طالب مدير مركز الأسرى للدراسات د. رأفت حمدونة اليوم الاثنين بمحاكمة قيادة الاحتلال التى ارتكبت جرائم مرعبة بحق الأسرى الفلسطينيين والعرب في أعقاب هزيمة حزيران 1967 ، مؤكداً أن الشهادات التى تم جمعها من أسرى عايشوا جزء من ظروف الاعتقال الأولى ضمن مقابلات نادرة مع محررين بقوا على قيد الحياة تظهر وحشية الاحتلال الذى لازال يتعامل مع الأسرى بنفس النهج والمنطق .
المحرر سليم حسين الزريعى " الملقب بمنديلا فلسطين " والذى أمضى فى السجون 27 عاماً متواصلة قال لمركز الأسرى : " اتسمت تلك الفترة بالقهر والمعاناة الكبيرة، فلم تسمح فيها لنا إدارة السجون بالجلوس أو الحديث داخل الغرفة وخارجها، وفى حال تم مشاهدة مجموعة تجلس مع بعضها، يتم اقتحام الغرفة والاعتداء عليهم، ومعاقبتهم ونقلهم إلى الزنازين، وكنا مجبرين بالرد على السجان بكلمة " نعم يا سيدى "، و كان الأسرى يدخلون الحمام للاستحمام مرة واحدة كل أسبوع، ويتم تعرية الأسرى كاملا بشكل مهين وبشع جدا أمام ناظر الآخرين ممن معه، ولأقل من خمس دقائق ثم يخرجوه قبل أن ينتهى، ومن الأسرى من كان يرفض الذهاب للحمام ويغتسل فى الغرفة بالماء البارد بطريقته الخاصة، كنا نشعر بأن الحياة عبء فى ظل تلك السياسة، كنا نتمنى لو استشهدنا على أن لا يتم اعتقالنا بهذه الظروف.
وأضاف الزريعى أن الأسير ملزم بالاستيقاظ ما بين الساعة الخامسة والنصف إلى السادسة صباحاً مستعداً ومنتظرا العدد المسمى " السفيراه " ثلاث مرات يومياً فى الصباح والظهيرة والمساء، وكلما اقتضت الحاجة لذلك، وعلى الأسير حين سماع صافرة العدد، أن يقوم بطي فرشته وبطاطينة بطريقة عسكرية، حيث يمر ضابط القسم من فترة لأخرى للكشف على حالة الانضباط والانصياع للاوامر، و على الاسير أن يجلس منتعلاً حذائه، مستعداً للعدد القادم وعليه أن لا يرفع رأسه بالنظر إلى ضابط العدد، إضافة "لجلوس كل خمسة أسرى معاً إلى أن ينتهي العدد".
وكان التدخين مسموح ولكن تحت رحمة السجان، حيث كان يطلب من السجين انهاء تدخين الاربع سجائر بساعة النزهة، ومن يريد إشعال سيجارته عليه أن يطلب بأدب من السجان ويقول له لو سمحت أريد ولاعة يا سيدي.
" كما كان يمنع على الأسير امتلاك الأوراق أو الأقلام أو الكتب ومن يضبط بحوزته أياً منها، كانت غرفته تتعرض لتفتيش دقيق يتم خلاله قلب الغرفة وتحطيم محتوياتها والعبث بأغراض وملابس الأسرى الاخرين ".
ولم تكن معاملة الأسيرات بأفضل حال من معاملة الرجال، فالأسيرة المحررة الدكتورة مريم أبو دقة وصفت ظرف الاعتقال الأولى : " عاملونا بالكثير من العنف، واستخدوا معنا فى التحقيق التهديد النفسى والاعتداء الجسدى ووسائل الترغيب والترهيب، وبعد التحقيق لم يدخلوا لنا ملابس بل ادخلوا لنا البجامات الرجالية التى تتسع لاثنتين أو أكثر، وسمحوا لنا بخمس دقائق حمام، واذا لم ننتهى بهذه السرعة فتحوا علينا الباب، وأجبرونا على النوم الساعة العاشرة مساءاً، وكانوا يمارسون الدهاء لتحسين صورتهم امام العالم، وذات مرة قالوا لنا: اطلبوا ما تشاءون، فطلبنا منهم الكثير من الطلبات حتى الفرشة، واحضروها لنا مستغربين، حينهاعرفنا أن فى الأمر شىء، وبالفعل كانت زيارة لمنظمة الصليب الأحمر الدولى فى اليوم التالى للاطلاع على ظروف اعتقالنا" .
