قال القيادي في حركة حماس موسى ابو مرزوق ان "القضية الفلسطينية تعيش اليوم حالة استثنائية وحرجة؛ حيث الإنصراف العربي والإقليمي عنها من جهة، والتآمر الدولي من جهة أخرى"، وفي ظل هذه الظروف جاءت وثيقة حماس التي يرى أبو مرزوق بأنها تعبر عن رؤية الحركة لفلسفة الصراع.
وشدد أبو مرزوق في حوار مع صحيفة "القدس " المحلية أن "حماس لديها خطاب واحد لشعبنا وللعالم"، مؤكدا أن "الوثيقة لم ولن تفتح باب التنازلات"، مضيفا: "لا نطرح أنفسنا بديلًا عن أحد، ونؤمن بالشراكة الوطنية والعمل المشترك".
ورأى أبو مرزوق أن انتخابات حماس "جرت في جو ديمقراطي سليم ووفق ضوابط ونواظم محددة"، وأنه "لا يوجد في الحركة تيارات وتكتلات"، لكنه أقر بوجود اجتهادات متباينة أحيانا.
وبشأن خشية البعض من سيطرة "العسكر" على المفاصل الرئيسية في "حماس"؛ بين أبو مرزوق أن كتائب القسام ليست فوق القرار السياسي الصادر عن مؤسسات الحركة الشورية والتنفيذية.
وحول المبادرة القطرية، قال أبو مرزوق: "إنها ما زالت مطروحة والمواقف تجاهها من فتح وحماس ممكن تجسيرها"؛ لكنه استدرك بأن أجواء المصالحة الآن ليست كما ينبغي، وفيما يلي نص الحوار:
س: البعض يرى بأن تسويق الوثيقة الجديدة دولياً سيكون المهمة الأصعب خلال الفترة القادمة، أمام "حماس" حيث جاء أول رفض للوثيقة من إسرائيل نفسها، كيف ترون أنتم ردود الفعل الدولية، ورد نتنياهو خاصة، وهل تتفقون مع القائلين بأن تسويق الوثيقة سيكون مهمة صعبة؟
ج: نحن قدمنا الوثيقة لشعبنا معبرين عن حقيقة مبادئنا وسياساتنا العامة وفلسفة الصراع عندنا، وبالتالي عندما نقدمها لشعبنا نقدمها أيضا للعالم كما هي، دون أن يكون عندنا خطابين. وبلا شك أن لفلسفة الصراع عندنا أبعادا مختلفة؛ بعد تجاه العدو وبعد آخر لعالمنا العربي والإسلامي باعتباره عمقنا الاستراتيجي، وبعد انساني باعتبار أن قضيتنا في جوهرها انسانية ومتماشية مع معظم المفاهيم الدولية، ولم نلتفت كثيرًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الشأن، وذلك لأن معظمها نتاج موازين قوى مختلة في أزمنة متعاقبة وفيها الكثير من التهاون والتفريط في حقوق شعبنا الفلسطيني. أما ردة فعل نتنياهو فهي متوقعة؛ إنه عدو شعبنا.
س: البعض يرى أن "حماس" بوثيقتها فتحت باب التنازلات، وأمام صعوبة التسويق دولياً والرفض الإسرائيلي الواضح والأمريكي والدولي المتوقع، ستقدم الحركة على تقديم تنازلات أخرى، دون أي مقابل؟ هل لديكم الخشية نفسها؟ وهل تقدمون أنفسكم للغرب ولأمريكا كمفاوض بديل للسلطة الفلسطينية، خصوصاً مع تزامن الإعلان عن الوثيقة مع زيارة الرئيس محمود عباس لأمريكا؟
ج: لم تفتح الوثيقة باب التنازلات ولن تفتحه، خاصة في ثوابت القضية والحقوق، وسياسة حركة حماس واضحة لا لبس فيها، فما ورد في الوثيقة في البند العشرين حول الموافقة على دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود عام 1967 توافقت عليه الحركة في وثيقة الوفاق الوطني منذ أكثر من عقد مع الفصائل الفلسطينية. وهي بالتالي قدمت التنازل لشعبنا الفلسطيني متوافقًا مع قدراتنا كشعب وقوى ودون أن يتعارض ذلك مع الموقف الثابت للحركة بتحرير كامل أرضنا من بحرها لنهرها. ولا نطرح أنفسنا بديلًا عن أحد ونؤمن بالشراكة الوطنية والعمل المشترك وعدم الاستفراد، أما تزامن الوثيقة مع زيارة الرئيس عباس للولايات المتحدة فهو تزامن عرضي غير مقصود.
