تتحدى "ريهام الكحلوت" ثرثرات الجيران، وملاحقة التعليقات لها على الإنترنت، وأحياناً الإهانات من غرباءٍ، ببضع ضحكاتٍ وحلمٍ قوي.
تنحدر الفتاة، ذات التسعة عشر عاماً، من قطاع غزة المعزول والمحافظ على نحوٍ متزايد، وتأمل في أن تصبح أول امرأةٍ في وطنها تحقِّق نجاحاً كبيراً في مجال الكوميديا، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
تبتسم ريهام قائلةً: "أومن بأن عليَّ أن أحطِّم هذا الحاجز، وأن أخترقه". وتضيف: "الجميع يريدون معرفة السبب وراء ذلك، لكنني أتعجَّب من هذا السؤال. لابد أن أستمر فيما أفعل".
تُعتَبَر الحياةُ في غزة صعبة، خاصة بالنسبةِ لأولئك الشباب الذين قرروا أن يتحدوا الأعراف السائدة لملاحقة أحلامهم.
ويعاني القطاع من نقصٍ حادٍ في المياه والكهرباء، وحصارٍ طويلٍ يعرقل اقتصادها، في ظلِّ بطالةٍ تطول ما يقرب من ثلثي الشباب والشابات.
عروض منخفضة الميزانية
وحتى الآن، تظهر ريهام في عروضٍ ساخرة ذات ميزانية منخفضة على موقع يوتيوب، تنتجها فِرقة كوميدية محلية.
والرجال الذي يظهرون في هذه العروض هم في الأساسِ نجومٌ في غزة، لكن بالنسبةِ لها تُعد الشهرةَ أكثر تعقيداً من ذلك، فقالت: "لابد من القول إن ردود الفعل سلبية أكثر منها إيجابية. لكن الرجال يتلقون استجابةً عكسيةً تماماً".
لا ينزعج المنتقدون لريهام، الذين يلاحقونها بتعليقاتهم على يوتيوب أو في الشوارع، من نكاتٍ رديئةٍ أو تمثيلٍ سيئ، بل من جرأتها على الظهور على الشاشة، وشعرها مكشوفٌ في أغلبِ الأحيان، في منطقةٍ تُعد فيها الممثلات المحليات نادراتٍ للغاية وأغلب النساء ترتدين الحجاب.
تعلِّق ريهام على ذلك قائلةً: "التعليقات على يوتيوب هي أكثر ما يحبطني. كل التعليقات سلبية: "لماذا فتاة؟ عليكم باستبعادها، أداؤها ليس جيداً"، وأشياء من هذا القبيل. ونادراً جداً ما يقول أحدهم: عملٌ رائع أو أحسنتِ".
بدأ حلم ريهام بالتمثيل مثلما بدأ عند الكثير من الأطفال، بمحاولة تقليد مشاهد الأفلام أو المشاهد التلفزيونية المُفضَّلة أمام مرآةٍ في المنزل، أو تقديم عرضٍ لإضحاك العائلة.
يقول والداها، اللذان يدعمانها في مواجهة انتقادات العائلة والأصدقاء والجيران، إنها كانت دائماً مختلفة عن أخواتها الخمسة، فهي أكثر صخباً وتتمتَّع بإرادةٍ قوية.
وتقول ريهام: "الكوميديا جزءٌ من شخصيتي. لطالما أحببت إلقاء النكات على أفراد عائلتي وممازحتهم".
رغبتها في ممارسة التمثيل الكوميدي اصطدمت بعدم وجود مجموعاتٌ للتمثيل في غزة، كما يعد الذهابُ إلى مكانٍ آخر حلماً مستحيل التنفيذ بسبب القيود العديدة على السفر من ناحية، ورفض الثقافة المحلية لسفرِ شابةٍ عزباءٍ وحدها من ناحيةٍ أخرى.
