الأول من أبريل يوم الصدق الحقيقي... د. محمود ضاهر

الأحد 02 أبريل 2017 07:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
الأول من أبريل يوم الصدق الحقيقي... د. محمود ضاهر



كتب: د. محمود ديب ضاهر - 

يبدوا أن الأول من أبريل هذا العام مر علي وعلى الكثير من أصدقائي دون دعابات أو كذب، كان يبدوا كمثله من الأيام في غزة المكلومة المنطوية على نفسها مثل مريض يعاني من الإكتئاب العصابي، إلا أن البعض الآخر من الأصدقاء كان قد إستبق هذا اليوم بإعطاء لمحة تاريخية عن سبب إحتفال الغرب به.

وبحسب هؤلاء فإن سبب إحتفال الغرب به هو ما فعله ملوك الإسبان بأواخر المسلمين المختبئين من بطشهم في الأندلس، حيث نشر الإسبان بين العامة بأن مراكب المسلمين موجودة على شواطيء مضيق جبل طارق لتنقل من تبقى من المسلمين الى شمال افريقيا، وعندما خرج المسلمون من مخابئهم، بطش بهم الأسبان وكان ذلك في الاول من نيسان.

قصص أخرى تتحدث عن الأصول الهندية القديمة لهذا اليوم حيث يحتفل الهنود بعيد "هولي" في الواحد والثلاثون من مارس وتتميز الاحتفالات بالدعابة والكذب يُكشٓف عنها في مساء الأول من نيسان، أما القصص الأخرى فتتحدث عن أصول أوروبية ترجع للقرن السادس عشر حيث تم تحويل التقويم ليبدأ من يناير بدلاَ من الأول من أبريل.

وفي بلادنا كانت القصص تتمحور حول الكذب كمحاولة للتهرب من الضرائب التي يجبيها الولاة لصالح الحكم العثماني في الأول من ابريل وهي بداية السنة المالية. 

ومهما كانت القصص وتعددت الروايات حول أصول هذا اليوم ففي النهاية هو يوم للكذب، يوم تعارف الناس جميعا في معظم أرجاء المعمورة بأنه يمكنهم الكذب فيه، سواء للدعابة أو للسخرية أو ما الى ذلك.

لكني أجد أنه في ظل ما يحصل حولنا وفي عصرنا هذا فان ما يحاول الجميع إطلاقه في هذا اليوم لهو أصدق الصدق، كثير منا يعبر عما يجول في أفكاره بشكل ساخر، ومحاولة الكذب ما هي إلا إلتفاف على واقع أليم نعيش فيه وتعيش فيه الأمة.

لقد تحولت كل أيامنا يا سادة الى كذبة كبرى، نحن نكذب كل أيام السنة ما عدا الأول من أبريل، نحن نكذب على أنفسنا أولا، نعيش كذبة كبرى مضمونها البكاء على الأطلال والماضي الجميل.

تحولت كل أمانينا بأن يأتي يوم أجمل، ونمعن في الكذب على أنفسنا بأن هذا اليوم موجود. نكذب على أنفسنا بأننا نحقق الإنجازات وسوف نصعد العلياء قريبا ونصل الى أعالي الفضاء، سوف نلحق بركب الحضارة والإنسانية التي نتباكى على أطلالِ ما بدأناه منها.

نكذب على أنفسنا بما حققته أمتنا من إنتصارات وهمية. نحن نكذب كل يوم يا سادة على أولادنا ونوهمهم بأننا نصنع لهم مستقبلاَ باهراَ ونُعبِّد لهم طريق الحرية وطريق الإستقلال، ونحن لا نستطيع حتى أن نتصالح مع أنفسنا، نكذب على الأجيال القادمة بأننا نبنى لهم، برغم أن ما نهدمه كل يوم يفوق بأجيال ما يمكن بناءه، نحن نكذب على أزواجنا وزوجاتنا بأن الحياة خارج أسوار هذا السجن الكبير ليست بأفضل حال مما نعيشه، وأننا نعيش في رغد من العيش رغم الحصار، نكذب يا سادة على الأجيال القادمة، تماما مثلما كذبت علينا الأجيال السابقة بأن العودة الى الوطن قريبة، مسافة عدة أيام من السفر وسوف نعود، وأن الدولة على مرمى حجر، رغم أننا أصبحنا نعيش في دول.

تصالحنا مع أنفسنا إستهلك من الطاقات والعمل ما لم تستهلكه حروب وصراعات، أفنينا زهرة شبابنا بالبحث عن سراب الحرية ونفني كهولتنا بالبحث عن مصالحة يطول إنتظارها.

حالنا يا سادة ليس بأحسن حال من عمق أمتنا، نحن نكذب على أنفسنا يا سادة كل يوم وكل ساعة وكل لحظة، فشلنا في أن نتصالح مع أنفسنا ومع ذاتنا كما فشلنا في تحرير الوطن، والأول من نيسان هو يوم الصدق الحقيقي. عاشت كذبة أبريل وعاش الأول من نيسان يوم الصدق الوحيد فينا.