد فقط هو تعزيز قوات الشرطة الاسرائيلية المنتشرة في البلدة القيمة ومحيط المسجد الاقصى.
المصدر :" عرب 48