خلال العقدين الأخيرين، وتحديدًا منذ العام 1996، وهو العام الذي انتُخب فيه بنيامين نتنياهو للمرّة الأولى لمنصب رئاسة الوزراء في إسرائيل، خلالهما وحتى اليوم، قامت الشرطة الإسرائيليّة بالتحقيق مع جميع رؤساء الوزراء: نتنياهو، إيهود باراك، أرئيل شارون وإيهود أولمرت، والأخير يقضي في هذه الأيّام فترة حكمه التي فرضتها عليه المحكمة المركزيّة في تل أبيب بعد إدانته بتلقّي الرشوة وخيانة الأمانة والتشويش على مجريات التحقيق. كما أنّ جميع رؤساء الوزراء المذكورين كانوا مشبوهين بمخالفاتٍ جنائيّةٍ تتعلّق كلّها بالفساد والرشاوى وإهدار المال العّام للمصلحة الشخصيّة.
إلى ذلك، تتوالي التطورّات في “فضيحة نتنياهو الجديدة، فبعد أنْ خضع لتحقيق يوم الاثنين لمدة 3 ساعات، عادت وحدة التحقيق الخاصة في الشرطة الإسرائيليّة، أوّل من أمس الخميس، إلى مقر رئيس الوزراء الإسرائيليّ في القدس الغربيّة، بنيامين نتنياهو، للتحقيق معه واستجوابه في قضيتين، واحدة في محورها تلقي هدايا بمبالغ طائلة من رجال أعمال، والثانية وصفها الإعلام الإسرائيليّ بأنها من العيار الثقيل.
وبحسب القناة الثانية بالتلفزيون العبريّ، فقد استغرق التحقيق الذي أجري الخميس مع نتنياهو نحو 5 ساعات إلى منتصف الليل. وأبلغت الشرطة في النهاية أنّها حققت مع نتنياهو في شبهات إضافية. ولم تفصل أكثر بالنسبة لهذه الشبه خشية عرقلة التحقيق.
وكشف المحلل السياسيّ المُخضرم، أمنون أفراموفيتش، في القناة الإسرائيلية الثانية، أمس الجمعة، النقاب عن أنّ الشبهة المحورية في قضية تلقي الهدايا هي “سجائر” فاخرة وصلت نتنياهو من رجل الأعمال أرنون ميلتشن، على مدار 8 سنوات تقدر قيمتها بمئات آلاف الشواقل.
وأضافت القناة الثانية أنّ أصناف السجائر التي وصلت نتنياهو كانت بناء على طلبه الخاص. وجاء كذلك أنّ نتنياهو يدخن في الشهر سجائر بمبلغ يقدر ب 15 ألف شيكل (نحو 5000 دولار). وحسب ما ورد في التقرير، فلم تقتصر الهدايا على نتنياهو، إنمّا وصلت الهدايا لذلك إلى قرينته سارة، التي تلقت من رجل الأعمال ميلتشن زجاجات شمبانيا زهرية، يصل سعر الواحدة منها نحو 100 دولار.
وبحسب التلفزيون العبريّ فإنّ رجلي الأعمال الإسرائيليّ والأجنبيّ اللذين تمّ التحقيق معها في إطار منح خدمات وهدايا لنتنياهو، قد اعترفا بهذه الشبهات في إطار التحقيق معهما.
يُشار إلى أنّ الشرطة الإسرائيليّة فتحت تحقيقًا جنائيًا لفحص شبهات متعلقة بالفساد فيما حظي باسم “الملف 1000″ وهي ذاتها الشبهات التي كانت قد كشفت عنها القناة الإسرائيليّة الثانية قبل نصف عام.
كما لقبت الشرطة ملف تحقيق آخر يطال نتنياهو ومقرّبين منه باسم “الملف 2000″، وهو ملف آخر مرتبط بشبهات الفساد الأولى ضمن التحقيق في “ملف 1000″. وقد تمّت المباشرة بالتحقيق بعد حصول الشرطة على إذنٍ من المستشار القضائيّ للحكومة الإسرائيليّ، أفيحاي مندلبليط.
وفي تصريحٍ خاصٍّ بثته قنوات التلفزيون الإسرائيليّ دافع المحامي يعقوف فينروط، الموكل بالدفاع عن رئيس نتنياهو بكلّ ما يخص التحقيق معه الدائر حول شبهات متعلقة بالفساد وتلقيه خدمات وفوائد من رجال أعمال وأثرياء، وقال إنّه لا يوجد حظر على تلقي علبة سيجار كهدية، مُضيفًا أنّه لا أساس للشبهات.
وتابع فينروط قائلاً فيما يخص الملف الذي لقب بـ”ملف 1000″: كلّ فهيم جليل يعي أنّه عندما يجلب صديق مقرب لصديقه علبة سجائر هدية، فلا يوجد بذلك ولا يعقل أنْ يكون أيّ منعٍ أوْ حظرٍ، لا توجد مخالفة جنائيّة، على حدّ تعبيره.
أما بخصوص الملف الثاني الذي يتم التحقيق مع نتنياهو بشأنه فقال محامي الدفاع إنّ كلّ ما يمكنني قوله بعد أنْ سمعت رئيس الوزراء هو أنني كنت وبقيت هادئًا، مشيرًا إلى أنّ هذه الشبهات لا تقلقه. كما أوضح أنّ الحديث لا يدور عن أموال، ولا عن قرض، ولا شيء قد يعتبر مخالفة. وخلُص إلى القول: كلّي ثقة بأنّ أجوبة رئيس الوزراء، ستتضح لكل سامع، بكل هذه الشؤون، أنّه لا غبار عليه، أكّد المحامي فيينروط.
وعقّب مقربو نتنياهو على هذه الادعاءات أن الهدايا وصلت في إطار صداقة قوية بين الشخصين، وليس في إطار وظيفة نتنياهو. وأضاف هؤلاء دفاعا عن نتنياهو أن ميلتشن يملك أسهما في القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّ، وأن نتنياهو حاول إغلاق هذه القناة في السنوات الأخيرة، ما معناه أنّ الهدايا لم تخدم مصالح أحد.
ومن الجدير بالذكر أنّه بعيد وقت قصير على فتح التحقيق ضدّ نتنياهو، سارع رئيس “لجنة الداخليّة والبيئة” في الكنيست النائب عن حزب “الليكود”، دافيد إمسالم، إلى تقديم مشروع قانون يُمنع بموجبه التحقيق مع أيّ رئيس وزراء إسرائيليّ في أثناء ولايته.
وأثار مشروع القانون انتقادات وردود فعل متباينة داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، خاصة أنه يمنع التحقيق مع أي رئيس حكومة في أثناء توليه المنصب، إلا في حالات التهم الأمنية أو الاغتصاب أو المخدرات، على أنها من الجرائم العظمى.
وبرغم أنّ اقتراح القانون ظهر كمحاولة إنقاذ لنتنياهو، نفى النائب أمسالم في حديثه إلى إذاعة الجيش الإسرائيليّ، أنْ تكون هناك أيّ علاقة بين التحقيق الذي فتح ضدّ رئيس الوزراء والاقتراح الذي قدّمه. وأضاف: منذ التسعينيات خضع رؤساء الحكومات المتعاقبة في إسرائيل للتحقيق في شبهاتٍ مماثلةٍ، وقد أدّى ذلك إلى ضعضعة الاستقرار السياسيّ، وحال دون اتخاذ قرارات مصيرية حاسمة بسبب انشغال رؤساء الحكومات في التحقيقات والشبهات التي كانت ضدهم، بحسب قوله.