تترقب الأوساط المصرية كافة باهتمام شديد القول الفصل في النزاع القضائي المديد أمام المحاكم حول تبعية جزيرتي تيران وصنافير.
فقد حددت المحكمة الإدارية العليا السادس عشر من يناير/كانون الثاني المقبل موعدا لصدور الحكم النهائي في الطعن المقدم من الحكومة المصرية في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري، والذي يقر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والموقعة في الثامن من أبريل/نيسان الماضي، والتي تضمن ملكية السعودية للجزيرتين.
حالة النزاع القضائي والشعبي، التي تشهدها مصر منذ صدور حكم القضاء الإداري في الحادي والعشرين من يونيو/حزيران من العام الجاري، أثارت لغطا واسعا، وألقت بتبعاتها على العلاقات، التي راحت تتأزم بين القاهرة والرياض ضمن ملفات أخرى وقفت خلف هذه الأزمة، حيث فسرت بعض الأوساط السعودية عدم حسم قضية تيران وصنافير وأحقية المملكة فيهما، وإطالة أمد النزاع القضائي الذي تجاوز نصف عام، برغبة حكومية في عدم إنهاء النزاع والالتزام الكامل باتفاقية رسم الحدود، التي تم توقيعها خلال زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة في أبريل/نيسان من العام الجاري.
وفور صدور حكم القضاء الإداري، منتصف العام الجاري، رأت مصادر قضائية مصرية أن الحكم الذي أصدرته الدائرة الأولى بالمحكمة، برئاسة المستشار يحيي دكروري، والذي قضى بإلغاء قرار رئيس الوزراء المصري وبطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي تُنقل بموجبها ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة، رأت هذه المصادر أن حكم المحكمة غير ملزم للتنفيذ وأن المحكمة تخطت صلاحياتها، وألغت قرارات سيادية تخص الدولة المصرية، وهو ما يخالف ما نص عليه الدستور المصري.
من جانبها، بادرت هيئة قضايا الدولة، ممثلة للحكومة المصرية، إلى الطعن في الحكم الصادر من المحكمة، وإقامة منازعة تنفيذ أمام المحكمة الدستورية العليا وإشكال أمام القضاء الإداري، حيث رأت أنه، وبمقتضي تلك المنازعة والإشكال، يتم وقف تنفيذ حكم القضاء الإداري إلى حين الفصل في المنازعة الدستورية. وقالت الهيئة إنها أوضحت خطأ الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري في عدم التزامه بأحكام الدستورية العليا، بما يعوق سريان الأحكام، وذلك في طلب منازعة التنفيذ التي أقامتها أمام المحكمة الدستورية العليا؛ مؤكدة على أسانيد دفاعها ودلالة المستندات الرسمية المقدمة منها أمام المحكمة الإدارية العليا، والتي تؤكد أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية من أعمال السيادة، وألَّا صحة لما رددته محكمة القضاء الإداري من قول بأن الاتفاقية قد تضمنت تنازلا عن جزيرتي تيران وصنافير، اللتين أثبتت المستندات الرسمية سعوديتهما سنة 1990، وأرجأت تنفيذ قرارها بالاتفاق مع المملكة العربية السعودية إلى حين استقرار الأوضاع في المنطقة.
في المقابل، أشار المحامي طارق نجيدة إلى أن الاتفاقية المطعون فيها، وتقرير وزارة الدفاع عن الإجراءات الفنية المتخذة والمتبعة لترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، تثبت أن الاتفاقية المطعون فيها قد ترتب عليها التنازل عن الجزيرتين إلى المملكة، وأن هذا هو صلب الطعن المقدم، وهو ما تمثل في الحكم الثاني الصادر عن محكمة القضاء الإداري في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي رفض طلب الحكومة المصرية بوقف تنفيذ حكم سابق ببطلان اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، حيث قررت المحكمة الاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر في يونيو/حزيران الماضي، والقاضي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وفق الاتفاقية الموقعة في شهر أبريل/نيسان الماضي، ورفضت المحكمة طلب الحكومة المصرية وقف تنفيذ حكم الاتفاقية، الذي جاء بعد النظر في دعوى قضائية، رفعها عدد من المحامين المصريين، تطالب بإبطال اتفاقية ترسيم الحدود.
وقد واكبت النزاع القضائي والشعبي المتصاعد حول القضية احتجاجات واسعة، وجرى اعتقال العشرات من الناشطين، الذين نظموا تظاهرات حملت اسم "يوم الأرض". لكنه جرى إخلاء سبيلهم لاحقا بقرارات قضائية، في الوقت الذي تمسكت فيه القاهرة بالاتفاقية الموقعة بين الجانبين، وقالت إن الجزيرتين الواقعتين عند مدخل ميناء العقبة في البحر الأحمر، كانتا تخضعان فقط للحماية المصرية منذ عام 1950، بناء على طلب من الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية.
وتبرز أهمية هاتين الجزيرتين في موقعهما الاستراتيجي، لأنهما تتحكمان في حركة الملاحة البحرية في خليج العقبة، وهما جزء من المنطقة "ج" المحددة في معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل.
وقد استمر النزاع القضائي على ملكية الجزيرتين على أكثر من صعيد، حيث تم تداول القضية في جلسات متعددة ومستويات مختلفة حتى التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، حين حجزت المحكمة الإدارية الحكم في الطعن المقدم من هيئة قضايا الدولة في حكم القضاء الإداري ببطلان اتفاقية تيران وصنافير إلى جلسة السادس عشر من يناير/كانون الثاني المقبل. وذلك في أعقاب ما قدمه ممثل هيئة قضايا الدولة من وثائق مترجمة ومعتمدة، توضح تسلسل السيادة السعودية على الجزيرتين، وذلك مقابل تقرير هيئة المفوضين التابعة للمحكمة الادارية العليا، والذي صدر خلال الشهر الجاري، وأوصي بتأييد حكم بطلان الاتفاقية المبرمة بين مصر والسعودية بشأن ترسيم الحدود البحرية، وإعلان تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة.
وإلى حين صدور حكم المحكمة الإدارية العليا، يبقي الرهان الحكومي على منازعة التنفيذ المرفوعة أمام المحكمة الدستورية العليا، والمحدد لها جلسة الثامن من يناير/كانون الثاني المقبل مهمًا من حيث قدرته على إلزام المحكمة الإدارية العليا بالتوقف عن السير في القضية المعروضة أمامها، خاصة إذا قضى قرار الدستورية باعتبار اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين من أعمال السيادة التي لا يتوجب النظر فيها أمام القضاء المحلي.
روسيا اليوم