كتب تسفي برئيل في هآرتس : -الدكتور سمير غطاس، رئيس نادي الشرق الاوسط للأبحاث الاستراتيجية في مصر، ليس لديه شك. «التفاهمات بين وفد حماس وبين رئيس الاستخبارات المصرية ومحمد دحلان هي بالون ليس فيه أي شيء حقيقي»، قال هذا الاسبوع في مقابلة أجريت معه. غطاس الذي هو ايضا عضو في مجلس الشعب المصري، تطرق إلى ما تم نشره في هذا الاسبوع حول وفد حماس الذي اجتمع مع رئيس الاستخبارات المصرية من أجل بعض التفاهمات، التي من أهمها اختيار محمد دحلان رئيساً للجنة التي تدير شؤون غزة والتي سيشارك فيها ايضا اشخاص من حماس. هذه التفاهمات تسعى إلى تخفيف التوتر بين مصر وحماس وفتح معبر رفح وزيادة كمية الكهرباء التي ستبيعها مصر للقطاع، وفي نهاية المطاف فصل القطاع عن الضفة الغربية.
ولم يؤكد أي مسؤول مصري على أنه تم التوصل إلى هذه التفاهمات. متحدثو حماس أعطوا إجابات غامضة تقول إن هناك لقاءات بين مسؤولين من حماس ومن ضمنهم رئيس المكتب السياسي الجديد في غزة، يحيى السنوار، ورئيس القوات الامنية التابعة لوزارة الداخلية في حماس، توفيق أبو نعيم، مع رؤساء الاستخبارات المصرية. أيضاً «يمكن توقع تحسن كبير في العلاقة مع مصر وتحسن أوضاع السكان في غزة». وحول التفاهمات لم يتم قول أي شيء.
في المقابل، يجب التشكيك بتقديرات غطاس الانتقادية، فهو في السابق كان مستشاراً لخليل الوزير (ابو جهاد). وهو من معارضي حماس، وحسب بعض التقارير المصرية، لديه عدة جوازات سفر أجنبية اضافة إلى جواز السفر المصري. والامر غير المشكوك فيه هو أن محمد دحلان، الخصم المر للرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي يحاول منذ سنوات عزله من منصبه مدعياً وبحق أن أبو مازن رئيس غير شرعي لأن ولايته انتهت منذ زمن.
محمد دحلان يرأس لجنة غزة
إن أول من قام بنشر التفاهمات، بشكل مفصل، بين القاهرة وحماس هو الدكتور فايز أبو شمالة، الصحافي والباحث الفلسطيني من غزة، الذي قال إنه حسب التفاهمات ستتم اقامة لجنة لادارة شؤون غزة مع ميزانية أولية بمبلغ 50 مليون دولار، وأن محمد دحلان سيترأس هذه اللجنة. وحسب اقواله فإن وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ستبقى في أيدي حماس، أما دحلان فسيكون المسؤول عن السياسة الخارجية وعن تجنيد الاموال وإدارة المعابر بين غزة ومصر وبين غزة وإسرائيل. وسيكون مسؤولاً أيضاً عن المفاوضات مع إسرائيل في الشؤون التي تخص المعابر و»شؤون اخرى».
اللجنة ستحصل على ميزانية شهرية بمبلغ 20 مليون دولار، ستمول من الضرائب التي تحصل عليها السلطة الفلسطينية الآن من القطاع، وسيتم استغلال هذه الاموال من أجل دفع رواتب الموظفين. وبهذا يتم استكمال الفصل بين حكومة غزة وبين السلطة الفلسطينية. هذه الخطوة ستُمكن مصر من فتح معبر رفح، حيث أن «فتح» ستقوم بادارته في الجانب الفلسطيني، والمقصود هنا «فتح» التي تؤيد دحلان. ومصر ستقوم بفتح المعبر بشكل دائم. المحللون الفلسطينيون الذين تحدثوا عن هذه التفاهمات يعتقدون أن تنفيذها سيخدم ليس فقط حماس التي تتعرض للضغط من مصر ومن العالم العربي والمجتمع الدولي بسبب كونها منظمة إرهابية، بل أيضاً ستخدم إسرائيل، التي ستعتمد على دحلان الذي كان شريكاً في عملية السلام، وأيضاً محمود عباس سيستفيد، حيث سيتخلص أخيراً من عبء غزة. في هذا الاسبوع عند عودة وفد حماس من مصر، قيل إن حماس عززت قواتها على طول الحدود بين غزة ومصر من أجل التعبير عن التعاون بينها وبين مصر، وخاصة كبح الإرهاب في سيناء ومنع تسلل الإرهابيين من سيناء إلى القطاع وبالعكس.
الحرص على قطع حماس عن إيران
سواء كانت هذه التفاهمات حقيقية أم لا، فإن الزيارة إلى مصر واللقاءات المطولة مع مسؤولين في الحكومة المصرية، تشير إلى المفارقات التي تقف أمامها مصر وحماس. هذا لأن هذه المفاوضات تتم ليس فقط في ظل تصاعد أزمة الكهرباء، بل أيضاً على خلفية العقوبات والحصار الذي فرضته السعودية ودول الخليج ومصر والاردن واليمن وليبيا على قطر، وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض في الشهر الماضي، الذي اعتبر حماس وحزب الله والاخوان المسلمين منظمات إرهابية. وهدف مصر والسعودية هو فصل حماس والقطاع عن قطر، وبذلك عزلها عن المشكلة الفلسطينية، لا سيما القسم الغزي الذي يهم مصر إلى حد كبير.
