تشهد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة تحولات في المواقف عبرت عنها التصريحات الإعلامية للناطقين باسم أجهزتها المختلفة، ونحن للأسف نعلم كثيراً منها عبر ما تسربه الصحافة الإسرائيلية من معلومات وتلك التصريحات والمعلومات التي تصلنا نحولها إلى تصورات تفيد أن هناك تصحيحا ما يجري للفهم السابق للقضية الفلسطينية وأبعادها السياسية والاستراتيجية لدى هذه الإدارة ، ونحن حتى الآن نُدُور هذه المعلومات ونتساءل إن كان ذلك يمثل نضوجاً لدى رأس الإدارة أم أنه مجرد تصريحات الهدف منها طمأنة العرب لفظياً ومنح إسرائيل كل ما تريد فعليا.
ما سبب هذه التحولات؟ هل هي بفعل أطرافاً مؤثرة في البيت الأبيض والخارجية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي والمخابرات؟ ربما يكونوا هؤلاء قد ذكروُا الرئيس ترامب بالخطوط العريضة للمصالح الأمريكية في المنطقة وحساسية الخروج عنها؟
أو ربما جاء التأثير بفعل زيارات الرؤساء العرب، والصفقات الضخمة التي عقدتها المملكة العربية السعودية وكذلك الاستعداد المصري بالتعاون الأمني في مكافحة الإرهاب وكذلك اكتشاف دونالد ترامب بأن العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها الوطنية ليست علاقات شكلية عابرة لا قيمة لها، أساسها أمن إسرائيل، لا فقد أكتشف أن الفلسطينيون فاعلون في أكثر من ملف في الشرق الأوسط وأهمه التعاون الأمني بين أجهزة المخابرات الفلسطينية والأمريكية على أكثر من صعيد، وأن استبعادهم يعني خسارة للولايات المتحدة.
كذلك أقتنع ترامب وإدارته على ما يبدو أن ضرب التيار الفلسطيني (المعتدل) الذي يمثله الرئيس أبومازن سيؤدي بالتالي إلى تدهور الأوضاع وقلب موازين القوى لصالح القوى المناهضة للولايات المتحدة والمتمثلة بمحور إيران سوريا حزب الله ، أو بانفلات الأمور وعدم التحكم بها وتفكك المجتمعات والمؤسسات الفلسطينية وبالتالي تقدم القوى الأكثر توحشا و رجعية في المجتمع الفلسطيني والتي تتخذ الدين ستاراً ومرجعية لأعمالها أي الإسلام المتطرف وهو ما سيشعل حربا دينية على مستوى المنطقة والعالم وبالتالي يصبح السؤال ما الذي تغير وغير في مواقف هذه الإدارة التي وقبل تشكيلها قدمت وعودا أربكت المشهد في الشرق الأوسط .
بظني لا شيء تغير ولا شيء جديد يطرحه ترامب لم تتبناه الإدارات الأمريكية السابقة لكن الجديد فقط أن ترامب الذي وصف مع إدارته أنه منحاز انحيازا تاماً لإسرائيل يتبنى مواقف يعتقد البعض أن فيها حيادا إيجابياً يصب في صالح الفلسطينيين، مثل عدم اعتراف الإدارة الجديدة بسيادة إسرائيل على حائط البراق في القدس الشرقية ورفض ترامب أن يرافقه في زيارته للحائط أي مسؤول إسرائيلي وكذلك تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي حول أن ترامب سيتحدث أثناء زيارته للمنطقة العربية عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير (الإدارات السابقة حددت تقرير المصير بأنه دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل) ونشر خريطة لإسرائيل من قبل البيت الأبيض لا تتضمن الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة عام 1967 هذا جديد ولكنه بحاجة إلى تفسير عملي.
لأنه قد يعني العودة إلى صياغة "نقبل ما يقبل به الفلسطينيون والإسرائيليون دولة واحدة أو دولتين" ‘ فلو فرضنا أن الفلسطينيون ووفق استفتاءهم في تقرير المصير صوتوا لخيار الدولة الواحدة هل بمقدور الولايات المتحدة إرغام إسرائيل وخلفها الحركة الصهيونية على القبول بهذا الخيار، ربما وربما لا .إذن مصطلح حق تقرير المصير ملتبس وربما عنى به مستشار الامن القومي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة الذي أبتدأ عام 1967 أو تقرير المصير ضمن حدود دولة إسرائيل .وهذا قد يفسر ذلك على أنه ليس تقدما بالمعنى السياسي بل ربما تراجعاً وعودة للبدء.
لكن يبقى التحول هو في اللغة الترامبية، لغة جديدة تختلف عما قاله اثناء الحملة الانتخابية، السياسة تحددها المواقف والافعال لا التصريحات المبهمة، رفض الرئيس ترامب مرافقة نتنياهو له في زيارة حائط البراق هام وكذلك رفضه زيارة قلعة مسادا أو مصعدة برفقته أيضا هام ويعني كلاما كبيرا وموقفا.
ماذا في عقل ترامب وإدارته؟ مازلنا نخمن ولا يقين لدينا، تفرحنا بعض الانباء ونغتم لبعضها الأخر وهذا حالنا كفلسطينيين منذ زمن، لن يطول انتظارنا حتى نعرف ملامح هذه السياسة ونفقه العبارات التي قيلت، ولكن الأكيد الذي علمتنا إياه السياسة الامريكية في الماضي والحاضر أن إسرائيل هي الثابت الوحيد في السياسة الخارجية الامريكية تجاه الشرق الأوسط بينما غيرها فيدخل ضمن المتغير والمتحول.


