يقود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأركان إئتلافه الحاكم في هذه المرحلة، استراتيجية سياسية لتنفيذ أيديولوجية ظلامية تنكر وجود الإحتلال وتقوم على سرقة المزيد من الأرض الفلسطينية وتهويدها بالإستيطان، ولتسويق مواقفه المعادية للسلام يعتمد نتنياهو حملة دعاية وعلاقات عامة مضللة للمسؤولين الدوليين وللرأي العام العالمي والإقليمي، ترتكز على التسويف وإضاعة الوقت والتحدث بلسانين، وممارسة عكس ما يقول، ووضع العراقيل في طريق السلام، والجهد الأمريكي المبذول لإستئناف مفاوضات حقيقية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فمن جهة يروج لما يسمى ( الحل الإقليمي ) كطريق إلتفافي وباب للهروب من استحقاقات المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، في ظل مسعاه للتعامل مع المبادرة العربية بشكل مقلوب، وفرض منطق الحلول الإنتقالية المجزأة وطويلة الأمد مع الفلسطينيين، تحت شعار التسهيلات المزعومة ووهم ( السلام الإقتصادي ).
كما أنه وأركان حكومته المتطرفة يصعدون من طرح شروطهم المسبقة والثقيلة على المفاوضات كعقبات وعصي في دواليب الحراك الأمريكي الراهن من جهةٍ أخرى. وفي الأساس تقوم الإستراتيجية السياسية لليمين الحاكم في إسرائيل على مواصلة الإجراءات والتدابير الميدانية الإستعمارية الإحلالية، التي تغلق الباب نهائياً أمام أي فرصة لتطبيق مبدأ حل الدولتين. وفي السياق، انتقل نتنياهو في الأونة الأخيرة لمرحلة تشريع البؤر الإستيطانية وتوسيعها، متوهماً أن موضوع الكتل الإستيطانية الكبرى قد بات محسوماً في أية مفاوضات مقبلة، ويقوم بإعداد المخططات ورصد الميزانيات اللازمة لذلك، بما يحقق حلمه برؤية المليون مستوطن في الضفة الغربية المحتلة، متمسكاً بموقفه الداعي لخضوعهم للقانون الإسرائيلي، كخارطة طريق ميدانية يمينة متطرفة، لدفن حل الدولتين وإستحالة الحديث التفاوضي على أساسه، مهما كانت طبيعة الإئتلاف الحاكم في إسرائيل. هذا ما يفسر التصعيد الخطير الذي تمارسه سلطات الإحتلال في عمليات مصادرة الأرض الفلسطينية لأغراض إستيطانية تهويدية في طول وعرض الضفة الغربية المحتلة، وبشكلٍ خاص في القدس الشرقية والأغوار.
إن الوزارة إذ تدين بأشد العبارات سياسات دولة الإحتلال العنصرية بإمتياز، فإنها تؤكد مجدداً على رفض دولة فلسطين لتلك المهاترات والمواقف الإستعمارية التوسعية، وتعتبرها ألغاماً إسرائيلية في طريق المسعى الأمريكي والدولي والفلسطيني لإحياء عملية سلام حقيقة وذات مغزى. إن مواقف نتنياهو وأركان إئتلافه الحاكم السياسية التي يتفاخرون بها علناً معادية بشكلٍ واضح لا لبس فيه للسلام، وهي تؤدي إلى نتيجة واحدة، نظام فصل عنصري ( أبرتهايد ) بغيض في فلسطين، وتقويض فرصة إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة إلى جانب إسرائيل. تلك المواقف المتشددة التي يصرح بها أركان الحكم في إسرائيل بشكلٍ معلن وصريح ودون خجل أو حياء، تضع المجتمع الدولي والدول المؤمنة بحل الدولتين كأساس للسلام أمام إختبارٍ جديٍ وحاسم، خاصة في هذه المرحلة النادرة من عمر الصراع في الشرق الأوسط، كما يضع مصداقية الأمم المتحدة ومؤسساتها ومنظماتها، وقدرتها على الوفاء بإلتزاماتها الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني جراء الإحتلال، على المحك. وهنا نتساءل: ماذا يريد المجتمع الدولي ليخرج عن صمته ويتحرك لإنقاذ ما تبقى من حل الدولتين وفرص تحقيق السلام؟ هل يحتاج إلى وضوح أكبر في مواقف إسرائيل المعلنة المعادية للسلام؟ هل يحتاج إلى عدسات أدق وأكبر لرؤية المستوطنات وعمليات التوسع الإستيطاني في أرض دولة فلسطين ومخاطرها على حل الدولتين؟.