كتب أفرايم غانور في معاريف : للتصفيات الهادئة أثر أهم بكثير من التصفية من الجو، أو بأي وسيلة أخرى. هذه الحقيقة تعلمتها من لقاء كان لي قبل سنوات مع أكبر كارهي “إسرائيل”، رجال عز الدين القسام الذين اعتقلوا بعد تنفيذهم العمليات وحبسوا في سجن “مجدو” في الفترة التي كان السجن فيها تحت قيادة الجيش الإسرائيلي.
جئت إلى “مجدو” لإعداد تقرير عن الأجواء في السجن العسكري الأكثر توتراً. وسمح لي قائد السجن باللقاء وهكذا دخلت إلى عرين الأسود “لكبار القتلة” الذين استضافوني في وجبة الغداء. وكانت هذه وجبة فائقة. كان معظم المحيطين بالطاولة من قيادة السجناء، ممن أرسلوا إلى السجن قبل فك الارتباط عن قطاع غزة، في الفترة التي كان يعمل فيها الجيش الإسرائيلي في أرجاء القطاع. كلهم شاركوا بتقل اسرائيليين، فلسطينيون وطنيون، كارهون لإسرائيل بشدة. ورغم ذلك، دار الحديث بيننا في أجواء طيبة، حتى عندما حاولت أن أواجههم بالواقع القاسي الذي يقودون إليه.
سرعان ما فهمت بأهم يؤمنون بأن لكفاحهم المسلح مع “اسرائيل” يوجد مستقبل، وبأنه بمعونته يوجد لهم أمل في وضع حد للاحتلال الاسرائيلي. “هل يبدو لك معقولا أن شعب رجال الاحتياط أولئك، مع القروش، الذين بصعوبة يتحركون، يمكنكم أن توقفوا روح شباب غزة، المفعمين بالايمان وبروح القتال؟”، قالوا لي مؤكدين. “نحن نأكلهم بلا ملح”. سألت: “فكيف إذن وصلتم إلى السجن؟”. قالوا “لأننا نضع كل شيء على الطاولة”، قالوا لي. “لديكم بضع وحدات خاصة. رأيناها وعملنا ضدها، وبالفعل توجد لديها قدرات وتكنولوجيا متطورة. بسببها فقط نحن هنا. أما كل الباقين فلا يساووا شيئا. لو كنتم متعلقين بهم، لما كنا هنا اليوم. تعلمنا من أساليب هذه الوحدات الكثير. أعمالها كانت تبقينا بلا أجوبة، بلا آثار وبلا طرف خيط، وبالنسبة لنا كان هذا هو الأصعب. حين كانت تأتي طائرة، أو طائرة بلا طيار، وتسقط قذيفة دقيقة وتصيب، فإنك تعرف من أين جاء هذا. أما الأعمال الهادئة والمفاجئة فهي أكثر ايلاما، لأننا لا نعرف من أين جاء هذا، كيف جاء وكيف اختفى”.
إن التصفية الأخيرة لمسؤول حماس مازن فقها، في قلب غزة، والمنسوبة لإسرائيل، أخرجت قادة حماس عن هدوئهم وأثارت قلقا في أوساط الكثير من سكان القطاع. فانعدام الوسيلة والردود المهددة التي جاءت من غزة في أعقاب التصفية تثبت أن اصبع الإتهام موجه لإسرائيل لانهم يعرفون بأنها هي وحدها قادرة على تنفيذ عملية نظيفة ومفاجئة كهذه، دون ترك آثار في الميدان. مثل هذه العمليات، “الإرهاب ضد الارهاب”، والتي لا تسمح لأعدائنا أن يعيشوا بهدوء وتطالبهم بأن يغيروا كل يوم مكان نومهم وأن يسيروا باحساس بأن في كل لحظة من شأن أحد ما إن يفاجئهم، تخرجهم عن أطوارهم وتدفعهم لأن ينشغلوا بالنجاة بدلا من التخطيط للعمليات. وترتبط هذه الظواهر بشكل مباشر بما سمعته من سجناء حماس في سجن “مجدو”. فهمت منهم بأن التصفيات المفاجئة والهادئة هي السلاح الأكثر نجاعة ضد منفذي ومخططي العمليات ضد “إسرائيل”.
المصدر :" معاريف
*ملاحظة : الاراء والالفاظ في المقال تعبر عن ةجهة رأي ونظر الكاتب والصحيفة ولا علاقة لنا بها