كتب عكيفا الدار في هارتس : - من يتتبع التقارير الإعلامية وتقارير منظمات الأمم المتحدة حول الوضع الانساني في قطاع غزة يدرك - حسب تقدير رئيس قسم الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي - أنه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فإن غزة ستنفجر في وجوه مواطني إسرائيل. الاستطلاع الذي أجراه تنظيم حقوق الانسان "غيشا" يظهر ان 67% من الإسرائيليين يعتقدون بأن الإغلاق المفروض على غزة أدى لتفاقم الوضع الأمني، 70% يعتقدون بأن تحسين الظروف المعيشية في غزة سيخفض مستوى العداء والعنف.
هليفي استند إلى الاستطلاع في حديثه مع أعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بشأن تقرير الأمم المتحدة في سبتمبر 2015، والذي أنذر أنه إذا ما استمرت الاتجاهات القائمة في غزة على حالها فلن يكون القطاع في العام 2020 صالحًا للسكن فيه. أعضاء لجنة التجارة والتطوير التابعة للأمم المتحدة، التي ألفت الوثيقة، أشاروا إلى الآثار التدميرية للحروب الثلاثة مع إسرائيل، الأخيرة والأطول من بينها "الجرف الصامد" التي وقعت في صيف العام 2014، أدت إلى استئصال نصف مليون انسان من منازلهم، وأصابت بالفقر جميع سكان قطاع غزة تقريبًا، منسوب البطالة بلغ ذروة عند 44% من المواطنين، و72 % من الأسر تعاني من فقدان الأمن الغذائي.
تناولت وسائل الإعلام البطالة في التقرير عند نشره قبل حوالي عام ونصف، ولكن لم تسجل أي حركة استثنائية حينها في أسس مكتب رئيس الحكومة ووزارات الحكومة. ماذا يعني أن يشرب أولاد غزة مياه ملوثة؟ لماذا يجب ان تزعجونا بالحديث عن خريجي الجامعات العاطلين عن العمل الذين يشربون بظمأ أحاديث تحريض خطباء المساجد؟ ليس سيئًا، وزير الأمن أفيغدور ليبرمان وعد مؤخرًا أنه في المواجهة القادمة مع غزة "لن نتوقف إلى ان يصرخ الطرف الآخر، بأعلى الصوت (جفا لعاد) ويرفع الراية البيضاء"، حتى موعد كتابة هذه السطور لم نعلم شيئًا عن الشروع في دورات باللغة اليديشية خاصة بموظفي تعليم حماس والجهاد الإسلامي، لا نعرف شيئا أيضًا عن دراسة خيارات مختلفة لسياسة الإغلاق وقصف القطاع ردًا على إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.
بصيص ضوء صغير أرسل إلى سكان قطاع غزة ومواطني إسرائيل من سيدني البعيدة، قبل حوالي أسبوع ونصف (28 فبراير)، في اللقاء بين وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بشوب، قال نتنياهو انه مستعد لدراسة إمكانية سيطرة قوات أجنبية فعلية على غزة ومواجهة قضايا الإرهاب، معنى هذا الأمر هو رفع الحصار عن القطاع وفتح المنطقة لدخول وخروج الأشخاص والبضائع، وكذلك تسريع الإعمار الإنساني والمادي في القطاع.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يلقى فيها هذا الخيار في الفضاء، في يونيو 2007 وبعد ان سيطرت حماس على قطاع غزة قال رئيس الحكومة في حينها ايهود أولمرت "يجب ان ندرس بعناية إدخال قوة دولية متعددة الجنسيات مثل اليونيفيل"، أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ناقش الموضوع مع أعضاء مجلس الأمن في ذلك العام، وقال لهم ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلب منه دراسة الفكرة.
فكرة وضع قوة دولية متعددة الجنسيات وافتتاح ميناء بحري تتضمن في ورقة عمل شاملة ألفها قبل عدة أشهر خبراء منظمة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، رئيس المنظمة الجنرال المتقاعد امنون ريشيف قال هذا الأسبوع ان القوة يجب ان تكون مكونة من دول يكون جنودها أمناء وخبراء في مهمات مماثلة، وأكد انه ولغاية إنجاز اتفاق نهائي مع الفلسطينيين وبعد مدة طويلة بعد إنجازه أيضًا ستكون لإسرائيل المسؤولية الأمنية عن الغلاف الخارجي للقطاع، ريشيف يؤكد انه من الممكن تنفيذ رصد المواد القتالية والمخربين بمساعدة وسائل تقنية دون تواجد إسرائيلي على الأرض، ولأن هذا الترتيب سيرسم صورة إنجاز لحماس يقترح ان نتخذ في المقابل خطوات إيجابية حقيقية تجاه السلطة.
في أعقاب التقرير الإعلامي للمقيم القومي أيضًا الجنرال هليفي لا نعرف شيئًا عن أي خبر استثنائي على مستوى القيادة السياسية، هيا بحقكم ألا يجب أن يقلقوا الآن ممّا سيحدث في العام 2020؟ إذًا ماذا لو ان اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنجز بانتهاء عملية "الجرف الصامد" شمل تفاهمًا ببدء مفاوضات غير مباشرة مع حماس بوساطة السلطة الفلسطينية حول إقامة الميناء؟، بالمناسبة العقود بشأن بناء الميناء بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تم توقيعها في العام 1994، وصودقت المخططات في مذكرة شرم الشيخ (1999)، وشرع بالبناء في صيف 2000، لكن في الانتفاضة الثانية قصفت إسرائيل الموقع ومن حينها ما يزال خاويًا.
نتنياهو قال في افتتاح جلسة الحكومة (5 مارس) انه في اللقاء الذي سيجريه يوم الخميس (ذات اليوم) في موسكو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يطلب ان يأخذ أي اتفاق لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا بالحسبان المصالح الأمنية الإسرائيلية على الحدود الشمالية، ولماذا لا يستغل أيضًا علاقات روسيا الجيدة مع حماس من أجل دفع مصالح إسرائيل الأمنية على الحدود الجنوبية؟، قبل أقل من شهرين استضاف نظام بوتين ممثلين عن حماس وافتتح محادثات مصالحة بين التنظيمين، بوتين سيكون سعيدًا بكل تأكيد لو قص شريط افتتاح ميناء غزة الجديد.
من العام 2005 ولغاية سيطرة حماس على قطاع غزة، أشرفت الوحدة الأوروبية (EUBAM) على معبر رفح، تم الإشراف من داخل غرفة مراقبة أقيمت على بعد بضع كيلومترات جنوبي المجمع في معبر كرم أبو سالم، بالقرب من مثلث الحدود بين إسرائيل ومصر وقطاع غزة. رجال الأمن الإسرائيليون والمشرفون الأوروبيون وممثلون عن السلطة شاهدوا ما يدور في المعبر من خلال حوالي 30 كاميرا في دائرة مغلقة، ممثلو إسرائيل تعقبوا معلومات حول الداخلين في قواعد البيانات المحوسبة التي كانت بحوزتهم، في الـ 19 شهرًا التي عمل فيها هذا النظام مرّ في مجمع رفح حوالي 400 ألف إنسان. يمكن الافتراض انه إذا توجه إليه الأطراف فالاتحاد الأوروبي لن يرفض إرسال مراقبيه إلى الميناء الذي سيفتح 1.8 مليون إنسان في غزة على العالم، ويبعد عن إسرائيل برميل المتفجرات هذا.
ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها