انطلاق "قطار التنازلات"... د. محمود خليل

الخميس 04 مايو 2017 05:26 م / بتوقيت القدس +2GMT



استطراداً لما حدثتك عنه أمس تحت عنوان «وثيقة البراءة.. وصفقة القرن»، أتوقف أمام هذه الفقرة اللافتة فى وثيقة «حماس»، التى تقول إن «إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط عام 1967 (الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة) مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التى أخرجوا منها، هى صيغة توافقية وطنية مشتركة، ولا تعنى إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيونى، كما لا تعنى التنازل عن أىٍّ من الحقوق الفلسطينية». تعكس هذه الفقرة تحولاً نوعياً فى فكر وتوجهات حركة حماس، فكل أدبياتها السابقة كانت تُردّد عبارة: «إقامة دولة فلسطينية على كل التراب الوطنى الفلسطينى»، بما يعنى الحديث عن مجمل الأرض التى احتلتها إسرائيل منذ حرب 1948 وما قبلها إلى الآن، المسألة غدت مختلفة، وأصبح المعلم الأساسى لمفهوم الدولة فى تصور حركة حماس، متمثلاً فى حدود 4 يونيو 1967، وبالتالى تتحدّد خريطة الدولة الفلسطينية فى الضفة والقطاع والقدس الشرقية.

التحول فى ظاهره يبدو واقعياً ومتسقاً مع الطريقة التى يفكر بها العالم، وكذا زعماء الكثير من الدول العربية والإسلامية التى ترى أن الحديث عن استعادة كامل التراب الفلسطينى، أصبح مجرد لغو، لكنه يحمل فى باطنه دلالة على انطلاق «قطار التنازلات»، وأن «حماس» ركبته سريعاً. ثمة تنازلات أخرى متوقعة من الحركة، مؤكد أنها ستوصف حين وقوعها أيضاً بـ«الواقعية السياسية». المزيد من التنازلات آتٍ لا ريب فيه، لأسباب لا تعوزها الموضوعية. فإقامة دولة فلسطينية طبقاً للتصور الحمساوى الجديد يقابله الكثير من العقبات المحورية.

داخل كل قطعة من القطع الثلاث للدولة الفلسطينية الموعودة (الضفة الغربية - القدس الشرقية - قطاع غزة) يوجد لغم بمقدوره تدمير هذا التصور على أرض الواقع. فى الضفة الغربية يوجد ما يزيد على 130 مستوطنة يعيش فيها أكثر من 350 ألف إسرائيلى. القدس الشرقية أيضاً لا تخلو من مستوطنات يعيش فيها ما يقرب من 300 ألف إسرائيلى. السؤال هل من الممكن أن تتنازل إسرائيل عن هذه المستوطنات؟.. وأين سيذهب المستوطنون الذين يزيد عددهم على 650 ألفاً؟ كل الشواهد والتصريحات الرسمية والمواقف الأمريكية تؤكد تمسك إسرائيل بالاستيطان. دع هذا جانباً، وانظر إلى قطاع غزة، وستجد أنه يعانى من مشكلة سكانية عاتية، إذ تضيق الأرض هناك بعدد من يعيشون فوقها من الفلسطينيين. فعدد سكان غزة حالياً يقترب -طبقاً لتقديرات فلسطينية- من 2 مليون نسمة، وهو مرشح للزيادة مع حلول عام 2020، لتصبح غزة واحدة من كبرى مدن العالم اكتظاظاً بالسكان. والسؤال أين سيذهب هؤلاء؟. هل ستُخلى إسرائيل لهم مستوطنات الضفة والقدس الشرقية؟!. عليك قبل أن تجيب عن هذا السؤال أيضاً أن تفكر أيضاً فى إجابة عن سؤال: أين سيعيش فلسطينيو الشتات حال عودتهم، كما تتمسك «حماس»؟.

مؤكد أن التعامل مع حالة الاشتباك السكانى فى المناطق المتصور إقامة دولة فلسطينية فوق ترابها تتطلب تنازلات من نوع خاص، لذلك أقول لك إن حماس بدأت «رحلة التنازل»، وتقديرى أن المسألة لن تتوقف عن تنازل «حماس» فقط، فثمة أطراف إقليمية أخرى قد تطلب منها تنازلات معينة. ويعيدنا هذا الحديث من جديد إلى موضوع «صفقة القرن»، لنتساءل: هل يمكن أن تتم «صفقة» دون أن تكون هناك تنازلات؟!.