س: بعض المراقبين أبدوا خشية من التشكيلة الجديدة للمكتب السياسي للحركة لجهة سيطرة وإحكام "كتائب القسام" قبضتها على معظم قطاعات الحركة. فهل سيشهد المكتب السياسي لـ"حماس" صراعاً بين التيار (البراغماتي) إن جاز التعبير الذي يقوده هنية، والمتشدد الذي يقوده رموز "القسام" وعلى رأسهم قائد "حماس" في غزة يحيى السنوار؟
ج: تعقد حركة حماس انتخاباتها كل 4 سنوات، دون أن تتخلف عن ذلك منذ تأسيسها، وقد حملت الانتخابات الأخيرة ضخ بعض الدماء الجديدة في الصف القيادي -دون أن تحدث تغييرًا جذريًا - في جو ديمقراطي سليم ووفق ضوابط ونواظم محددة، إلا أن ذلك لن يؤثر على توجهات الحركة لأنها حركة مؤسسات وقراراتها تخضع للمؤسسة، ولذلك مواقف الحركة موحدة؛ لأنها تأتي بشكل شوري، وليس هناك تيارات، ولكن هناك اجتهادات ولسنا نسخ كربونية.. أما القسام فهو ليس فوق القرار السياسي الصادر عن مؤسسات الحركة الشورية والتنفيذية، وهو ملتزم بذلك.
س: في ضوء طبيعة العلاقة مع المحيط الإقليمي والدولي بدءا من مصر مروراً بإيران ودول الخليج. هل هناك ترتيبات لجولة زيارات سياسية قريبة لرئيس المكتب السياسي الجديد إسماعيل هنية؟ وفي موضوع ذات صلة هل تم حسم أمر مكان إقامة رئيس المكتب السياسي؟
ج: سيبقى الأخ أبو العبد هنية في قطاع غزة، إلا في حال قررت قيادة الحركة تغيير مكان اقامته، وذلك وفقًا للمصلحة، كما أن خروجه من قطاع غزة في جولة خارجية مرتبط بمقتضيات المصلحة وظروف المعبر.
س: هل من زيارة قريبة لكم إلى مصر، خصوصاً أنكم أعلنتم خلال زيارتكم الأخيرة للقاهرة والتي كانت قبل خمسة شهور تقريباً، بأنكم بدأتم صفحة جديدة من العلاقات مع مصر، كيف تسير الأمور الآن؟
ج: إن العلاقات مع الشقيقة مصر جيدة ومستمرة دون انقطاع وتسعى الحركة دائمًا إلى بناء علاقات مستقرة وسليمة ضمن المصالح المعتبرة للشعبين الفلسطيني والمصري. وسنعلن في الوقت المناسب عن اللقاءات والترتيبات مع الجانب المصري.
