د. رمضان شلّح.. صوت أصيل في زمن فن السياسة الهابط ..بقلم : حسن لافي

الأربعاء 17 مايو 2017 02:16 م / بتوقيت القدس +2GMT



كلمة الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي الدكتور "رمضان شلّح" في ذكرى النكبة جاءت في توقيت مهم ليس فقط لأنها في ذكرى إحياء مرور ٦٩ عاماً على احتلال ٧٨% من الأرض الفلسطينية وتهجير قرابة ٧٠٠ألف فلسطيني ,واقتلاعهم من بيوتهم وممتلكاتهم و أراضيهم. وليس لأن هناك ما يقارب من ١٥٠٠ أسير فلسطيني مضربين عن الطعام منذ ٢٨ يوماً من أجل تحقيق بعضاً من حقوقهم الطبيعية ,التي تنتهكها دولة الاحتلال على مدار الساعة على مرأى ومسمع من العالم كله.

ورغم أهمية ما سبق , إلا أن  أهمية الخطاب تتجلى في أنه جاء في توقيت باتت فيه القضية الفلسطينية تمثل عبء على النظام العربي الرسمي، الذي يريد القفز عنها في سبيل إعلان  تحالفه مع مُخلص المنطقة الجديد , وفارس قوتها الضاربة  "اسرائيل" ، التي أصبحت تُمثل بالوعي العربي الرسمي سيف "عنترة بن شداد"، الذي من جهة يخشون سطوته عليهم, ومن جهةٍ أخرى يحلمون أن يقاتل بجوارهم في معركة "ذي قار" المعاصرة، ليحققون النصر على الفرس "الإيرانيين" من جديد، ومن أجل تحقيق هذا الحلم العربي، لابد من أن تذبح قضية فلسطين كما فعل "حاتم الطائي" بحصانه الأصيل إكراماً لضيفه، ولكن ضيف العرب هذه المرة هو السيد "دونالد ترامب" القادم إلى عاصمة القرار العربي بعد زلزال الربيع العربي لتدشين الحلف الصهيو_عربي على أنقاض النكبة الفلسطينية.

  وبما أن ترامب بالتأكيد أهم من ضيف حاتم عند دول "الاعتدال العربي" ، فكيف لا  تُصفى قضية فلسطين، أو على الأقل يتم تغييبها عن أجنداتهم،  وفي الغالب سيتم قذفها مجدداً في دوامة المفاوضات، التي لا تنتهي ولن تسفر إلا عن ضياع ما تبقى منها.

في هذه الأجواء وفي تلك التوقيتات تبرز أهمية كلمة رمضان شلح كصوت  أصيل في زمن سياسة الفن الهابط ،خطاب يعيد التوازن للوعي العربي، ويقدم خارطة طريق لترتيب أولويات البيت الفلسطيني , ليضع فلسطين في سياقها الحقيقي في التاريخ والواقع من خلال أهم ثلاث نقاط وردت في خطابه:-

أولاً. أن أصل العلاقة الطبيعية  بين الفلسطينيين ومن خلفهم المقاومة مع دولة الكيان هو الصراع  ، فالتهدئة مع العدو الصهيوني ليست ثابتاً من ثوابت المقاومة. ولكنها حالة تكتيكية يتحدد شكلها ,ومضمونها ,ومدتها الزمنية, بما يخدم الثوابت الوطنية الفلسطينية .ولن تتحول يوماً إلى حالة طبيعية تحكم العلاقة  بين المقاومة ودولة الاحتلال.

ثانيا. الإنسان الفلسطيني هو أهم ثابت من ثوابت المقاومة الفلسطينية, فهي انطلقت من أجل تحرير الأرض والإنسان على حدٍ سواء،  وعندما يكون الحديث عن الأسرى الفلسطينيين , يصبح  التأكيد على هذا الثابت في أقصى تجلياته, لأن الأسرى هم الفعل النضالي المُتقدم في الحالة الوطنية ، لذا يؤكد رمضان شلح أن حياتهم هي أغلى الثوابت لدى المقاومة ,ومن البديهي جداً أن تكون التهدئة في خطر, إذا استمرت اسرائيل بعنجهيتها ضد الأسرى.

ثالثا. ليس من الصعب أن نقرأ من تأكيد الدكتور شلح على سحب منظمة التحرير الفلسطينية اعترافها بإسرائيل, وإنهاء أوسلو كشرط للمصالحة وإنهاء الانقسام ،أن المهم ليس مَنْ يتصالح مع مَنْ ،ولكن المهم أن يتصالح المشروع الوطني الفلسطيني مع ذاته، من خلال إعادة تعريفه كمشروع شعب يخوض عملية تحرر وطني بعيداً عن زيف أي سلطة تحت سيادة الاحتلال، مشروع تتناغم  أهداف مقاومته مع ثوابته الفلسطينية , ويُعيد الوحدة لمكوناته الوطنية ,لتتجه نحو فلسطين كل فلسطين بعيدًا عن متاهات المفاوضات الغير مُجدية، والتي أثبت التاريخ ومن بعده الجغرافيا فشلها على الدوام ,من خلال وقائع الاستيطان ,وعربدة المستوطنين على الأرض الفلسطينية في الضفة والقدس. 

وبذلك  يتم توحيد الصف الفلسطيني بعيداً عن المحاصصات الحزبية ,ليصبح  الهم الأول للحركة الوطنية هو الاتفاق على صياغة ميثاق فلسطيني جامع لكل أطياف الشعب الفلسطيني ,وقواه الحية, ليحافظ على الاحقية الفلسطينية على هذه الارض تاريخياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً.

رابعاً .الحل المرحلي مرفوض بشكل قاطع لدى حركة الجهاد الاسلامي, وأنها لا تعير اهتماماً لموازين القوى المختلة لصالح العدو الصهيوني، لأن اهتمامها منصب نحو الحق الفلسطيني  ،وليس بإمكانها ربط الثابت الأصيل بالمتغير السياسي، بمعنى وضع الأحقية الفلسطينية بأرض فلسطين _كامل فلسطين_ في بورصة الحلول المرحلية ,الذي يحكمها مؤشرات موازين القوى المتغيرة ، لكن ناموس العقل و المنطق , يطالبنا أن نضع السياسة في خدمة الثوابت الفلسطينية، إيماناً بأن هذا الشعب قادر على الاستمرار بمقاومته  ،ويملك اليقين بعدالة قضيته ومظلوميته، ولن يعترف بأحقية اسرائيل على أي جزء من ترابه، لأنه بهذا الاعتراف  يتنكر لتاريخه ولعقيدته ,ويُقر بأن الاف الشهداء الذين ارتقوا على طول مسيرة الثورة الفلسطينية منذ وعد بلفور وحتى يومنا هذا, كانوا معتدين غاصبين  لحق الأقلية اليهودية في تأسيس دولتها على أرضها  بعد شتات دام ثلاثة الاف سنة، وبذلك يفقد الشعب الفلسطيني اخلاقياته ومبادئه, والشعب الذي يفقد قيمه ونزاهته, يفقد مشروعيته ليس في الوجود السياسي كدولة طبيعية في هذا العالم, بل في  الحضور الإنساني بشموليته .