الصراع أساساً أمريكي - أمريكي ...محمد يوسف الوحيــدي

الجمعة 12 مايو 2017 04:35 م / بتوقيت القدس +2GMT
الصراع أساساً  أمريكي - أمريكي ...محمد يوسف الوحيــدي



 الشمس لا يمكن حجبها بغربال ، كما يقول المثل العربي الدارج ، و الصراعات الفتاكة بين مؤسسات التنفذ و التشريع و اللوبيات سواء العرقية أو الإقتصادية تلعب درواً واضحاً في ها الصراع الذي إمتد بآثاره المدمرة خارج الحدود السياسية للولايات الأمريكية و ظهر بوضوح في مناطق النفوذ الأمريكي ، التخبط و التشرذم و الخطأ في التقدير و المد و الجذر في تبني مواقف  وجهات و دول و أنظمة و ثورات و تيارات و الرجوع عنها ، أصبح بمثابة علامة مميزة للسياسة الأريكية ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في مجمل سياساتها الخارجية .

هذا التمزق بدا واضحاً في العراق المحتل ، فمعظم التيارات العراقية المتناحرة  ( بأي حجة كانت و لأي سبب ) هي في الأصل إختراعات أمريكية أو تحظى بتأييد أمريكي ، و ظهر ايضاً في خلافات المعارضات السورية السيسية  و المسلحة منها ..و ربما المضحك أيضاً ما نشهده من مواقف تبدو متشددة و قومجية أو مبدأية من دول هي كلها عبارة عن قاعدة عسكرية أو أستخباراتية أمريكية ، و السؤال الساذج ، إذا كانت كلها أمريكية فلماذا تتصارع إذن ؟

أضف إلى هذا المشهد الغريب في محاربة المد المتطرف لما يسمى بالإسلام المتطرف و الإرهاب الإسلامي من ناحية ، و الدفاع المستميت عن  جماعة الإخوان المسلمين و غيرها ، بل و إبتكار داعش و قبلها القاعدة ..

هذا الصراع المؤسسي ، و الفكري الأمريكي بدأ يفرز  أنواعاً جديدة من الطبقات السياسية و الإقتصادية  بل و الإجتماعية ، فنلاحظ ظهور ما يمكن تسميته  بالطبقة الشعبوية الديماغوغية  و التي يمثلها و بشكل صارخ الرئيس الحالي دونالد ترامب !!

و ان "دولة المؤسسات الأمريكية " هذه اختلفت اختلافات كبيرة في الشكل و المضمون و الاداء في كل حقبة عن الآخري و كل جيل عن الاخر و أيضا هذه الدولة لها سابقة انهيار تام أدي الي حرب أهلية مروعة كانت اكثر الحروب تدميرية في العالم في القرن التاسع عشر و كان السبب الرئيسي لهذه الحرب هو عجز "دولة المؤسسات " عن التكيف مع صراعات و انقسامات الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي المستجد وقتها ...

و إمتد هذا بحيث أن القارئ للمجتمع الأمريكي ، من زواياه السياسية و الإقتصادية و المؤسسية و التشريعية يكتشف أن الصراع  أصبح  معلناً و محتدماً و ممارساً علي كل المستويات : الطبقة و المرتبة الاجتماعية و المكان و الإقامة و الحي و الجيل و المهنة و الهوية و اللون و الاثنية و الجنس و الدين... و يتم إستغلال كل هذا كأدوات حسم ( لنتذكر مرحلة ما بعد سقوط هيلاري كلينتون و الإنتفاضة ، و صراع الأبيض و الأسود و المسلم و المسيحي و صراع  القضاء مع الجهاز التنفيدي و الأمن الداخلي مع المخابرات المركزية و غيرها ) بالتالي فالمجتمع الامريكي اصبح مستقطبا بشكل كبير و علي خطوط صراعية محتدمة و معدلات من الكراهية بشكل غير مسبوق بين اليمين الشعبوي و اليمين المحافظ و اليسار الشعبوي و الليبرالية الوسطية ...و ان حتي بمقاييس تاريخ الشعبوية الامريكية الطويل (أندرو جاكسون و حزب الشعب و هوي لونج و تشارلز كافلين و جورج والاس و باري جولد ووتر و رونالد ريجان و بات بوكانان و غيرهم) فما يحدث حاليا غير مسبوق ..نتج عن كل هذا  أزمات كبيرة في البنية و في الأداء و هيمنة اجهزة أمنية و بيروقراطية و انقسامات حزبية عصبوية و قبلية سياسية أفسدت اليات برلمانية و قضائية و تنفيذية عديدة و قد بدات هذه الأزمة في عصر بوش الابن و تفاقمت الان بشكل يهدد القدرة الكلاسيكية المميزة لهذا النظام علي خلق الاجماعات العابرة للانقسامات و تفتيت السلطة و درء خطر الاستبداد عبر منظومة الضوابط و التوازنات ، هذا الخلاف و الإنقسام و الصراع الأمريكي الداخلي ، و بالصيرورة التاريخية و الحتمية العلمية ، كان لابد أن ينعكس على أداء الولايات المتحدة الأمريكية  السياسي الخارجي ، فكا هذا الصراع غير المفهوم عراقياً ، و سورياً ، و ليبياً و يمنياً و إيرانياً ،  بل وهذا الموقف غير المعرف تجاه قضية الشرق الأوسط المركزية – قضية فلسطين ... التي من الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة تبحث عن تعريفات جديدة لها ، و تريد أن تحلها بمنطق ( الباكج ديل ) أو ( الصفقة ) لعدم فهمها طبيعة الصراع و حيثياته أو لعدم قدرتها على الخوض في تفاصيل هي تعرف أنها تعاكس مفاهيمها الإرتجالية و التي بنيت على أكاذيب اللوبي الصهيوني ، و تريد أن تتجاوزها  بشكل سريع .

نقترح أن تهتم الدول العربية في وضع أليات ، و خطط ، و تدعو إلى مؤتمر سلام و مصالحة لإنهاء الإنقسام الأمريكي الأمريكي ، و من ثم نبدأ من جديد في إنتظار دور أمريكي فاعل في حل قضايا و مشاكل شرقنا الأوسط .