29 تشرين الثاني من كل عام، هو يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني. قراران دوليان صدرا في هذا الشأن: الأول اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1977، والثاني اتخذ في العام 1979.
التاريخ الذي اختير لاعتماد التضامن العالمي، لم يكن بلا مغزى، فهو تاريخ اتخاذ الجمعية العامة لقرار التقسيم رقم 181، والذي ينص على إقامة دولتين.
ولأن الدولة الفلسطينية لم تُقم، ولأن إسرائيل تبذل قصارى جهدها لمنع إقامتها فقد أرادت أكثرية الدول في الجمعية العامة "تذكير العالم بأن قضية فلسطين لم تحل".
منذ 39 عاماً و"اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف" تجتمع لتُذكّر العالم بهذا اليوم، "ولم تنفع الذكرى" لدى القوى النافذة التي تتحكم في تطبيق أو عدم تطبيق قرارات الأمم المتحدة، كأن جواب الكبار "5+1" الدائم والمتكرر هو: عُلِم! وبانتظار تذكير جديد وجواب جديد، تحولت المناسبة إلى ما يشبه طقساً احتفالياً يتحدث فيه الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الجمعية العامة، ورئيس مجلس الأمن، وممثلو هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، والمنظمات الحكومية الدولية وفلسطين. هؤلاء يلقون كلماتهم أو يصدرون بياناتهم المتشابهة المتكررة ويوزعون المطبوعات وغيرها من المواد الإعلامية، فقط لا غير.
الاحتفال الرسمي من قبل المؤسسة الدولية شيء، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة شيء آخر.
في هذه المناسبة يجدر التوقف عند أسباب منع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة، وعند الانتهاكات الإضافية التي لها مردود عكسي، أي تقويض المقومات التي تسمح بتقرير المصير دون تدخل أو وصاية.
نظرياً، تستطيع المؤسسة الدولية إن أراد الكبار "5+1"، وعملياً جرى منع وكبح الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف منذ العام 47 وحتى يومنا هذا. نظام حق النقض "الفيتو" سمح للولايات المتحدة بمنع وكبح الحل الموعود بناء على الرؤية الدولية، والموقف الأميركي المعطل يعود إلى التزام الإدارات الأميركية المتعاقبة بالرؤية الإسرائيلية العدمية للصراع، وما ترتب على ذلك من رفض كل قرار أو مبادرة تتعارض مع الرؤية الإسرائيلية في كل الفترات الزمنية السابقة، وكل القرارات ومشاريع حل القضية الفلسطينية المعتمدة من الأمم المتحدة تتعارض بل وتتناقض مع الرؤية الإسرائيلية التي تتنكر لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والإنسانية المدنية.
المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية بيرني ساندرز لخص الموقف الأميركي أثناء حملته الانتخابية بالقول: "إن الموقف الأميركي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أحادي الجانب"، وإن "أميركا تحتاج إلى تبني توجه عادل"، وربط بين "دعم الأمن الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية في الوقت نفسه"، وأضاف: إن السلام يتطلب معاملة الشعب الفلسطيني باحترام وكرامة ومن خلال رؤية احتياجاته.
أما المرشحة الأميركية هيلاري كلينتون التي تتبنى الموقف الرسمي، فقد كررت الموقف المنحاز للرؤية الإسرائيلية، متبنية الرواية الاسرائيلية في فشل المفاوضات، حين قالت: لو وافق ياسر عرفات على اقتراح أيهود باراك في العام 2000 لكان هناك دولة فلسطينية اليوم"، مؤكدة بهذا الموقف الأحادي الجانب والدور الأميركي المعطل للحل.
وكان بل كلينتون الرئيس الأميركي السابق قد لخص الموقف الأميركي خلال مفاوضات كامب ديفيد 2000، موجهاً كلامه للقيادة الفلسطينية، بقول ما معناه: "إذا أردتم إلقاء خطب وإصدار قرارات دولية تستطيعون ذلك، أما إذا أردتم حلاً سياسياً فلا يمكن إلا بموافقة إسرائيل على الحل"، وقد استخدم التهديد والإغراء؛ لحمل القيادة الفلسطينية على اعتماد العرض الإسرائيلي.
