لا شك، أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شكل احد أكثر التحديات للإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال محاولاتها التوصل إلى حل هذا الصراع، وإدارة "ترمب" الجديدة لن تكون استثناء في مواجهة هذا التحدي في محاولاتها المتوقعة للبحث عن حل يمكن أن يشكل إغلاق لأهم منافد عدم الاستقرار في شرق اوسط متغير.
والولايات المتحدة اليوم في ظل ادارة جديدة من حيث الرئيس الذي لا يملك خبرة السياسة أو من حيث فريق عمله الذي يؤخذ عليه مواقف وتصريحات ذات بعد يميني متطرف أو متشنج تجاه قضايا الشرق الأوسط، وكيفية قيام السياسة الخارجية الأمريكية في التعاطي معها.
ففي فترة الانتخابات تناولت وسائل الاعلام الامريكية كثير من التصريحات لــــ"ترامب" حول السياسة المتوقعة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خصوصاً فيما يتعلق منها بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث شدد "ترامب" على دعمه الكبير لإسرائيل كشريك عسكري واقتصادي. ويؤيد التحالف الوثيق مع "نتنياهو"، فيما لم يكن واضحاً بشأن رأيه في إنشاء دولة فلسطينية. ففي أغسطس 2015، قدم "ترامب" اقتراحا هزلياً لحل القضية الفلسطينية، حيث وجه رسالة إلي الفلسطينيين بأن يتركوا أرضهم إلي الدولة الإسرائيلية، مقابل أن يمنحهم جزيرة بورتوريكو الأمريكية التي تبلغ مساحتها ألف ميل مربع كتعويض لهم، وأنه سيجعل الولايات المتحدة تمول إعادة توطين فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن الولايات المتحدة ستقدم لهم الإسكان المجاني، وتدربهم على الأعمال، وتضمن لهم حياة طبيعية. وقال: سأبني للفلسطينيين جمهورية بدلاً من "المساجد"، وبدلا من أن يقتلوا الإسرائيليين، حسب قوله.
ولكن في السياسة الوضع خاضع للتغيير، ففي الانتخابات وما تتضمنه من برامج انتخابية ستختلف عن اليوم التالي، وستكون التصريحات محكومة بحسبة المصالح والعلاقات الدولية، وفي هذا الصدد يقول "مارتن انديك" الدبلوماسي المخضرم في شؤون الشرق الأوسط، ومساعد وزير الخارجية الامريكي السابق ونائب رئيس "معهد بروكنغز" في واشنطن، إن ادارة "ترمب" امامها عدة خيارات إذا كانت ترغب في البحث عن حل لأخطر الصراعات في المنطقة، والتوصل إلى حل للمشكلة الفلسطينية بعد أن تحطمت كل آمال الحل أمام التعنت وأمام عدم قدرة طرفي الصراع على اتخاذ قرارات حاسمة في قضايا القدس والحدود واللاجئين، حركة الاستيطان التي تسعى للسيطرة على 60% من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية، وأن هذا التدخل لا يمكن أن يكون بديلاً عن إرادة وقدرة الأطراف على تقديم تنازلات ذات مغزى لتحقيق صفقة تنهي الصراع الطويل، وهذه الخيارات:
الخيار الأول/ القدس أولاً:
لقد شكلت القدس أحد المحطات الرئيسية التي اعاقت فرص التوصل إلى حل، نظراً للمكانة التي تتمتع بها هذه المدينة من مكانة تاريخية ومن مكانة دينية، وقد وضعت كقضية مؤجلة امام كل المفاوضات السابقة التي جرت بين الطرفين، من هنا يمكن أن يكون الوضع مختلفاً، فبدلاً من قيام إدارة "ترامب" بالتلويح بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس كعاصمة لإسرائيل، وهو ما سيؤدي إلى حالة من الغضب والمظاهرات في العالم العربي والإسلامي وبالتأكيد في الضفة الغربية وغزة، عليه الإعلان بشكل متوازي بإنشاء سفارة للولايات المتحدة لدولة فلسطين في القدس الشرقية، ويعلن عن معارضته لتقسيم القدس واعلانها عاصمة مشتركة والحديث لــ"إينديك"، وأنه في حال إثارة ازمة من قبل الأطراف نتيجة هذا الموقف الأمريكي، يمكن للرئيس "ترامب" اعلان استعداده لتجميد هذا المقترح، مقابل أن يقوم الفلسطينيين والإسرائيليين بإجراء مفاوضات مباشرة في واشنطن مدتها (3) شهور يشارك فيها أطراف الرباعية الدولية ومصر والاردن للتوصل إلى حل معتمد دولياً، ويجب على الولايات المتحدة الإعلان إنه في حال فشلت هذه المفاوضات بشأن القدس خلال الفترة المحددة، سيتم الذهاب إلى مجلس الامن لاستصدار قرار يحدد معالم الحل العقلاني بالقدس، وهذا بدوره سيشكل فتح الباب لمفاوضات الوضع النهائي.
الخيار الثاني/ من أسفل إلى أعلى "تصاعدي" Bottom up:
بموجب هذا الخيار، تقوم الولايات المتحدة بمساعدة مصر والأردن بتوفير بنية تفاوضية أكثر ملائمة من خلال تعزيز وجود قيادة فلسطينية موحدة للتفاوض مع إسرائيل، عبر دفع مصالحة بين فتح وحماس من شانها إقامة حكومة وحدة فلسطينية. هذا يتطلب من إسرائيل القيام بوقف كل أعمال البناء في الجدار الفاصل، وأن يعاد موازاته مع خط حدود 1967، وتسليم مناطق "C" للفلسطينيين، وإنه في حال قيام إسرائيل بالاستمرار بمصادرة الأراضي، يعلن الرئيس الأمريكي "ترامب" بعدم منعه تحويل موضوع الاستيطان إلى مجلس الامن واتخاذ قرار بعدم قانونيته، ومن جهة أخري يقوم بدعم أي تغيير حكومي في إسرائيل يقوم على وجود ائتلاف يدفع باجاه عملية السلام مع الفلسطينيين.
الخيار الثالث/ :Outside in
في ظل البحث عن طرق اخرى للتوصل إلى حل للمشكلة الفلسطينية غير الطريق الذي سلكه "كيري" في محاولته للتوصل إلى حل، يقوم الرئيس الامريكي بدعوة اللجنة الرباعية الدولية واللجنة الرباعية العربية لاجتماع قمة يتم بموجبه "اعلان مبادئ" لإطار مرجعي لمفاوضات فلسطينية إسرائيلية تستند إلى:
إقامة دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام، والإعلان عن إنهاء الصراع بين الطرفين.
استناد الحدود بين الطرفين على أساس حدود 1967 مع إجراء تبادل للأراضي متفق عليها.
قيام إسرائيل بإعلان إنهائها للاحتلال الذي بدأ عام 1967، وتضمين ذلك ترتيبات أمنية تمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها ضد أي تهديدات خارجية.
اعلان القدس عاصمة مشتركة للدولتين، مع وجود ترتيبات خاصة بالأماكن الدينية.
حل عادل لمشكلة اللاجئين على أساس القرار 181.
ويرى الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، أن قدرة الرئيس "ترامب" على فرض هذه المبادئ على الاطراف يتطلب اعلان استعداده لتبني مواقف تجاه إيران والإسلام السياسي من أجل اشراك مصر ودول الخليج في العمل على حث الفلسطينيين والإسرائيليين وكذلك روسيا والاتحاد الأوروبي للقبول بهذه المبادئ، وكذلك قيام الولايات المتحدة بتقديم هذه المبادئ لمجلس الامن لتبنيها كأساس للتفاوض بين الطرفين.
وأخيراً، سيظل الشرق الاوسط أحد تشابكات السياسة الخارجية الأمريكية، وسيستمر الانخراط في قضاياها وأزماتها، مع الاختلاف في الآليات، وليس في التوجهات، أو الأهداف. و هو ما يعني أن المطلوب فلسطينياً الاستعداد جيداً في المرحلة المقبلة لإمكانية قيام الولايات المتحدة بوضع تصورات واقتراحات للتدخل في الصراع ، وأن هذا الاستعداد يتطلب العمل على تمتين الجبهة الداخلية الفلسطينية وإقامة حكومة وحدة وطنية، وجعلها قادرة على التعاطي مع أي حالة تتعلق بالعودة للمفاوضات، وأن يكون هناك اجماع فلسطيني على هذا التوجه، ويكون ذلك من خلال إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية قوية، وكذلك العمل على عودة تسخين العلاقات العربية الفلسطينية، خصوصاً المصرية والأردنية، وتشكيل فريق تفاوضي مهني جامع لكل التوجهات الفلسطينية يكون قادر على إدارة اشتباك تفاوضي حقيقي.
د. جمال خالد الفاضي
باحث في العلاقات الدولية


