كتب الصحفي والمحلل الاسرائيلي روني شكيد، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية اليوم " ان ابو مازن ينفصل عن غزة. قطر تتوقف عن المساعدة، مصر تتخوف من المساعدة الغزية للإرهاب في سيناء وتعزز الحصار. السعودية لم يعد يهمها غزة. اروبا منشغلة في شؤونها الذاتية. الولايات المتحدة اعلنت عن حماس كبؤرة ارهاب وحليف لإيران. وباستثناء تركيا التي ترسل هنا وهناك بعض المساعدة، بقيت غزة لوحدها – مع حماس فقط. منصة الانقاذ الوحيدة هي ايران، التي اعلنت في الأسبوع الماضي عن تجديد المساعدات. وفي هذه الاثناء لم يصل المال، وعندما يصل، ستستمتع به حماس واذرعها العسكرية ، وليس الجمهور الواسع.
قطر هي التي امسكت بغزة فوق سطح الماء والمجاري، وهكذا تحولت غزة الى اداة لعب في ملعب التحالفات والمقاطعات في "الشرق الاوسط الجديد". والان تخضع قطر للمقاطعة العربية، وستكون غزة هي اول من سيدفع الثمن. السفير القطري في غزة، محمد عمادي، غادر القطاع قبل عدة ايام. وخلال مؤتمر صحفي عقده قبل مغادرته حذر من انه ستكون في انتظار الغزيين "ايام سوداء".
عشية انتهاء شهر رمضان، غزة تنهار، يائسة. في الاسواق لا تنقص البضائع، ولكن ينقص المال لشرائها. ابو مازن قلص ثلث رواتب 58 الف موظف في السلطة يعيشون في غزة. حتى حماس قلصت رواتب موظفيها. وفي شهر رمضان يكون استهلاك المواد الغذائية عاليا، بشكل عام. وتصل نسبة البطالة في القطاع الى 40%.
رائحة العفن تنبعث في الكثير من الاحياء، وقنوات مياه الصرف الصحي تفيض على جنباتها، لكن غالبيتها تجري مباشرة الى البحر، تتقدم نحو الشمال، وتصل الى اشكلون، الى منشأة تحلية المياه التي نشربها نحن. وبعد قليل ستصل الى اشدود، ومن هناك يمكن ان تصل الى شواطئ تل ابيب، أيضا. فالتلوث لا يتوقف عن حاجز ايرز.
خلال الاسبوعين الاخيرين، قبل الاعلان الاسرائيلي عن تقليص تزويد الكهرباء، كانت الكهرباء في غزة تصل لمدة ثلاث ساعات يوميا: هذا لا يسمح بتطهير وضخ المجاري، ولا يتيح الحفاظ على المواد الغذائية في مخازن التبريد، ويشوش عمل المستشفيات، ويسبب الضرر للزراعة، ويؤدي الى اغلاق العدد القليل من المصالح التجارية التي كانت تعمل حتى الان. بدون كهرباء لا يمكن ضخ الكميات القليلة من المياه التي بقيت في الآبار، وفي الصنابير المنزلية تجري مياه مالحة لا تصلح للشرب.
بشكل مفاجئ، لا يجري حاليا توجيه الغضب ضد اسرائيل، وانما في الأساس ضد اللاعبين العرب: لقد تم تحديد ابو مازن بصفته المتهم الاساسي، لكن الغزيين الذين لا ينتمون الى معسكر حماس يتخوفون من توجيه انتقادات علنيه له، لئلا يضم قبضة يده ويتوقف عن ارسال المبالغ القليلة التي يواصل تحويلها. يتهمون السعودية بأن سياستها قادت الى مقاطعة قطر، ومصر بأنها تشدد الحصار. وبعد زيارته الى الشرق الاوسط تحول ترامب، ايضا، الى عدو، وهكذا، حتى من دون الكثير من الحب، اندفعت حماس مرة اخرى الى احضان ايران.
خلافا لمصالحهما السياسية والامنية، استسلمت اسرائيل ومصر بسهولة غير محتملة لطلب ابو مازن الانتقامي بتقليص تزويد الكهرباء للقطاع. حماس لن تتضرر من هذه الخطوة، وانما الجمهور الذي ستتزايد معاناته. ويجب عدم الوقوع في الوهم: لا توجد لدى الغزيين أي نية، ولا حتى قوة، للتمرد او اسقاط حماس. انهم يعرفون بأن عباس لن يرجع الى القطاع، ولا اسرائيل، وبالتأكيد ليس مصر ايضا. لقد بقوا لوحدهم، بدون ملاذ، بدون امل.
غزة لن تتبخر، وفتيل القنبلة الموقوتة يتقلص بأسرع من وتيرة التفكير الاسرائيلي بالحل في غزة. وليكن واضحا: غزة هي بالتأكيد مشكلة بالنسبة لإسرائيل، رغم السور والسياج الباطني، لا يمكن فصل غزة عن اسرائيل، ولا اسرائيل عن غزة. من اجل المصالح الاسرائيلية، حان الوقت للتفكير خارج العلبة. الان، عندما يفصل ابو مازن السلطة الفلسطينية عن غزة، يجب البدء بمحاورة حماس مباشرة او غير مباشرة، بواسطة وسطاء او بأي طريقة اخرى. مواصلة غرس الرأس في الرمل هو خطر استراتيجي لإسرائيل، وجيد ان يتم عمل ذلك قبل وقوع جولة اخرى من الحرب التي تلوح في الافق التي ستقود الى كارثة مجانية، لنا وللغزيين.