فتــح – بدون فلســفة !! محمد يوسف الوحيـــدي

الجمعة 02 ديسمبر 2016 02:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
فتــح –  بدون فلســفة !!  محمد يوسف الوحيـــدي



 .

فتح حركة تحرر  من أجل التحرير ، و هذا ما غاب و يغيب ، أو يغيب عمداً أو جهلاً او تجاهلاً عن كثير من الأقلام و الأفكار المنهمرة ، جلداً أو تدليكاً للذات ، منذ ما قبل إنعقاد المؤتمر السابع و حتى الآن و أعتقد أن هذه الموجة من التحذلق و تعمد الخلط و التشويه أو التعقيد ستستمر و تتطور كلما زاد إحساس البعض بالإنعزال و التهميش .. 

فقد تفتق ذهن بعض المراقبين و المفكرين و المحللين ، الأكاديميين منهم ، و المتابعين و المهتمين البسطاء من أمثالي عن فكرة ، بدأت تتدحرج و كأنها جاءت لإنقاذ الموقف ، بعد أن بحثوا و نبشوا فوق الأرض و تحتها عن أخطاء و تعرجات أو تشوهات ، فلم يقنعوا أحداً حتى أنفسهم ، و فاقد الشئ لا يعطيه كما هو معروف ، و جاءت فكرة ( أن الرئيس أبو مازن في طرحه الأخير للبرنامج الفتحاوي من وجهة نظره و الذي عرضه على المؤتمر ، لقبوله أو رفضه ، أو تعديله ، إنما أخرج الحركة من كونها حركة ثورية ، إلى تنظيم أو حزب سياسي ، و بدأت الأقلام تتلقف هذه الفكرة المبهمة ، كما تلقف أرخميدس الفكرة و خرج يجري من الحمام العام  عارياً في الشوارع صائحاً ( أوريكا أوريكا ، أو وجدتها وجدتها ) .. و الفرق هنا أن أرخميدس بالفعل وجد فكرة مبنية على حقيقة فيزيائية ، أصيلة و لها مبررات و معادلة كونية علمية لا لبس فيها .. أما أصحاب نظرية تحزبن فتح ، فبنوا قصتهم و لا أقول نظريتهم على لا شئ من الحقيقة . 

و هنا يجب أن نقرر أولاً و قبل أي خوض ، أننا ودائماً نحترم وجهات النظر المخالفة ، و نشهد لكثير من أصحاب هذه الفكرة بالذات ، بعلو القيمة و القامة ، و أنهم أكثر منا علماً و تخصصاً ، غير أن السهو و الخطأ ، في حالتهم ، أمر واقع و جائز ، و التساهي و التغافل أو التحذلق و التفلسف و تعمد إثارة البلبلة ، في حالة آخرين ، أمر خطير و يجب أن يفند .

أي فلسطيني يعرف ، أن حركة فتح حركة غير أيديولجية ، و أنها تهدف في أول من تهدف إليه إلى " تحرر " الإنسان الفلسطيني من كل أشكال العبودية و التسلط و الإنسياق لمناهج و أفكار ، و أن يكون فلسطينياً حراً خالصاً ليتمكن من " تحرير " أرضه و بناء دولته على أي جزء يتحرر من وطنه . 

و هي حركة الجماهير لتغيير الواقع ، و ليست حزباً يهدف إلى تغيير فكر و توجيه طاقات الجماهير لتشكيل واقع جديد على مقاس أفكار الحزب و نظرياته . فتجد فيها و حولها اليساري و اليميني و الديني و العلماني و اللاديني و الشيوعي ..إلخ ..ومن أهم ما يميزها ديمومة الحركة مع التغيرات و الواقع ، تتأثر و تؤثر فيه ، بما يخدم مصالح الوطن و جماهير شعبها ، و لا تقف جامدة عند فكرة أو موقف و تتمترس خلف جدران الرجعية و الخمول ، ولكنها في الوقت ذاته ، لا تتزحزح و لا تفرط في أي ثابت من الثوابت الوطنية التي قررتها جماهير الشعب العربي الفلسطيني . وفي النهاية ان الحركة هي التي تتزعم الفكرة وهي ليست فكرة لزعيم  أو جماعة ، أو موروث أو اي نمط من أنماط الأفكار و النظم ..وإذا كان الجانب الفكري الأيديولوجي  هو الأساس في مسألة التفريق بين الحركة والحزب ، فحركة فتح كانت و مازالت و ستبقى ترى :

اولاً : إن الحزب يعتبر نفسه مؤسسة ذات أفكار ومعتقدات وأهداف تتجسم في تنظيم كياني ( تيار أو جماعة ) من التنظيمات القائمة داخل المجتمع وعادة يهدف الحزب الى الإستيلاء على السلطة او المشاركة فيها وذلك يعود الى الإختلاف في أهداف كل حزب والحزب يضع لنفسه أطر تنظيمية تجعل منه كيانا منفصلا عن الكيان الإجتماعي أو الجماهيري  العام ، و هذا بالقطع و بدون أي مواربة أو شك ، لا يمت لحركة فتح باي صلة ..ولا يشبهها أبداً ..فالحركة هي الصياغة الجمعية ، للتوجه العام للجماهير و للإرادة الكلية للمجتمع ، و لا تنحصر برؤية  تيار أو جماعة ، حركة فتح تعبر عن ( الكل ) رغم أنها لا تضم الكل .

ثانياً : يحيط الحزب نفسه بسور تنظيمي يجعل عملية الإنتساب اليه عملية خاضعة لشروط معقدة وضوابط قاسية وذلك يؤدي إلى بناء هوة بين الحزب والجمهور مع توهم أكثر الأحزاب انها تقود الجماهير وتعمل لصالحها ، و هذا أيضا لا يقبل القسمة على حركة فتح ، و لايشبهها ، حتى و إن كان لمراحل النضال صبغات و مقتضيت مختلفة ، و طبيعة التعامل مع المحتل أقتضت مراحل عمل سري و إنتماء إلى أجنح مسلحة بشكل يوفر الأمن للمنتسب و للحركة.

حركة فتح ومنذ بدايتها اقامت جناحاً سياسياً وليس مؤسسة  ذات إيديولوجية إنما دائرة أو جناحاً سياسبا له إطاره التنظيمي المرتبط بالجمهور بشكل مباشر فالحركة  تعمل للناس من خلال الناس أي ميدانيا على الأرض ولا تؤمن بالضوابط التي تفصل الناس عن التنظيم أو الحزب ، لهذا إختلط على البعض هذا التشابه بين برنامج الحركة ، و برنامج و سلوكيات السلطة التنفيذية التي تقودها فتح ، رغم أن الطريق الأقصر للفهم كان يجب أن يكون ، أن ما تقوله فتح في برنامجها ، تنفذه في حالة تمكنها من السلطة بشكل دقيق !! و لا أعرف لماذا الإصرار على الفهم أن فتح تحولت إلى حزب أو سلطة ؟ أو ليس هذا برنامجها الذي تنفذه ؟ 

وعلى عكس مناهج الأحزاب ، رفض الحركة ممارسة القسر لجهة إجتذاب التأييد الجماهيري بأي صورة من الصور ، و الإستعاضه عن ذلك بالمكاشفة و عرض البرامج السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و غيرها  النابعة أصلاً من الجماهير للجماهير التي تجد نفسها تلقائياً ملتفة حول ذاتها ( فتح ) .هذا الذي جعل مواقفها تبنى على اساس حاجات الناس ومطالبهم ومنطلقاتهم لا على اساس المجاملة وهذا يستند الى تغاعل الحركة مع الشعب عن طريق التأثير والتأثر وهذه العلاقة تُبعد الحركة عن التعصب القاتل وتخلق الحماسة لمصلحة الجماهير وتعتبر أن كل إنسان في المجتمع هو عضو فيها بطريقة وهذا هو السبب في خلق علاقة إنسجامية بينها وبين الشعب بكل فئاته .

إن الحركة ترى أن الوصول إلى السلطة يكون عبر السبل الديمقراطية و إرادة الجماهير الحرة ، و وفق  برنامجها العملي لأنه يتعلق اولا وآخرا بالشعب ككل ولا يتعلق بفئة خاصة منه تدعي لنفسها حق تمثيل الأُمة وتفرض كل شيء فرضا على الناس وتعتبر الحركة انها جزء من الشعب وليس فوقه والحركة مستقلة من جهتين :

أولا من الجهة العقائدية والفكرية : فهي لا تستورد فكرا جاهزا بل تنطلق من نفس مفاهيم الجماهير و عقائدها و ثوابتها و ثقافتها .

ثانيا : من جهة الإرتباط السياسي بقوى خارجية تُملي عليها مواقفها , إذ أنها مرتبطة فقط بالمبدأ  القديم المتجدد الثابت ( إستقلالية القرار الوطني الفلسطيني ) .

فحركة فتح هي حركة الإنسان الفلسطيني نحو الأفضل وحركة الأحرار و المستقلين فكرياً و هي حركة كل الوطنيين و أم الجماهير ، و أبداً لم تكن و لن تكون حزباً و فهم خطاب قائدها العام على هذا الأساس هو الأجدى و الأجدر ، و على كل مناكف أو متشكك ، أن يعيد حساباته و يراجع مواقفه .