على الرغم من أنّ إسرائيل الرسميّة باتت على قناعةٍ تامّةٍ بأنّها قادرة على فعل أيّ شيء في فترة ترامب، إلّا أنّ العديد من المُحللين السياسيين في تل أبيب باتوا يُحذّرون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعدم وضع جميع البيض في سلّة أمريكا، لافتين في الوقت عينه إلى أنّ الرئيس الأمريكيّ الجديد ليس متوقعًا بالمرّة، بحسب تعبيرهم. علاوة على ذلك، أكّد المحللون على أنّ وعود ترامب فيما يتعلّق بالسلطة الفلسطينيّة ونقل السفارة من تل أبيب إلى القدس غير مضمونة بالمرّة.
مع ذلك، قال المُحلل الإسرائيليّ يوني بن مناحيم، من المعهد الأورشليمي لدراسات السياسة والمجتمع، إنّه حتى الآن، العلاقة الوحيدة بين السلطة الفلسطينية والإدارة الجديدة في واشنطن هي بوساطة القنصل العام الأمريكي في القدس دونالد بلوم، لافتًا إلى أنّه مضت الأيام التي يستطيع فيها مسؤولو السلطة الفلسطينية، مثل صائب عريقات، الاتصال بشكل مباشر مع وزيرة الخارجية الأمريكي أو مسؤولي الخارجية الأمريكية من أجل أن يتعاملوا مع مشاكلهم، على حدّ تعبيره.
وأضاف المُحلل، المُختّص بالشؤون العربيّة، إنّ رئيس السلطة الفلسطينية، خلافًا لرئيس الحكومة نتنياهو، لم يُدع للبيت الأبيض، والرئيس ترامب لم يرد عليه بعد على الرسالة التي أرسلها إليه حول نقل السفارة للقدس.
وبرأيه، تعيش السلطة الفلسطينية تعيش في هذه الأيّام أزمة سياسية، فمجال المناورة السياسية الخاص بها تقلص بعد دخول الرئيس ترامب للبيت الأبيض، وهي تدرس طرق عمل مختلفة، خصوصًا كرد ممكن على نقل السفارة الأمريكية للقدس.
وكشف عن أنّ الخطة التي صاغتها السلطة كردٍ على نقل السفارة للقدس مثل إلغاء اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، إلغاء اتفاق أوسلو، التوجه للأمم المتحدة بطلب قبولها كدولة عضو وغيرها، تظهر رويدًا رويدًا على أنّها خطة هدفها تخويف الإدارة الجديدة وردعها.
وبرأيه، فإنّ الخطة نجحت حتى هذا الوقت بوقف الإعلان عن نقل السفارة للقدس، لكن مسؤولون في السلطة يقدرون، بشكل غير رسمي، أن الرئيس عباس لن يجرؤ على الخروج في مواجهة كهذه مع إدارة ترامب. مع ذلك، تابع بن مناحيم، القلق الحقيقي في السلطة الفلسطينية هو من الإجراءات التي قد يتخذها ائتلاف اليمين الإسرائيلي استغلالًا لموقف الرئيس ترامب المتعاطف معهم وقلة خبرته السياسية من أجل فرض حقائق في المنطقة تضر بشكل كبير باحتمال حل الدولتين.
وأشار إلى أنّه بحسب مصادر فلسطينية، فالسلطة تخطط للتوجه قريبًا للمحكمة الجنائية في لاهاي من أجل التعامل مع قضية الاستيطان، في ظلّ إعلان حكومة إسرائيل عن استمرار البناء خلف الخط الأخضر. الفلسطينيون، تابع، يفكرون أيضًا بالتوجه لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بطلب تطبيق قرار 2334 حول الاستيطان، لكنهم يخافون من الفيتو الذي قد تفرضه إدارة ترامب، بحسب تعبيره.
ولفت في سياق تقريره إلى أنّه بعد شهرين سيُعقد مؤتمر القمة العربية، وفي حال لم يتم أيّ تغير في سياسات إدارة ترامب في الشأن الفلسطيني-الإسرائيلي لصالح الفلسطينيين، سيكون بإمكان اللجنة استغلال فرصة جيدة لصالح الفلسطينيين لمحاولة حشد العالم العربي، من ناحية معلنة، لدعم القضية الفلسطينية: حل الدولتين، القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية ومعارضة استمرار البناء.
ولكنّه أضاف قائلاً إنّه بحسب مصادر في السلطة الفلسطينية، فإنّ أحد المشكلات الأساسية التي تقف في وجههم هو موقف مصر الذي قد يعمل على عرقلة قرارات المؤتمر، فالرئيس السيسي يريد أن يحافظ على علاقات جيدة مع الرئيس ترامب الذي وعده بالمساعدة في حرب الإرهاب ضدّ “داعش” وحركة الإخوان المسلمين، وبالمساعدة المالية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه مصر حاليًا.
ونقل المُحلل الإسرائيليّ عن مسؤولين في حركة فتح، قولهم إنّه بالرغم من الأزمة السياسية الجديدة التي خلقت، إلّا أنّ الرئيس عباس غير مستعد للخضوع لما تمليه عليه إدارة ترامب أو إسرائيل، وهو سيستمر في نهجه. وتابعت المصادر عينها قائلةً إنّ عباس سينتظر ليرى إلى أين تسير الرياح وبعدها سيقرر كيف يتصرف.
وشدّدّت مصادر حركة فتح على أنّ التقدير في السلطة هو أنّ الإدارة الجديدة لا تنوي تمامًا نقل السفارة من تل أبيب للقدس، بل بشكل تدريجي، وأنّ الأمر لن يتحقق قبل الصيف.
وأوضح المُحلل أيضًا أنّه حسب قول مسؤولين في السلطة، فإنّ الرئيس أوباما وقع في شهر كانون الأوّل (ديسمبر) 2016 على أمر منع نقل السفارة للقدس طوال نصف عام وغير ممكن نقلها لأي مكان قبل الفاتح من حزيران (يونيو) 2017.
مع ذلك، شدّدّت المصادر الفلسطينيّة الرفيعة، بحسب المُحلل الإسرائيليّ، على أنّه بشكلٍ فعليٍّ ثمة احتمال بأنْ تتخذ السلطة إجراءات أحادية الجانب، فعباس قد يقرر أنْ يقدم استقالته وعن حل السلطة احتجاجًا على السياسات المؤيدة للإسرائيليين من قبل إدارة ترامب، على حدّ تعبيره. كما أنّ مسؤولين كبار في السلطة أكّدوا على أنّ رئيس السلطة سيكشف عن طريقة براغماتية ويحاول أنْ يسوي الأمر مع الإدارة الجديدة، وسيوافق على استئناف المفاوضات مع إسرائيل بلا شروط مسبقة.
جديرٌ بالذكر أنّ القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيليّ أفادت أمس السبت أنّ ثلاثة رجال أعمال فلسطينيين، مقربين من رئيس السلطة عبّاس، اجتمعوا في واشنطن، بصورةٍ غيرُ رسميّةٍ، مع مسؤول أمريكيّ كبير، الذي “طمأنهم” بأنّ السفارة الأمريكيّة لن تُنقل قريبًا إلى القدس، كما شدّدّ مراسل الشؤون السياسيّة، أودي سيغال.