لماذا يستهدف الغرب تركيا والإخوان؟
إن التفجيرات والعمليات الإرهابية التي تجري في بلادنا العربية والإسلامية أو في الدول الغربية تطرح لدينا تساؤلات مثيرة للعجب والاستغراب، حيث إن المتهمين وأغلب الضحايا هم من المسلمين؟!!
السؤال: هل الغلو والتطرف وحده المسئول عن هذه الأفعال الغريبة عن ثقافتنا الدينية؟ أم هي الأحقاد والكراهية والشعور بالمظلومية التي حرَّكت شباباً من أبناء المسلمين تمت تعبئتهم بشكل خطأ للقيام بمثل هذه الأفعال الإجرامية، والتي انعدمت فيها قدرات الرؤية وانجابت فضاءات البصيرة، فلم يعد هناك قيمة للإنسان بغض النظر عن ملته واعتقاده من ناحية، ولا فرق في الوقت نفسه بين استهداف المسلمين أو غيرهم بسبب أو بغير سبب من ناحية ثانية!!
عندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 كان الأمريكيون يتساءلون: لماذا يكرهوننا؟! أي ما هي أسباب كل هذا العداء الذي يكنه المسلمون لنا؟ وكان يأتيهم الجواب من بين ظهرانيهم؛ لأنكم فعلتم بهم كذا وكذا، فالإدارة الأمريكية تستفز المسلمين بدعم إسرائيل الدولة المارقة، وتقوم بالتغطية على جرائمها وانتهاكاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتبرر ارتكابها جرائم حرب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وتعينها كذلك على ممارسة الظلم والعدوان والتعدي على أراضي الضفة الغربية، وتمنع قيام الدولة الفلسطينية، وتنتصر لإسرائيل ظلماً في المحافل الدولية، ولأنها كذلك تدعم الأنظمة الدكتاتورية والطغاة المتجبرين في العالم العربي والإسلامي، وتمدهم بالتأييد والشرعية لممارسة الظلم والاضطهاد والقهر بحق شعوبهم؛ ولأن الغرب لم يحترم قيمه ومبادئه التي طالما نادى بها، فلم يدعم العملية الديمقراطية، ولم ينتصر أو يدافع عن الحقوق الإنسانية؛ بل سمح بانتهاكها والتغطية على فظائع المستبدين من الملوك والرؤساء، الذين تجاوزوا كل ما هو قانوني وإنساني لقهر خصومهم السياسيين، الذين امتلأت بهم ظلماً السجون والمعتقلات، وأقاموا أنظمة بوليسية تحمي كراسيهم، والتغطية على فسادهم، وتثبيت أركان ومصالح دولهم العميقة.
نعم؛ إن أمريكا هي الدولة الأهم والأقوى في الغرب، والتي عليها - من وجهة نظر هؤلاء المتحاملين عليها في المنطقة - أن تدفع ثمن نفاقها السياسي، وسياساتها ذات الوجهين والكيل بمكيالين.
لقد كانت أحداث 11/9 الإرهابية فرصة للغرب لمراجعة سياساته التي غلب عليها غياب العدل والوقوف إلى جانب الأنظمة الاستبدادية الفاسدة والقائمين عليها من الطغاة، الأمر الذي ولَّد مشاعر الغضب ورغبات الانتقام لدى المستضعفين من شعوب المنطقة من العرب والمسلمين، فكان "تنظيم القاعدة" الذي تمددت أذرعه وغزت ثقافته - للأسف - الكثير من بلدان العالم الإسلامي.. وبالرغم أن نشأة التنظيم كانت ردة فعل ورغبة جامحة في الانتقام من أمريكا، التي خذلتهم مواقفها وخيانتها لهم، إلا أن التنظيم اتسعت دائرة عملياته الإرهابية لتطال الجميع بما في ذلك أبناء جلدتهم من المسلمين.
من المستفيد من شيطنة الإخوان؟!
بعد محاصرة التيارات الإسلامية المعتدلة، والتي كان الإخوان المسلمون أحد أبرز وجوهها وملاحقتها، انتشرت بعض الوجوه والأفكار السلفية المتطرفة، والتي وجدت من يغذِّيها بالفكر والمال، ويهيئ لها علماء السوء المضلين والمأجورين لتسويق غلوها وتغذيتها بالكراهية والأحقاد، وإمدادها بكل من يقنعها بصحة ما تقوم به، والذي ينسجم مع طبيعة الجهل الذي يحكم عقلية الكثيرين من أتباعها، من حيث إن هذا الزمن هو "زمن الملاحم"، وهذه فرصتها في الغلبة والانتصار!! وأتى لها من بطون الكتب القديمة بالكثير من الخرافات والأسماء والوقائع التي جعلتها على يقين بأن هذا هو زمن الفتوحات والتمكين!!