والأسير المحرر أحمد عبد الرحمن ابو حصيرة وصف بدايات الاعتقال والمعاملة بالقول " : كانوا يعطون الحلاق شفرتين فقط ليحلق لخمسين أسير على الصفر، وأذكر أنه تم الاعتداء علينا بوحشية لأن إحدى الشفر فقدت بعد الحلاقة، وكل ممتلكاتنا هى 4 بطانيات برائحة نتنة ومتسخة، ولم يوجد وسادات بل كنا نضع الحذاء تحت رؤوسنا وعليه بطانية، وقطعة بلاستيكية نضعها تحتنا بسمك 1سم وصحنان " قروانان " وكاسة بلاستيك وملعقة، ووقت العدد يجب أن نكون على ركبنا وأمامنا تلك الأغراض ونبقى ولو لساعات حتى ينادى الضابط أن العدد صحيح، وكانت إدارة السجون تمنع الآذان، وكنا نتناوب على الآذان رغم العقاب، والزيارات كل شهر مرة نصف ساعة، ولا يوجد صلاة جمعة، وكنا نصلى فقط العيد جماعة بخطيب يحضروه لنا من خارج السجن، ولم يسمح بامتلاك الملابس بل كل ما نلبسه الغيار الداخلى وأبرهول، وكنا نعانى من الأمراض الجلدية والقمل، حتى أننا ذات مرة جمعناه وقدمناه للصليب الأحمر حينما زارنا ليصدق ما نقول، ولا يوجد مرحاض فى الغرفة بل ثلاث جرادل " واحد للبول والثانى لقضاء الحاجة والثالث للقمامة " وكنا ننام على الجنب كون أن كل شخصيحظى بما لا يزيد عن 30 سم، ومن يذهب لقضاء الحاجة لن يستطيع العودة لمكانه بعد فقدانه، وقد يبقى واقفاً فى إحدى الزوايا " .
اتفقت شهادة الأسير المحرر الدكتور خضر محمود عباس المعتقل مع زملائه حينما تحدث عبر مقابلة عن بداية الاعتقال بمرارة : " كان الأسرى يشعرون بالجوع دوماً، وكان فطورنا من 3 – 4 فرمات خبز، ونصف بيضة مقسومة بالنصف وكأنها بمنشار لأن القشرة باقية عليها بعد الانفصال أو نصف حبة طماطم، وأقل من ملعقة مربى، و4 حبات زيتون، والغذاء صحن زربيحة " شوربة " وصحن الرز لاثنين وصحن الطبيخ لأربعة ورغيف الفينو لأربعة، أو صحن مية فاصوليا نرى فيها القشيرات فقط مع قطعة لحم كل أسبوع مرة، أو قطعة سمك كذلك، وكانوا يحضروا لنا ما نسميها بشوربة المكانس أو " البيقة " الشبيهة بالبازيلاء، و كان أكل السبت مقززاً بسبب طهيه يوم الجمعة لأسباب دينية عند اليهود لعدم السماح باشعال النار فيه، ووجبة العشاء قريبة من وجبة الفطور، وكانوا يعتدون بالضرب على كل من ينام أثناء النهار" .
أما عن حالة الحصار والتضييق على الأسرى فوصفها الأسير المحرر محمود سليمان الزق بالقول :" حاصرتنا الإدارة بالكامل، لم تسمح باقتناء الورقة والقلم وحتى الصحف والمذياع والتلفاز كان ممنوعاً علينا، وكان يسمح فقط بسماع صوت اسرائيل باللغة العربية لساعتين، ساعة صباحاً وساعة مساءاً للأخبار وأغانى أم كلثوم، وجريدة الأنباء تصدرها المخابرات الاسرائيلية بشكل موجه ".
وأشار الدكتور حمدونة إلى المعاملة غير الانسانية قامت دولة الاحتلال فى بداية الاعتقال بتشغيل الأسرى الفلسطينيين وفق نظام السخرة بهدف الاستغلال والإذلال والمهانة فأخرجت بعض الأسري للعمل فى الأعمال الإنتاجية التي تفيد الاحتلال مثل حياكة شبك الدبابات وإنتاج بعض الأمور للمؤسسة العسكرية .
وطالب وسائل الاعلام والمؤسسات الحقوقية والانسانية " المحلية والعربية والدولية " بابراز انتهاكات الاحتلال للأسرى في تلك الحقبة لتوثيقها وتقديمها للمحاكم كشهادات للضغط على الاحتلال لوقف جرائمها المستمرة من بدايات الحركة الأسيرة لحتى اللحظة ، ومحاسبة ضباط إدارة مصلحة السجون والجهات الأمنية الإسرائيلية لمسئوليتها عن تلك الانتهاكات والخروقات للاتفاقيات الدولية ولأدنى مفاهيم حقوق الانسان .