الذكرى الخمسين لحرب الايام الستة التي غيرت الواقع في قطاع غزة لم تكن في مركز اهتمام سكانه. فقد كان هؤلاء مشغولي البال بالازمة الانسانية المتفاقمة التي تهدد برفع حالة القطاع الى مستوى الانفجار. في غزة وفي اسرائيل ايضا هناك من يشبهون الاجواء اليوم بتلك التي سادت عشية حملة الجرف الصامد.
يطالب محمود عباس حماس بالتراجع عن اقامة حكومة ظل للقطاع كشرط لتحويل الميزانيات، ولكن في المنظمة يطرحون حاليا موقفا متصلبا ويعلنون بانهم لن يستسلموا للضغط الذي يعزونه لرغبة حماس في ارضاء اسرائيل والولايات المتحدة. والى ضغط السلطة تنضم الان المقاطعة العربية لقطر التي اضطر بعض من مسؤولي المنظمة مغادرتها مؤخرا. ورغم نفي حماس، فان احدهم هو صلاح العاروري، الذي اعتبر مسؤولا عن النشاط العسكري في الضفة الغربية، والذي قالت مصادر فلسطينية انه غادر الى ماليزيا.
أما السلطة الفلسطينية التي قلصت اجراءاتها العقابية ضد حماس منذ الان توريد الكهرباء الى القطاع الى أربع ساعات في اليوم، فقد قررت مؤخرا تقليص الدفعات التي تحولها لاسرائيل على الكهرباء لغزة. واذا ما قلصت اسرائيل التوريد بناء على ذلك، فمن المتوقع للقطاع ان يحصل على كهرباء لمدة ثلاث ساعات في اليوم فقط. في ضوء الازمة التي تستدعي الارتجال، قال سكان في غزة لـ "هآرتس" انهم يضطرون الى شراء الكهرباء من موردين خاصين. "في عدة احياء نشأت ظاهرة جديدة"، قال احدهم. "احد السكان، ميسور الحال، يشتري مولدا كبيرا ويوزع الكهرباء على البيوت مقابل 100 شيكل في الشهر".
ان تقليص التوريد لغزة من شأنه أن يمس باسرائيل ايضا: هكذا، فالنقص يمنع الان معالجة مياه المجاري في القطاع، التي تتدفق الى البحر المتوسط او تتسلل الى المياه الجوفية.
تمس أزمة الكهرباء بشدة بالجهاز الصحي للقطاع. فالمستشفيات منقطعة في معظم ساعات اليوم عن الكهرباء، وتعتمد على المولدات. "وضع يكون فيه المستشفى متعلقا بمولد على مدى 16 ساعة في اليوم ليس وضعا طبيعيا"، قال لـ "هآرتس" طبيب في المستشفى يدعى عبدالعزيز الرنتيسي، "وعندما يكون الحديث عن اناس يتلقون تنفسا اصطناعيا وعن رضع يحتاجون الى الاكسجين فان خللا ما من شأنه ان يؤدي الى فقدان الحياة". والى جانب النقص في الكهرباء، تواجه المستشفيات في غزة مشكلة الميزانيات المتناقصة: فقد علم من معلومات حديثة نقلها الى منظمة أطباء لحقوق الانسان د. منير البرش، نائب مدير عام الصيادلة في وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع، يتبين أن الميزانية التي حولتها السلطة لتشغيل المستشفيات والعيادات، والتي بلغت في نيسان 2.3 مليون دولار تقلصت في الشهر الماضي الى نصف مليون دولار فقط. وفي الايام الاخيرة بلغ الذروة ايضا النقص في الادوية. فمن اصل 500 دواء اقرتها وزارة الصحة نفد تماما نحو 170. وضمن امور اخرى، هناك نقص بـ 90 في المئة من الادوية للسرطان، بحيث ان العلاجات التي تعطى للمرضى جزئية وغير كافية.
رغم الوضع في القطاع، لا يتوقع السكان فيه ثورة ضد حكم حماس. فقد شرح نشيط اجتماعي في غزة لـ "هآرتس" بان جمعيات دولية أو محلية تدعم ثلثي سكان القطاع، بينما الاخرون ينجحون في نيل الرزق بالتجارة والصناعة. واضاف بان "كل محاولة للانتقاد تلقى القمع الفوري".
في المواجهة الفلسطينية الداخلية المجهول الاساس هو موقف اسرائيل. فالقيادة السياسية امتنعت حتى الان من التطرق للازمة في غزة ومن الخطوات التي تعتزم اتخاذها في اعقابها. وعلى افتراض ان اسرائيل غير معنية بانهيار حكم حماس، فان هذه المحاولات لتحسين الوضع ستساعد عمليا في تثبيته.
في حماس لا يزالون يسعون الى تنفيذ عملية ضد اسرائيل انتقاما للاغتيال الذي نسب لها ضد المسؤول الكبير في المنظمة مازن فقها. وقبل نحو اسبوعين اعدمت المنظمة ثلاثة فلسطينيين ادينوا بقتل فقها بتكليف من اسرائيل. ولكن حسب التقديرات في القطاع فانهم غير مسؤولين عن الاغتيال. ونية حماس هي تنفيذ عملية في الضفة الغربية كي لا تجتذب النار الى القطاع.
في أجهزة أمن السلطة يقولون ان نشاطهم وتمسكهم بالتنسيق مع اسرائيل هو الذي منع عملية كهذه. هكذا كان في اثناء اضراب السجناء الامنيين، والذي سعت فيه السلطة الى منع الاشتعال الى جانب عملها من اجل المضربين. في السلطة يشرحون بانه في ضوء انعدام الامل لدى جيل ما بعد اوسلو، فان الهدف هو ضمان رزق اكبر عدد ممكن من الشباب في الضفة او في اسرائيل.
في السلطة يؤمنون بان مكانة عباس تعززت مؤخرا، ضمن امور اخرى بسبب اللقاءات التي عقدها مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب في واشنطن وفي بيت لحم، والتي نقلت الى اسرائيل والى الدول العربية الرسالة التي تقول انه يحظى باعتراف دولي بصفته الزعيم الفلسطيني. وبما يتناسب مع ذلك، كاد يتوقف في الاشهر الاخيرة البحث في هوية خليفة عباس ابن الـ 82.