الوساطة الأميركية واحتكار الإشراف على المفاوضات طوال الفترات السابقة لم يؤد إلى أي نتيجة عملية ولا إلى الاقتراب من الحل، بل أدى إلى مضاعفة الاستيطان وتعميق الاحتلال واعتماد الفصل العنصري؛ ذلك أن الموقف الأميركي يتكيف مع المواقف المعتدلة نسبياً، ويتكيف أيضاً مع المواقف اليمينية المتطرفة. والتكيف يعني تعطيل حل القضية الفلسطينية، وتحميل الطرف الفلسطيني "الضحية" مسؤولية إخفاق الحل.
ولما كان من المتعذر القبول الفلسطيني بالرؤية الاسرائيلية، وهذا يعود إلى حقيقة أن أي قيادة فلسطينية تقبل بالحل الإسرائيلي المفروض ستكف عن تمثيلها للشعب الفلسطيني، وبناء على هذه المتلازمة، فإن تعطيل الحل سيبقى ساري المفعول إلى ما لا نهاية، وستبقى الوفرة الهائلة من قرارات الجمعية العامة والمؤسسات الدولية الأخرى حبراً على ورق.
قد يكون الرأي حول التعطيل الأميركي المتكرر لحل القضية الفلسطينية أحادي الجانب، إذا ما تم النظر إليها من خلال التفرد الأميركي، فلهذه القضية المستعصية على الحل جانب آخر ليس بالمظلم، وذلك إذا ما نظرنا إليها بميزان الاستقطاب على صعيد الشعوب والقوى الداعمة والمؤيدة والمتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، فعدد الدول التي تصوت مع الحقوق الفلسطينية هو أكثرية دول العالم، وكذلك عدد الدول المتعاطفة، لكنها تتعرض للضغوط وتضطر إلى الامتناع عن التصويت.
الأجيال الجديدة من الأكاديميين والمثقفين والفنانين والمنظمات الحقوقية والحركات الاجتماعية: نساء، شبيبة، ونقابات عمالية ومهنية، والحراكات التي ينظمونها دعماً لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، والمؤيدون/ات لمواقف وبرنامج المرشح بيرني ساندرز وحملات المقاطعة الأكاديمية والثقافية والاقتصادية في أميركا وأوروبا وكندا، والمنتديات الدولية، لقوى المعارضة الدولية، كل هذه الحراكات أظهرت التغيير المتعاظم الداعم للشعب الفلسطيني والمناهض لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
صحيح أن التحول الاقتصادي المتوحش أفرز توحشاً سياسياً لدى العديد من الدول، وأدى إلى صعود قوى عنصرية ومتطرفة في الولايات المتحدة وبدأ ينتقل إلى بلدان أوروبية. هذا التحول أزال الغموض عن الطبيعة الجشعة للنظام المعولم الاقتصادي والسياسي بزعامة الولايات المتحدة ودفع نحو استقطاب وتفاعلات جديدة سيكون أحد تجلياتها دعم القضية الفلسطينية بفعالية أكبر.
لم يعد الركون للنظام الدولي والقرارات الدولية المعطلة مجزياً لحل القضية الفلسطينية، بل أصبح الرهان أكبر على الحراكات والتفاعلات التي تبادر إليها القوى الحية، دون أن يعني ذلك وضع هذا الإنجاز (القرارات) جانباً.
ما تعوزه القضية الفلسطينية هو إعادة بناء تحالفات داخل الدول والشعوب التي لها وزن كبير في القرار الدولي، واتباع سياسة الضغط على مصالح النظام المعولم، والضغط على مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ من أجل إعادة الاعتبار للقرارات الدولية وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير.
Mohanned_t@yahoo.com


