كشف منع السلطات المصرية، دخول جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، لأراضيها، عن خلافات غير معلنة بين القاهرة ورام الله.
ورغم تأكيد القيادة الفلسطينية، مرات عديدة، على عمق العلاقة بين البلدين، والتنسيق عالي المستوى بينها، الا أن خبراء أرجعوا التوتر إلى دعم مصر القيادة المفصول في الحركة محمد دحلان، بالإضافة إلى قضية استصدار قرار مجلس الأمن الدولي المناهض للاستيطان الإسرائيلي.
وكانت مصادر فلسطينية ومصرية متطابقة، قد كشفت الإثنين الماضي، عن قيام السلطات المصرية، مساء الأحد، بمنع جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، من دخول أراضيها.
وأكد مصدر أمني مصري في مطار القاهرة الدولي، للأناضول، منع السلطات المصرية للرجوب، الذي يشغل أيضا منصب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، من دخول البلاد.
وبحسب المراقبين الذين تحدثوا لوكالة الأناضول، فإن الخلافات بدأت، بسبب دعم مصر للقيادي دحلان، الخصم السياسي للرئيس عباس، وزادت نتيجة رفض عباس تأجيل عقد المؤتمر السابع للحركة، والذي أقصى مؤخرا دحلان وأنصاره من صفوف “فتح”.
وبلغ التوتر ذروته، بعد سحب “مصر”، مشروع قرار كانت قدمته أواخر العام الماضي لمجلس الأمن الدولي حول الاستيطان، تحت ضغط إسرائيلي عبر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب قبل توليه الإدارة، نهاية العام الماضي، مما دفع كل من نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال، لتقديم مشروع بديل، بناء على طلب والحاح الرئيس عباس، وهو ما أوقع مصر في حرج بالغ، وكشف عن تباينات بين الجانبين.
ويلفت مراقبون أن امكانية ادانة إسرائيل في مجلس الأمن، كانت النسبة لعباس “فرصة لن تتكرر”، فهو يعلم أن الرئيس الأمريكي وقتها باراك اوباما كان يريد الانتقام من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (المؤيد لترامب) وبالتالي لن يستخدم الفيتو ضد القرار خاصة انه كان في نهاية ولايته، فألح عباس من أجل التصويت على القرار بعد طلب القاهرة تأجيله للتشاور، وغامر بغضب القاهرة مقابل تمرير القرار.
بدوره، أرجع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، منع دخول “الرجوب” للأراضي المصرية إلى علاقة “الخصومة” التاريخية بين الرجوب و”محمد دحلان”، الذي تدعمه مصر.
وأضاف: “يبدو أن لدى مصر تقديرات أن الرجوب من الشخصيات التي وقفت سدا منيعا أمام مساعيها في عودة (دحلان) للمشهد السياسي الفلسطيني، أو أن يشكل كيانا موازيا لفتح”.
واستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، أن ينعكس القرار على العلاقات بين القاهرة ورام الله، بحكم الجغرافيا، والعلاقة الاستراتيجية بين البلدين.
وتابع: “القيادة الفلسطينية غير معنية بنقاش الأمر على الاعلام، وأن أي خسارة للرئيس الفلسطيني محمود عباس على الصعيد الاقليمي يعني إضعافه”.
وقال: “سنسمع من القيادات الفلسطينية الحديث الدبلوماسي المعهود بأن العلاقة مع مصر خط أحمر، ولن تقول أكثر من ذلك”.
ومضى: “العلاقة بين الطرفين ليست اختيارية مهما بلغت الخلافات، ستبقى الجغرافية أقوى”.
وأضاف:” مصر تلعب دورا أمنيا في المنطقة، وقد أبدت استعدادها وفق الاعلام الإسرائيلي على أن تكون ضمن حل إقليمي للقضية الفلسطينية، وخسارة مصر يعني خسارة قضايا هامة”.
ولفت إلى القيادة الفلسطينية، ستوعز لقوى إقليمية للتوسط لحل الخلافات واعادة ترتيب العلاقة، مع القاهرة.
واتفق سليمان بشارات، الباحث في مركز الدراسات المعاصرة (خاص)، مع “الشوبكي”، بأن مصر ترى في “الرجوب” شخصية فتحاوية وقفت سدا أمام محاولتها عودة “دحلان” لصفوف الحركة.
وقال “بشارات”، إن هناك محددات لعلاقة مصر بالسلطة الفلسطينية، على رأسها الدور المصري في العملية السلمية بالمنطقة، وهذا يتطلب منها الابقاء على خيوط في العلاقة مهما بلغت حالة الأزمة بينها وبين أقطاب السلطة الفلسطينية.
وأضاف إن مصر من خلال منع دخول “الرجوب” لأراضيها”، توصل رسائلها الرافضة لمواقف معينة اتخذتها السلطة سواء فيما يخص الرباعية العربية ومحاولتها انهاء الخلاف الفتحاوي الداخلي، أو المواقف التي تتعلق بقضايا أخرى.
ومضى: “هذا المنع يحمل رسائل سياسية أكثر منها تخص شخص الرجوب، أول هذه الرسائل أن أبواب مصر قد تغلق أمام قيادات السلطة في حال لم تتجاوب مع الرؤية التي تعبر عنها القاهرة تجاه العديد من القضايا سواء ما يخص الرباعية العربية، أو حتى ما يتعلق بتطورات العملية السياسية السلمية بالمنطقة والدور الذي تقوم به القاهرة”.
أما الرسالة الثانية، بحسب “بشارات”، هي محاولة الضغط باتجاه تليين المواقف التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في الفترة الأخيرة، وتغير لهجة خطابها فيما يخص رفضها التدخل بالشأن الداخلي، أو حتى المصالحة ما بين القيادي محمد دحلان والرئيس عباس.
وأردف: “مصر والسلطة تحاول كل منهما التعامل لو بالحد الأدنى من العلاقات لكن دون إظهار وجود أي خلاف مواقف، وهذا في الغالب سيدفع السلطة في الفترة المقبلة لتقديم مرونة تجاه بعض القضايا التي قد تطرحها مصر فيما يخص الملفات الفلسطينية الرئيسية سواء عملية السلام أو موضوع المصالحة أو ما يخص العلاقة الفتحاوية الداخلية”.
بدوره قال أستاذ الاعلام في جامعة القدس، أحمد رفيق عوض، إن توتر العلاقة مع مصر سينعكس سلبا على عملية التسوية السياسية، والمصالحة الفلسطينية.
وأَضاف: “الموقف المصري ثابت من القضية الفلسطينية لم يتغير رغم وجود شد وجذب في السنوات الأخيرة، والسلطة الفلسطينية ترى في مصر حجر تستند عليه”.
وعن منع دخول الرجوب قال: “أعتقد انه موقف شخصي من الرجوب، وليس من حركة فتح أو السلطة الفلسطينية، ونتوقع أن يكون هناك توضيح مصري قريب لذلك”.
ويرى عوض أن مصر تفتح قنوات مع الكل الفلسطيني، بما فيهم القيادي المفصول في حركة فتح محمد دحلان، وحركة حماس، ليسهل عليها العمل في تقريب وجهات النظر بين الكل الفلسطيني.