للأسف، إن هذا الخطاب التضليلي هو ما قامت عليه أطروحة السلفية الجهادية، التي جسَّدها تنظيم الدولة (داعش) في كل من العراق وسوريا وليبيا وسيناء خلال الخمس سنوات الماضية، والتي أشغلت أمتنا بحروب وصراعات دامية دمرت العديد من كياناتها تحت ذرائع إقامة دولة الخلافة الإسلامية!!
وإذا أعدنا عقارب الساعة للوراء، لوجدنا أن سكوت الغرب الطويل عن الانتهاكات والمجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين والعراقيين والسوريين، وغض الطرف عن المظلوميَّات التي لحقت بهم، كان سبباً لمثل هذه الموجات العاتية من الإرهاب، والذي اجتاح بأفعاله اللاإنسانية الفظيعة قارات العالم أجمع، ووجه ضرباته الموجعة للاستقرار العالمي، وأصبح أداة في أيدي قوى استخبارية إقليمية ودولية تحركه لإدارة ما يخطط له من المعارك بالوكالة عنها، ولا تبتعد بالطبع دائرة الاتهام لأجهزة الاستخبارات الغربية الشهيرة، مثل: الأمريكية (سي آي إيه)، والبريطانية (إم أي 6)، والفرنسية (المكتب الثاني)، والروسية (كي جي بي)...الخ، ومثيلاتها في بعض الدول العربية والإسلامية التي تتحكم بمثل هذه المجموعات من المتطرفين المُغرَّر بهم، والتي تقوم بتوجيهها إلى جبهات بعينها للقيام بعمليات انتحارية لتخريب أمن تلك البلاد واستقرارها، كما نشهد ما جرى ويجري في تركيا من تلك الأعمال الإرهابية، التي تستهدف زعزعة الأمن والأمان في جنبات البلاد، وضرب مجالات الاقتصاد والسياحة فيها؛ بهدف تخريب كل ما حققته تركيا أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية من نجاحات، والتي هي مثار فخر وإعجاب من حيث تجربتها الديمقراطية، وحجم الكسب والإنجاز الذي حققه الإسلاميون فيها في مشهد الحكم والسياسة.
العمليات الإرهابية: لماذا تركيا؟!
بالرغم من أن الإرهاب يضرب في كل مكان، ولا تسلم حتى مساجد الدول العربية والإسلامية من شروره، إلا أن السؤال حول الدوافع قد يجد له جواباً في سياق الصراع الطائفي القائم بين مجموعات سلفية وشيعية متطرفة، ولكن استهداف الإرهاب لبلد مثل تركيا، التي هي بمثابة الحاضنة لمظلوميات المستضعفين من العرب والمسلمين، فهذا الأمر يبعث على الشكوك حول طبيعة الجهات صاحبة المصلحة في تخريب استقرار تركيا وأمنها؟ نعم؛ قد تكون أجهزة أمنية سبق لها التخطيط للعملية الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016، مثل تنظيم الكيان الموازي (جماعة الخدمة) التابعة لفتح الله كُلن أو تنظيم (PPK) الإرهابي، وهي كلها أدوات في أيدي قوى استخباراتية عالمية، وبالتالي فالهدف من وراء تفجيراتها هي إخضاع هذا البلد وقيادته الحكيمة لحسابات تلك الدول الغربية، خاصة وأن أردوغان قد أعلن التمرد على مطالب تلك الدول، واستعصم بتاريخ تركيا الحضاري المجيد ووعي شعبه ووقوفه خلف قيادته الديمقراطية، وقد نجح بدرجة ملحوظة في أن يحمي مكتسبات بلاده، بعيداً عن هيمنة الغرب وإملاءاته، وذلك بجعل بلاده تسمو بسياساتها ومواقفها، وليس كباقي دول المنطقة الخانعة للغرب.
إن الغرب بعقليته الاستعمارية التاريخية لا يرغب في مشاهدة بلد مسلم قادر على النهوض باقتصادياته، وبناء أسس نهضته وعمرانه، لكي يظل قابعاً تحت العباءة الغربية، وألا يشجع غيره للمضي قدماً كي يحذو حذوه، ليبقى الجميع رهينةً للسيادة الغربية وتبعية الدوران في فلكها، وفي أسر سياساتها وتوجهاتها، والتي هي – للأسف – خارج سياق مصالح الأمة وتطلعاتها.
في فترة ليست بالبعيدة، كانت تركيا هي ذراعاً مطلوب أن يكون قوياً، وقادراً على لعب دور "حلَّال المشاكل" بين دول المنطقة، ولكن يبدو أن هذه الصفة لم تعد تناسب دول الغرب منحها لتركيا أردوغان، وأن المطلوب - الآن - هو تطويعها وإحالتها لدولة كباقي دول المنطقة التي تدور في الفلك الغربي.
تغييب الإخوان لشيطنة الإسلام!!
ما الذي خلفته السنوات الخمس الماضية التي قاد فيها تنظيم الدولة (داعش) ساحات المواجهة في كل من العراق وسوريا، ثم بعد ذلك في ليبيا وسيناء، والتي خلَّفت حالة من الدمار الهائل والهلع والتهجير التي لم يسمع بها أحد منا منذ انتمائه لهذا الدين!!
إن الذي يجعلنا نؤمن بنظرية المؤامرة، هي تلك الخطوات المتزامنة بين مساعي شيطنة الإخوان وكل من ينتمي لمدرستهم الفكرية، وبين هذا الصعود المفاجئ لتنظيم الدولة (داعش)، والحديث عن مناطق محررة وعناوين لدولة الخلافة الإسلامية، واشتعال المعارك في سوريا بين قوى محسوبة على التيار الإسلامي بشقيه المتطرف والمعتدل، والتي استنزفت قوى الطرفين، وأذهبت قوة الفعل لديهم، وأنهكت قدراتهم على مغالبة النظام، الذي من المفترض أن يكون هو عدوهم المشترك!!
لقد سقط الجميع في سوريا، ولم تعد لصورة الإسلام والإسلاميين تلك الحالة من التوهج الذي يمكننا أن نعتز به وندَّعيه، بل هي المشاهد القميئة لعمليات القتل التي تقوم بها داعش، والتي تعجل في جعل الناس يخرجون من دين الله أفواجاً، حيث إن صورة المسلم بزيه التقليدي (الجلابية أو الجلباب) غدت كافية لجعل الناس في الغرب تتشكك في صاحبه وتهرب منه، فيما التوجس اليوم من أصحاب العمائم واللحى في عالمنا العربي والإسلامي هو سيد الموقف.!!
للأسف، هناك اليوم تيارات ومؤسسات علمانية وجهات رسمية في بعض دولنا العربية كان لها سهمٌ في تشويه صورة الإسلاميين المحسوبين على تيار الإسلام السياسي، فبدلاً من دعم هذا التيار التاريخي المنظم والمعتدل وتصديره للتصدي لظواهر الغلو والتطرف والعنف في المنطقة، أراد هذا البعض المرتهن لتلك الأنظمة أو المتواطئ مع دولها العميقة بالعمل على كسر شوكة حركة النهوض الشعبي، التي اجتاحت دول المنطقة، فيما تمَّ تسميته بـ"الربيع العربي"، وقطع الطريق أمام وصول الإسلاميين لسدَّة الحكم أو التآمر على من تمكن منهم في بلوغ مشهد الحكم والسياسة، والإطاحة به وإقصائه تحت ذرائع شتى.
للأسف، انتهت حركة النهوض التي تولدت في المنطقة العربية، والتي منحت الزخم لتيار الاعتدال الإسلامي الذي يمثله الإخوان من الظهور بأقوى تجلياته، ليعود التطرف للسيطرة على دفة الدين والسياسة، والاستحواذ على مشاهد القتل الهمجي واللاإنساني، والذي كانت تشويهاته كافية للتحريض على كل ما هو إسلامي، ودفع بعض الحركات ذات الانتماء الإخواني في العديد من الدول العربية، مثل الأردن والمغرب واليمن وتونس لإعلان تخليها عن ارتباطها التاريخي بهذه الحركة الأم وبتيارات الإسلام السياسي، تحت تأثير وضغط القوى الغربية والمشاهد الكارثية التي رسمها تنظيم الدولة (داعش) بفكره وسلاحه.
وبالرغم من أن قناعة العالم كله بأن الإرهاب لا دين له، إلا أن هناك من يريد أن يقصره على الإسلام والمسلمين؛ بل يتوسع في اتهامه ليتخطى الجهات ذات الميول العنفية والمتطرفة إلى التيار الأكثر اعتدالاً في الساحة الإسلامية وهم الإخوان المسلمون!!
وإذا كنا في بلادنا العربية نفهم أبعاد المؤامرة وخلفيتها من محاولات إلباس الإخوان المسلمين ثوب الشيطان، بهدف إخلاء الساحات ومشاهد الحكم والسياسة للطغاة وأنظمة الاستبداد فلا يعترضها أحد من الإسلاميين أو ينافسها على كرسي الرئاسة، فإننا لا نتفهم مواقف الدول الغربية التي لديها مؤسساتها البحثية والفكرية العالمة ببواطن الأمور وأشكال الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتسلط الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية التي لا تسمح بالعملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، كما أنها لا تحترم التعددية وحقوق الإنسان.
ختاماً: الإرهاب جريمة بحق الإنسانية
إن الإرهاب اليوم هو شرٌ مستطير، وهو مدمر لصورة الإسلام والمسلمين، وقد أدانه الإخوان المسلمون بكافة أشكاله، ومن الظلم الربط بينه وبين المقاومة التي كفلتها القوانين والشرائع السماوية، وإن على الغرب أن يفتش عن جذور هذا التطرف والإرهاب وألا يمنحه ألقاباً دينية؛ لأن الأديان لا تعطي صكوك غفران لقاتل أو عدوٍ للإنسانية.