إن هذا الفصل قد يؤدي إلى نتيجة أخرى غير مرغوب فيها، تدفع حماس من جديد إلى أحضان إيران، وهي الدولة التي تتميز بقراءة الأحداث الإقليمية، والتي سارعت إلى مباركة اسماعيل هنية ويحيى السنوار بعد انتخابهما للمناصب الرفيعة في حماس. قاسم سليماني، قائد «قوة القدس» في حرس الثورة الإيراني، وجواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، ورئيس البرلمان علي لاريجاني، كانوا من بين المباركين. ولكن الأمر اللافت هو أن حماس نشرت رسائلهم هذه فقط بعد زيارة ترامب إلى المنطقة كإشارة على أنه ما زالت أمام حماس امكانية اخرى إذا تم استبعادها عن الحضن العربي.
صحيح أن مصر سارعت إلى تحذير حماس من العودة إلى أحضان إيران، لكن في نفس الوقت بدأت للإعداد للقاء وفد غزة واللقاء مع محمد دحلان الذي يعيش في أبو ظبي.
ليست قطر وحدها هي التي تدفع مصر إلى زيادة نشاطها، بل إن محمود عباس أيضاً يضع السحر في عيون الحكومة المصرية. وفي الوقت الذي تنضم الدول العربية إلى مقاطعة قطر، لم تُسمع أي اقوال واضحة من قبل أبو مازن. وقال مقربوه في بداية الاسبوع إنه مستعد للتوسط في الازمة بين قطر ودول الخليج، وقد اقترح خدماته على الاردن وتحدث في هذا الأمر مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن في اليوم التالي فقط قال رئيس الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج اقوالاً قاطعة عند زيارته إلى نابلس وأعلن «نحن مع الدول العربية وضد مؤامرات إيران في المنطقة»، من دون أن يذكر اسم قطر. إن سبب صمت عباس، كما يقول خصومه، هو أن أبناء الرئيس الفلسطيني لديهم أعمال ومشاريع كثيرة في قطر، وهو نفسه يحمل جواز السفر القطري، وعلاقته الشخصية مع عائلة الأمير تميم قوية جداً، وهذا ليس من الآن.
اضافة إلى ذلك، يوجد لعباس حساب مع مصر، هذا الحساب الذي يزداد كلما استمرت مصر في دعم محمد دحلان على حسابه. مصر تعتبر أن دحلان هو وريث عباس، وقد عبرت عن تأييدها له عندما رفضت في شهر آذار/مارس الماضي السماح لجبريل الرجوب بالدخول إلى مصر للمشاركة في مؤتمر السياسة الاجتماعية والإرهاب الذي عقد في شرم الشيخ. واذا كانت التقارير حول التفاهمات بين حماس ودحلان صحيحة ولو جزئياً، فإن عباس قد يجد نفسه، ليس فقط أمام دحلان في غزة، بل ايضاً أمام مصر.
خلافات فتح وحماس
الخلافات الداخلية بين حماس وفتح وبين أبو مازن وخصومه السياسيين في فتح خدمت إسرائيل بشكل جيد حتى الآن، التي تقشعر أبدانها في كل مرة يتم فيها الحديث عن المصالحة بين حماس وفتح.
في هذه الاثناء ايضا وفي ظل الموجات العاصفة التي تثيرها أزمة الخليج في الواقع الفلسطيني، تعتقد إسرائيل أنها تستطيع أن تكون راضية. إلا أن التنسيق والتعاون الوثيق بين إسرائيل ومصر في موضوع محاربة الإرهاب لا يمكنه أن يستبدل المصلحة المصرية في معاقبة قطر ووضع أبو مازن في مكانه وتعزيز مكانتها كمقررة في الشأن الفلسطيني.
إن مصر مسؤولة مثل إسرائيل عن الحصار المفروض على غزة، وهي تساهم ايضا في ازمة الكهرباء لأنها لا تزيد من كمية الكهرباء التي تزودها للقطاع. ولكن خلافا لإسرائيل التي تعتبر أن غزة هي فقط مصدر لاطلاق النار، واستعدادها لحل مشكلة الكهرباء لا ينبع من التضامن مع المواطنين، بل خشية اندلاع العنف في غزة، فإن لدى مصر اعتبارات أخرى، مصرية وإقليمية. سعيها من أجل تحييد تدخل قطر وتركيا في القطاع، وفي نفس الوقت إبعاد حماس عن إيران، سيدفعها إلى إعطاء شيء في المقابل، حتى لو كان على حساب إسرائيل، مثل فتح معبر رفح، هذه الخطوة التي ستهدم نجاعة الحصار الإسرائيلي.
إسرائيل التي تحلم بالتحالف مع الدول السنّية تدرك الآن أن الازمة البعيدة بين الدول السنّية وقطر لا تخص فقط «القيم». بل هي مثل ذيل التمساح، فإن هذه الازمة يمكنها تدمير جزء من حساباتها الاستراتيجية والتي تعتبر غزة من ضمنها، والتي قد تتحول إلى أداة لعب بين العرب.
"هارتس