بعد ان كشفت صحيفة هآرتس العبرية أمس عن قمة سرية عقدت العام الماضي في العقبة وفيها جمع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على طاولة واحدة كلا من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس المصري السيسي والعاهل الأردني عبد الله، أكد ديوان نتنياهو بعد تردد حقيقة انعقاد هذه القمة كما أكد ذلك زعيم المعارضة البرلمانية الإسرائيلية إسحاق هيرتسوغ.
ومن بين الأمور التي تم الكشف عنها لاحقا وتتعلق بمجريات القمة وما دار خلالها، ورد على لسان مسؤول امريكي من حاشية وزير الخارجية الأمريكي الى جانب مصدر إسرائيلي مطلع على ما جرى اثناء القمة، ان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد عرض على القمة الرباعية خطة مؤلفة من خمس نقاط تبدي إسرائيل استعدادها لاتخاذها من اجل الدفع بمبادرة السلام الإقليمي والتي من شأنها ان تؤدي الى استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وقد تضمن الخطة التي طرحها نتنياهو على البنود الخمسة التالية:
أولا: منح التراخيص للبناء على نطاق واسع للفلسطينيين والدفع بمبادرات اقتصادية في مناطق C في الضفة الغربية حيث المسؤولية الإدارية والأمنية بيد اسرائيل، الدفع بمشاريع بنى تحتية في قطاع غزة وتعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية بما في ذلك تصاريح لإدخال وسائل قتالية أخرى ضرورية لأجهزة الامن الفلسطينية.
ثانيا: الحكومة الإسرائيلية تعلن تعاملها الإيجابي مع مبادرة السلام العربية من عام 2002، مع ابداء الاستعداد لخوض مفاوضات مع الدول العربية حول عناصر هذه المبادرة.
ثالثا: دعم ومشاركة نشطة للدول العربية في مبادرة السلام الإقليمي بما في ذلك وصول مندوبين رفيعي المستوى من السعودية واتحاد الامارات العربية ودول سنية أخرى في قمة علنية بمشاركة نتنياهو.
رابعا: اقرار أمريكي بالبناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، دون ان يشير نتنياهو اليها بالاسم، مقابل تجميد البناء الاستيطاني في المستوطنات النائية الواقعة على الجانب الشرقي من الجدار الفاصل. وتحدث نتنياهو عن التوصل الى تفاهم خفي عن الاضواء وغير رسمي حول الإقرار بالبناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى وتجميد البناء خارجها.
خامسا: الحصول على ضمانات من إدارة أوباما في التصدي للإجراءات ضد إسرائيل في مؤسسات الأمم المتحدة واستخدام الفيتو ضد كل قرار يتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني في مجلس الامن التابع للأمم المتحدة.
واعترف رئيس الوزراء أمس الاحد خلال جلسة وزراء حزب الليكود بأن ما ورد في تقرير صحيفة هآرتس عن قمة رباعية في مدينة العقبة، صحيح وقد عقدت القمة قبل عام من الآن. وكان نتنياهو قد اخفى آنذاك عن غالبية الوزراء امر هذه القمة. وقال نتنياهو انه هو من بادر لعقد هذه القمة وليس وزير الخارجية الأمريكي كيري.
من ناحيته قال زعيم المعارضة البرلمانية الإسرائيلية اسحق هيرتسوغ في لقاء تلفزيوني مساء أمس، انه وفقا لما للمعلومات المتوفرة لديه، فإن من دعا الى عقد هذه القمة هو وزير الخارجية الأمريكي وليس رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
وقال مصدر إسرائيلي كان على اطلاع بمجريات القمة والاعداد لها، انه رغم ان جون كيري هو من بادر لهذه القمة الرباعية، إلا ان لنتنياهو كانت مشاركة هامة في القمة. وأضاف المصدر الإسرائيلي ان أحد الأسباب التي دفعت نتنياهو الى السعي الى هذه القمة يكمن في رغبته عرض خطته البديلة لخطة كيري امام الرئيس السيسي والملك عبد الله ليتحقق من ان كيري لا يحاول الانعطاف.
وتابع المصدر الإسرائيلي ان "كيري اعد خطة من ستة مبادئ من اجل استئناف المفاوضات، بينما نتنياهو لم يشأ ان يلعب دور المرفق لجون كيري ولا سيما انه لم يرغب المبادئ الستة التي عرضها كيري. فنتنياهو لم يكن يثق بكيري وخشي من ان يخرب الأخير عملية السلام الإقليمي. لقد أراد نتنياهو مبادرة إقليمية يقودها هو برفقة زعماء الأردن ومصر على ان يضم الإدارة الامريكية في مرحلة لاحقة والوزير كيري بالذات بوصفه لاعب صاحب دور ثانوي. علاوة على ذلك فالعرب لم يتحمسوا جدا لمبادرة كيري رغم ان الوزير الأمريكي أكد مرة تلو الأخرى ان كل الدول العربية أبدت موافقتها لمبادرته".
وعلى صعيد السياسة الإسرائيلية الداخلية، فقد أحدث الكشف عن هذه القمة عاصفة سياسية وتجلت بعض جوانب الاحداث السياسية التي وقعت آنذاك وكانت تثير التساؤلات في الأوساط السياسية دون ان يكون الجميع على علم بدوافعها.
فقد قال زعيم المعارضة هيرتسوغ انه في اعقاب ما بلغه عن القمة الرباعية، فتح في العاشر من مارس/اذار من العام الماضي قناة للتفاوض بشأن انضمامه وحزبه الى الائتلاف الحكومي معتبرا ان فرصة حقيقية تلوح في الأفق. وقال هيرتسوغ عن هذا: "اردت تجنب جولات أخرى من القتلى ومن توابيت الموتى. لقد استجبت لتوجهات رئيس الحكومة بعد ان أوضح لي أبرز زعماء العالم والمنطقة بصورة غير مباشرة انهم معنيون بأن انضم الى الائتلاف الحكومي من اجل التحقق من مدى جدية والتزام نتنياهو بهذه المبادرة".
وكشف زعيم المعارضة هيرتسوغ انه أجرى خلال شهر مارس/اذار 2016 ولمدة يومين مارثون من المفاوضات مع نتنياهو، تمكن الاثنان خلالها من بلورة مذكرة تفاهم سرية حول محور سياسي كان من المفروض ان يتم الكشف عنه عند الإعلان عن الاتفاق الائتلافي. وقال هيرتسوغ انه اتفق مع نتنياهو على تجميد البناء الاستيطاني خارج التجمعات الاستيطانية الكبرى وعلى العمل كوزير للخارجية من اجل استمالة الرأي العام الدولي وعدم معارضة البناء داخل التجمعات الاستيطانية.
وأضاف هيرتسوغ: "في هذه الاثناء استدعى نتنياهو ياريف ليفين (وزير السياحة – الليكود) ليشارك في المفاوضات، فأثناه عن موقفه مبديا له مدى عدم إمكانية التحدث عن تجمعات استيطانية في حزب الليكود". وتابع هيرتسوغ: "تمكن ليفين بعد ذلك من اقناع نتنياهو بالتراجع عن الفكرة برمتها الخاصة بالمذكرة السياسية التي كان لها ان تصبح جزءاً من الاتفاق الائتلافي والتي كانت ستعرض على الكنيست لإقرارها. عندها أوضح لي نتنياهو ان هذا سيفكك حزب الليكود. كان بوسعنا ان نغير الشرق الأوسط ولكن نتنياهو هرب".