س: بعد لقاءات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت، في أوائل هذا العام ومن ثم لقاءات موسكو، والتي ترأستم فيها وفد "حماس"، وجرى الحديث حينها عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكان هناك تفاؤل في الشارع الفلسطيني، ثم ظهرت الخلافات مجدداً حول البرنامج وقضايا أخرى. السؤال: ما هي الصورة الآن على صعيد المصالحة الداخلية بعد انتهاء انتخابات "حماس" وصدور الوثيقة؟ وهل هناك مبادرات جديدة مطروحة سواء من قطر أو من غيرها؟
ج: المبادرة القطرية ما زالت مطروحة والمواقف تجاهها من فتح وحماس ممكن تجسيرها، وإننا منفتحون على تطوير أي مقترح بما في ذلك المقترح القطري أو غيره. وفيما يتعلق بالاتصالات مع حركة فتح، فلا يوجد ما يمنع من القيام بالاتصالات حول المصالحة الفلسطينية وغيرها، ولا علاقة لإعلان الحركة عن وثيقتها السياسية بذلك.
س: تم الإعلان عن قاتل الشهيد مازن فقها، الأمر الذي لاقى ارتياحاً في الشارع الفلسطيني، والبعض ثمن مواقف "حماس" وجرأتها في الإعلان كون القاتل كان له انتماء فيما سبق لحركة "حماس" ولكتائب القسام . بالتأكيد سيكون لهذا الإعلان تداعيات ونتائج، فكيف تنظرون أنتم لهذه القضية ولتفصيلاتها ولأثارها المترتبة والمتوقعة؟
ج: أثبتت المنظومة الأمنية في قطاع غزة أنها مثال للعقيدة الثورية التي تُقارع الاحتلال دون هوادة وبأقل الإمكانيات، ولتؤكد بأن ساحة غزة عصية على العبث فيها، وقد باتت خيوط الجريمة اليوم واضحة بأن الاحتلال من يقف خلفها، لذلك فإن اعتقال المتورطين المباشرين في الجريمة خطوة في طريق تفكيك العديد من شبكات العمالة وواضح أن معظم المتعاونين تم تجنيدهم عبر معبر ايرز وواضح أيضًا أن هذا النوع من الحرب لن يتوقف وبحاجة إلى انتباهه دائمة.
س: بانتهاء انتخابات "حماس" الداخلية، وإعلان الوثيقة السياسية الجديدة للحركة، وما صاحب كل ذلك من نقاش وجدل على أكثر من مستوى؛ (فلسطيني، وعربي، ودولي).. كيف يرى الدكتور موسى أبو مرزوق حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية كمشروع تحرر وطني في ظل كل هذه المستجدات؟
ج: نعيش حالة استثنائية وحرجة في المنطقة وتآمر دولي على القضية الفلسطينية، وانصراف إقليمي عن القضية المركزية لأمتنا، ما يفرض علينا التصدي لمحاولات تصفية القضية، فالشعب الفلسطيني -ومن خلفه الأمة العربية والاسلامية- يملك من الامكانيات ما يجعل القضية الفلسطينية حية وما يُجبر الاحتلال الرضوخ لمطالبه العادلة، وقد جاءت وثيقة الحركة تأكيدًا على مسؤوليتها الوطنية كحركة تحرر وطني ذات مرجعية اسلامية وتقديم رؤية سياسية ترسخ الشراكة الوطنية فلا مستقبل للمشروع الوطني في ظل حالة التفرد والتشرذم الفلسطيني.
باعتقادي، الحقوق لا تسقط بالتقادم، والشعوب لا تتخلى عن حقوقها في ظل هذا الإصرار على تحقيق الحقوق، فالعودة والتحرير قادم لا محاله وإننا في ظل فشل سياسة الحلول السياسية ستبقى المقاومة هي الخيار وهي صانعة الانتصار، ومن هنا نوجه التحية لأسرانا الأبطال ولصمودهم الأسطوري ولكل أبناء شعبنا في الوطن والشتات على وقفتهم الداعمة للأسرى.
يشار الى ان موسى ابو مرزوق كان من المنافسين الاقوياء لاسماعيل هنية على رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس خلفا لخالد مشعل والتي انتهت بفوز هنية برئاسة الحركة .
المصدر :" صحيفة القدس