ويُغلَق قطاع غزة، الذي يمتد على 365 كيلومتراً مربعاً على ساحل البحر المتوسط، بجدرانٍ إسرائيليةٍ ودورياتٍ بحريةٍ من ثلاثِ جهات، ما يتطلَّب تصريحاتٍ خاصة للسفر، وبحدودٍ مصريةٍ من الجهة الرابعة غالباً ما تكون مُغلقةً هي الأخرى.
تقول ريهام إن هذه العزلة الجسدية قد فصلت القطاع ثقافياً وفنياً عن بقية العالم. وتضيف: "أردت أن أدرس الفن والتمثيل. أردت أن أسافر لأن هذه الدورات الدراسية ليست مُتاحة هنا، لكن هذا مستحيل بسبب الوضع الراهن بسبب كوني امرأة".
اغتنمت ريهام فرصتها حين شاهدت واحدةً من صديقاتِ أختها في مقطع فيديو على يوتيوب، فطلبت منها التقدُّم إلى الفريق ودوراً لتؤدي تمثيله. تقول ريهام: "انضممت إليهم وأديت دوراً"، ولم تنظر إلى الخلف قط.
تُعد هذه العروض الهزلية بميزانيةٍ ضئيلة، بعد بروفاتٍ قصيرة للغاية، إذ يردِّد أعضاء الفرقة ما يُفتَرَض أن يقولوا من سطورٍ لمرتين فقط قبيل التصوير. أما الأدوار النسائية الأخرى، فجرت العادة أن يؤديها رجالٌ آخرون، لإضفاء طابعٍ هزلي من ناحية، وبسبب الافتقار إلى الفتيات من ناحيةٍ أخرى.
ارتَبَكَت ريهام وأسرتها في البداية من ضراوة التعليقات التي هاجمت أدوارها، فتوقَّفَت ريهام عن التمثيل لفترةٍ من الوقت. لكنها أدركت أن فاتها الكثير بالفعل، فقالت: "في نهاية المطاف، فكَّرت في أن هذا حلمي. لماذا عليَّ أن أتوقف عن التمثيل؟ لماذا عليَّ أن أستمع للآخرين؟".
تفكر ريهام تفكِّر في الصعوبات التي تقف أمام تحقيق حلمها، وتقضي كثيراً من وقتها في الدراسة من أجل الحصول على شهادةٍ في القانون، الأمر الذي تعتبره خطةً بديلةً في حال إن لم يُكلَّل سعيها إلى الشاشةِ الفضية بالنجاح.
تقول: "البيئة المحيطة والثقافة السائدة محدودتان للغاية هنا. أؤدي أدواراً مع الفِرقة، لكن ليس بوسعي أن أقول إنني مُمَثِّلةٌ بالفعل. إن لم يكن بمقدوري أن أفعل ذلك خارج غزة، على الأقل سأكون حصلت على شهادتي".
قدوتها رجال
ولا يزال لدى ريهام قدوات محلية تحتذي بها، حتى وإن لم يكن بينهم أي نساءٍ على الإطلاق. فالشابٌ الغزاوي محمد عسَّاف قد تحدَّى الصعاب الاستثنائية وفاز في مسابقة برنامج "آراب أيدول" الشهيرة في عام 2013 ليصبح نجماً في المنطقة العربية برمتها.
وتُعلِّق ريهام آمالها اليوم على شقِّ طريقها إلى العاصمة المصرية القاهرة، التي تُعتَبَر المركز الإقليمي للسينما والتلفزيون، حيث وعدَتها أختها بتوفيرِ منزلٍ لها.
تقول ريهام: "أعتقد أن حياتي ستبدأ حقاً هناك"، آملةً أن تصبح نجمةً وقدوةً يُحتذى بها.
وتضيف: "أمنيتي الحقيقية هي أن تكون النساء والفتيات قادراتٍ على فعلِ ما يشأن دون ضغطٍ من جانبِ المجتمع. ولهذا أنا مصرّةٌ على المُضي قدماً وألا أدعهم يحبطوني".
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية