هذا الأسبوع، قال رئيس الأركان غادي ايزنكوت، في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أنه ومع خروج رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن من منصبه ستندلع في مناطق السلطة أعمال شغب وصدامات دامية ، وأن الجيش الإسرائيلي مستعد الآن قبيل تطورات كهذه.
رئيس الأركان قدر بأن فترة غياب الاستقرار قد تستمر لوقت طويل، وذلك انه ستكون جهات متعددة تتنافس فيما بينها لاحتلال الحكم في السلطة.
يوم الجمعة أرسلت مصادر مصرية وفلسطينية أنه حضر إلى القاهرة وفد فتحاوي، في محاولة لثني المصريين عن تسليم الإشراف الأمني على معبر رفح - والذي يعتبر المعبر الوحيد بين قطاع غزة ومصر - ليد محمد دحلان، الخصم الشخصي اللدود لأبي مازن.
منذ الـ 2011، ساعة طرد محمد دحلان من السلطة الفلسطينية، لم يعد ولو مرة واحدة طوال السنوات الست إلى رام الله.
لم يزعج أحد نفسه بالتفسير: لماذا فجأة بدى أن المصريين مستعدون لتسليم معبر رفح لدحلان؟ ولماذا وافقت حماس على ذلك، ولا ينبس أحد ببنت شفة عن هذه التطورات؟ وأكثر من ذلك، ماذا يعني تسليم معبر رفح لدحلان؟
هل لدحلان (56 عامًا) جيش أو ميليشيا خاصة به تأخذ على عاتقها مسؤولية أمن المعبر أم ان هناك اتفاق سري بين مصر وحماس ودحلان بتمكينه من العودة الى قطاع غزة بعد غيابه عنها السنوات العشر الأخيرة، منذ ان هاجمت حماس في 2007 جميع رجال الاجهزة الأمنية الفلسطينية التي كانت حينها تحت قيادة مقربيه، وهكذا نفذ الانقلاب الذي نقل السلطة في غزة الى حماس وذراعها العسكرية؟
في الأيام الأخيرة، تنتشر أخبار تلمح بشأن تطور وشيك كهذا، بعض هذه الأخبار عرف كيف يحكي ان منزل من كان رئيس جهاز الأمن الفلسطيني في القطاع عشية انقلاب حماس (سمير المشهراوي) يتم ترميمه هذه الأيام قبيل عودته وعودة عائلته إلى القطاع. بكلمات أخرى، القائد العسكري الفتحاوي السابق في القطاع، والذي هو اليوم ذراع دحلان اليمنى، يعود إلى القطاع. وإذا عاد المشهراوي إلى القطاع فهذا دليل على ان جزءًا من قادة حماس على الأقل يوافقون على هذا التطور، وأن هذه التحركات اتفق عليها قائد حماس في القطاع يحيى السنوار الذي زار القاهرة مؤخرًا والتقى رئيس المخابرات العامة المصرية الجنرال خالد فوزي.
والسؤال الذي يطرح نفسه" من أين سيأخذ دحلان القوة البشرية المطلوبة ليقوم بوظيفته الجديدة؛ حراسة بوابات غزة ؟، الجواب على ذلك على ما يبدو يكمن في علامات متعددة، بحسبها سيقوم دحلان بتجنيد رجال الأجهزة الأمنية الفتحاوية السابقة من جديد، ويلبسهم البزات ويحملهم السلاح؛ بذلك على ما يبدو ترتبط الشائعات بأن الامارات العربية المتحدة وضعت تحت تصرف دحلان بضع مئات من ملايين الدولارات ليفتح معبر رفح".
ويزعم الموقع االاستخباري الاسرائيلي ان دحلان ورجاله في غزة سياخذون على عاتقهم مسؤولية إدارة وأمن معبر رفح، وهم ينتشرون على طول السور الأمني الحديد الذي شرعت حماس بإقامته بين القطاع وشمال شبه جزيرة سيناء، طول هذا السور حوالي 14 كم من معبر أبو سالم ولغاية شاطئ البحر المتوسط، وهو يحيط بشكل دقيق ما كان يسمى ذات مرة "محور فيلاديلفيا" الشهير التابع للجيش الإسرائيلي.
هذه على ما يبدو النقطة التي عندها انتهى كون هذه التطورات شأن فلسطيني داخلي وتحولت لتكون أحداثًا إقليمية ذات مغازٍ بعيدة الأمد، ليس بخصوص الفلسطينيين فقط؛ وإنما بالنسبة لإسرائيل.
في السنوات العشر الأخيرة، أصبح دحلان رجل أعمال ثري مقرب من حاكمين عربيين مركزيين: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي العهد الاماراتي الشيخ محمد آل نهيان.
إلى يومنا هذا، العلاقة الوحيدة بين قطاع غزة ودول الخليج هي من خلال قطر، قطر كانت هي من دفقت الأموال لحماس، وتوسطت بين إسرائيل وحماس، ومنحت التصاريح لقادة حماس ليقيموا ويعملوا من العاصمة الدوحة، لكن حاليًا حيث تشهد قطر حظرًا جويًا وبحريًا وبريًا فرضته عليها كل من مصر والسعودية والبحرين والامارات العربية المتحدة ليس بمقدورها مواصلة مساعدة قطاع غزة، وسيما عندما يطلبون منها قطع علاقاتها بحماس.
ولأن محمد دحلان هو الآن رجل القاهرة والبحرين والرياض وأبو ظبي في قطاع غزة، وواحدة من وظائفه ستكون تحويل قطاع غزة من منطقة نفوذ قطري إلى منطقة نفوذ لدول الخليج ومصر؛ يصعب للغاية الافتراض بأن وفد فتح الذي وصل القاهرة يوم الجمعة سينجح في منع هذه التطورات.
ولكي نضع الأمور في نصابها، فالحديث يدور هنا عن خطوة ابتدائية لنزع قدم أبي مازن من مراكز الحكم في السلطة الفلسطينية ووضع دحلان في موقف مفضل لدى بقية المتنافسين على منصب رئيس السلطة الفلسطينية.
يجب ان نقول الأمور بصورة واضحة؛ إذا سلكت كلٌ من القاهرة والرياض والبحرين وأبو ظبي طريق عزل حكام في العالم العربي مثل المواجهة مع قطر، فليس أمامهم أي عقبة للتصرف بنفس الطريقة في السلطة الفلسطينية أيضًا وبمن يحكم رام الله.
ليست هذه عملية سهلة ستمر بهدوء، فهناك منافسون آخرون على منصب رئاسة السلطة مثل جبريل الرجوب، الخصم اللدود لدحلان منذ زمن بعيد، فهل سيتجاوز ذلك بهدوء؟
لذلك، رئيس الأركان ايزنكوت صدق عندما قال بأننا نواجه مرحلة من أعمال الشغب والمواجهات الصعبة في السلطة الفلسطينية، وجيدٌ انه جهز الجيش الاسرائيلي لهذا الأمر.