هنالك بعدان لهذا الصراع، بعد إقليمي وآخر دولي: انفجر هذا الصراع بعد أن أصبح ضروريا، أقله، من وجهة نظر السعودية الوهابية، خصوصا بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي”ترامب” الذي (لا يحب المسلمين)، وتمكن السعودية بوهابيتها، خلال تلك الزيارة، من كسب ود الرئيس بالمال، وهو التاجر الذي ينسجم مع نفسه، ومطمحه الربح، عندما يلجأ إلى تغيير مواقفه مع حلفائه على الساحة العالمية، عبر إثارته موضوع حماية أميركا التاريخية لهم، من باب أنه عليهم دفع مقابل ذلك؟!.هنا لا تخرج أوروبا من تحت هذا العيار الثقيل من التهديد؟!فـ(أميركا أولا) هو شعاره الإنتخابي الذي يصدق حتى الآن في تطبيقه من الناحية المالية.تلوح في الأفق نذر خلاف بين أهم الدول الأوربية القائدة، كألمانيا-ميركل، وبريطانيا-عمدة لندن الذي قال (سوف لن نفرش السجاد الأحمر لـ”ترامب”) بعد حادث مانشستر الإرهابي؟! عند هذه النقطة استردت السعودية أنفاسها، وأزاحت عن صدرها حجرا ماليا-ابتزازيا ثقيلا قذفه باتجاهها الرئيس “ترامب” إبان معركته الإنتخابية إلى الرئاسة، ومعه إزاحة الحجر (المعنوي-الفكري) الذي رماها به الرئيس السابق “أوباما” عبر الصحافة متهما الوهابية بأنها وراء التطرف الإسلامي. وهنا وربما أنها حصلت على الضوء الأخضر الذي عليها بموجبه أن تكنس أي أثر سياسي(لا الأثر الإقتصادي المسموح به ) لأوروبا في مقاربة الحلول السياسية في المنطقة، لضرورة ذلك بالنسبة لأميركا ومعها (إسرائيل) في هذه المرحلة!. هذه مهمة صعبة، فتركيا التي يحكمها الأخوان وتلعب دور رائدهم على الساحة الدولية، لغرض التمكن من تسيد المنطقة، هي الدولة القوية التي لها هوية جغرافية مختلطة، أسيوية-أوروبية، إضافة إلى دورها الفاعل سلبا وإجابا في الأزمة السورية.عند هذه النقطة يمكن بناء تصور لشكل الصراع المتحول وأدواته في المنطقة بنكهته الوهابية والإخوانية، الإسرائلة كما يلي:
*المنطقة العربية تاريخيا هي ميدان الصراع على المصالح، أطرافه الرئيسة في الغرب، وظاهره الإتفاق بين أوربا وأميركا على المحاصصة ، والغلبة في ذلك كانت دائما لأميركا بعد الحرب العالمية الثانية. فأوروبا التي خرجت منهكة من الحرب إياها لم تجد سوى أميركا قوية تطعمها، بموجب مشروع “مارشال” وبالتالي تشكل لها مظلة أمنية هامة، لما تزل أميركا غير جاهزة، أو غير مرنة في التخلي عن روحها، من خلال تلميح الرئيس “ترامب” إلى ضرورة أن تدفع أوروبا مقابل ذلك، برغم زوال التهديد الأمني الستراتيجي الذي كان يشكله للغرب الإتحاد السوفييتي السابق؟! لم يكن لمحاولة الشرق)الاستقطابي) الذي مثلته وتمثله روسيا، بوجهيها الامبراطوري والشيوعي، وهذا الأكثر طموحا، فيما مضى، ذلك التأثير الفاعل في محاصصة الغرب على المصالح خصوصا في منطقتنا العربية،بناء على تفاهمات ما بعد الحرب العالمية الثانية، برغم الحيوية الضرورية لهكذا محاصصة، إلى أن استقطب الصراع بشقه الأمني (موضوع الحرب على الإرهاب) وما يقبع خلفه من أبعاده إقتصادية هائلة تشمل مظاهر الصراع واصطفافات الحلفاء على جانبيه في الغرب وفي الشرق، وعلى ذلك بات الصراع في سورية العقدة الكبرى التي على حلها السياسي، سيترتب إنجاز معظم الحلول ذات الصلة بالصراع بين الغرب والشرق على الساحة الدولية، وهذا دونه الوقوف على حافة هاوية الحرب الكبرى بين أطراف الصراع المتمثلين بروسيا الإتحادية مع حلفائها، وأميركا مع حلفائها،على الأرض السورية.
*إن تظهير الصراع في المنطقة على أنه صراع إسلامي مذهبي، هو في الصميم في غير موضعه، لكنه يسوق هكذا لصالح جهة وحيدة تستفيد منه هي (إسرائيل). مؤيدات ما أذهب إليه، هي العلاقات المريحة لإيران (الشيعية) مع تركيا وبعض دول الخليج (السنية)، المستجد منها (انزياح قطر الملفت باتجاه إيران مؤخرا كنتيجة من نتائج الصراع مع السعودية)، إضافة إلى أن من يعارض الإتفاق النووى الإيراني مع الدول الخمس + واحد، لم يتمثل بجميع الدول العربية والإسلامية على قاعدة مذهبية. فقط كانت السعودية و(إسرائيل) جنبا إلى جنب من أشد المعترضين على ذلك الإتفاق.
إلى أي مدى سيصل الصراع بين السعودية وقطر؟
دخول إيران على الخط سيعقد الأزمة،أو ربما (هو المقصود من قبل أعدائها) فهذه الدولة يراد لها أن تكون في بؤرة الصراع،وأن تكون الوجهة التالية للإرهاب الداعشي بعد أن ينتهي دوره التدميري في كل من العراق وسورية. كلنا يذكر التهديد السعودي بنقل المعركة إلى داخل إيران، وتجسيدها دولة راعية للإرهاب(والثابت هنا المقصود أي مواجهة وأي عمل ضد عدوان إسرائيل) ولعل أحداث اليوم الإرهابية 12/5 في إيران، التي استهدفت بشكل رئيس، ونوعي: مقر البرلمان ومرقد الإمام الخميني، هي النذر الأولى على طريق انتقال (داعش) إلى هناك بعد الفراغ من تدمير سورية وتخريب العراق كما قلنا، وبدلالة تبني (داعش) لأحداث هذا اليوم في إيران .
*لإيران علاقة لم تنقطع مع جماعة الأخوان المسلمين وقد مرت بمحطات صعودا وهبوطا،منها استقبال الرئيس الأخواني “محمد مرسي” بمناسبة إسلامية إبان فترة حكمهم القصيرة في مصر، وتسخين خط اتصالها مع حركة حماس بمناسبة انتخاب قيادة جديدة للحركة في غزة، وبواسطة قيادة فيلق القدس بما لذلك من دلالات لا تسر (إسرائيل) وبدا أنها لم تسر السعودية أيضا، فعمدت هذه في أول فرصة إلى إدراجها في قائمة الإرهاب، على ملأ الحضور العربي الإسلامي الأميركي في مؤتمرهم الأخير في الرياض.دون اعتبار للأمم المتحدة في ذلك؟!
*أهم حلفاء إيران، من غير الدول، صاروا إرهابيين، والذين هم على عداوة شديدة مع (إسرائيل) كحزب الله بالدرجة الأولى وحركة حماس مؤخرا، وعموما جماعة الأخوان المسلمين التي ترعاها تركيا وتمولها قطر(لعله هنا من ناحية تنافسية على الزعامة الإسلامية مع الوهابية) من غير إهمال ما قامت وتقوم به تلك الجماعة من أدوار سلبية تحت مظلة (الربيع الأحمر العربي) خاصة في سورية. نظريا تكون تركيا في نفس المرمى والتصنيف بوجود حزب العدالة والتنمية الأخواني الحاكم فيها.كيف سينعكس ذلك على علاقات تركيا الدولية ، لا سيما العربية منها ؟ الأمر متروك لـ(ثعلبية ) القيادة السياسية في تركيا؟
*قطر دولة صغيرة. في ميزان المصالح الأميركية وزنها خفيف، لقد تساءل الرئيس المصري الراحل “أنور السادات عن (حاجة-شيء اسمه قطر على الخريطة) عندما كانت مصر مستهدفة عبر قناة الجزيرة…الخلاف قديم(ربما كدور) مع مصر؟ّ لكن قطر مع تركيا الأخوانية يمكن أن تشكلا ثقلا معينا ليس بالهين، فهل تركيا حاضرة كي تلعب هذا الدور؟ أي دور الصراع مع السعودية الوهابية وامتداداتها ؟ وبالتالي الصراع مع أميركا(مصلحيا على الأقل)؟ لا أعتقد، برغم أن زيارة الرئيس التركي “أردوغان” لأميركا “ترمب” لم تكن ناجحة بحسب ما كتب عنها في وسائل الإعلام. عليه ستحتاج تركيا إلى حسم خيارات عدة، أهمها الإنخراط في تحالف قوي مع دولة عظمى كروسيا الإتحادية، فهي بالقطع لا تستطيع شراء تحالفا عميقا مع أميركا كما فعلت السعودية، ولا تستطيع أن تطمئن إلى تحالفها مع أوروبا، بعد نَعْت الرئيس التركي”أردوغان” لسياسة بعض الدول الأوربية الفاعلة بنعوت خطيرة الدلالات،(كالنازية وغيرها) بسبب تداعيات حركة اللجوء إلى أوربا، و(ابتزاز) تركيا لأوروبا من هذه الناحية، إضافة إلى تركيز سياسة أوروبا الثابتة على (حقوق الإنسان) وحرية الكلمة المنتهكة في تركيا، طبقا للمعايير الأوروبية. إذن أمام تركيا الآن (ذات الحزب الإرهابي الحاكم بحسب التصنيفين (المصري والسعودي) فرصة تعزيز العلاقة مع إيران (الشيعية)، ومع روسيا الإتحادية، والشد على يد قطر الغنية، وتفعيل ذلك عبر حسن طويتها في مقاربة الحل السياسي في سورية، وتثبيت حالة الأمن في (مناطق خفض التوتر) بالتوازي مع قطر لاتفاق المصلحة في التهدئة مع خصوم أميركا و(إسرائيل)وحلفائها العرب على الأرض السورية، لأنهم في النهاية خصوم السعودية أيضا. حالة الأمن تلك المتفق عليها في لقاءات “أستانا” والتي يدعى إلى استئناف اجتماعاتها بدءا من تاريخ اليوم 12/5 . مؤيد انزياح تركيا غضبها الشديد من سياسة تسليح أميركا لألد أعدائها الأكراد…أعتقد هنا ليس على قطر سوى أن تحذو حذو تركيا، من حيث هي دولة صغيرة، وأن تعمل على امتصاص خلافها مع السعودية، عبر تحمل (الإهانات الإعلامية) التي توجه لها، فهل ستكتفي السعودية وحليفاتها من الدول الخليجية بذلك؟ الأمر مشكوك فيه إلا إذا ثبت بالدليل القاطع عودة قطر إلى بيت طاعتها.إضافة إلى أمر في غاية الأهمية، هوأن ترفع قطر ذراعيها المالية والإعلامية الداعمتين لإخوان مصر، الذين لا زالوا يطمحون إلى استرجاع سلطة فقدوها، بعد أن لم يستطيعوا الحفاظ عليها، ولعل هذا من روح (صفقة القرن) التي أشار إليها الرئيس المصري”السيسي” خلال زيارته الأخيرة لأميركا..وربما كانت تداعيات لقاءات الرئيس الأميركي في السعودية أثناء زيارته لها تصب في نفس هذا المجرى. والأهم هو ابتلاع تصريح أميرها الشاب القائل بما معناه: بأن إيران دولة جارة لها وزنها في المنطقة وحزب الله ليس إرهابيا.
خلاصة:
*قطر أمام خيار مصيري في مجرى رؤية جديدة لأميركا لمستقبل المنطقة.
*إيران أمام امتحان جديد، قد لا تنفع معه التؤدة والحكمة في صياغة السجاد العجمي الذي تشتهر به.
*السعودية قادرة حتى الآن على تجاوز مهاوي الحرب في اليمن ، والتورط في سورية، ومن ثم نقل استثماراتها في الإرهاب الداعشي إلى إيران، بعد أن بدأت أميركا تدخلها بنفسها ضد الدولة السورية .عبر تكرار ضرب القوات السورية التي تحارب الإرهاب في المناطق الصحراوية الفاصلة بين سورية العراق في منطقة التنف الحدودية تطويقا مزعوما لحركة إيران(الشيعية) باتجاه المقاومة في لبنان …
على إيران وحلفائها وعلى رأس قائمتهم روسيا الإتحادية أن:
يحاربوا في الجبال كي يحتفظوا بالسهول.
حتى الآن لا أراهم فاعلين، برغم اتساع انتصارات الجيش العربي السوري بدعم حلفائه على الأرض، بينما خصومهم يفعلون.؟!!
كاتب سوري


