عندما حدث الإنقلاب العسكري في تركيا قبل أشهر، إتهم الرئيس التركي أردوغان خصمه فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة، بأنه كان الشخصية التي نظمت الإنقلاب مطالباً الولايات المتحدة بتسليمه لتركيا. الحكومة الأمريكيه بدورها طالبت تركيا تسليمها أدلة قاطعة على تورط غولن في الإنقلاب حتى يمكنها التوجه للقضاء الأمريكي للموافقه على تسليمه. جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، أثناء زيارته لتركيا لتحسين العلاقات بين البلدين بعد محاولة الإنقلاب في آب الماضي قال بالحرف « لا مصلحه لنا من أي نوع لحمايه شخص قام بعمل ضار لدوله حليفه لنا... لكن تسليم غولن بدون إحترام الإجراءات القانونيه في بلاده سيكون عمل قد يعرض الرئيس (الأمريكي) للعزل من قبل الكونغرس».
عندما قام الرئيس أوباما بتعين القاضي غيريك غارلاند عضواً في محكمة العدل العليا بعد وفاة أحد أعضائها، رفض الكونغرس ذو الغالبية الجمهورية قرار التعين، وبقي المنصب شاغراً الى اليوم.
وعندما قام أوباما بإصدار فيتو على قانون جاستا الصادر عن الكونغرس والمتعلق بحق الأمريكيين برفع قضايا على حكومات أجنبية أمام المحاكم الأمريكية، قام الكونغرس برفض الفيتو بأكثر من ثلثي أصواته وأصبح القانون نافذاً.
الرئيس الأمريكي يستطيع مثلاً إعلان حرب دون موافقة الكونغرس، لكن عليه أن يحصل على موافقة الكونغرس خلال ستين يوماً من إعلانها، وإذا لم يتمكن من ذلك عليه أن يوقف الحرب.
سلطات الرئيس الأمريكي ليست مطلقة وبالتالي لا يمكن أخذ كل ما قاله ترامب في حملته الإنتخابية على محمل الجد.
ترامب مثلاً لن يتمكن من إلغاء إتفاقية (نافتا) بشأن التجارة الحرة بين كندا والمكسيك والولايات المتحدة إلا إذا أقر الكونغرس ذلك، وهو لن يفعل لأن الغالبية العظمى من أعضائة وصلوا لمقاعدهم بدعم الشركات المستفيدة من هذه الإتفاقية.
ترامب أيضاً وعد بالعمل على تحديد ولاية أعضاء الكونغرس لفترتين. بعض النواب مثلاً مثل جون مكين عضو في الكونغرس عن ولاية أريزونا منذ العام 1982 وغيره كثيرون. لكن ترامب لا يستطيع الإلتزام بوعده هذا لأن القيام بذلك يتطلب تعديل الدستور الأمريكي. هذا التعديل غير خاضع حتى لموافقة الكونغرس. بحسب المادة الخامسة من الدستور الأمريكي، ثلثي أعضاء الكونغرس من حقهم إقتراح التعديل، وليس الرئيس الأمريكي، وبعد ذلك يجب الحصول على موافقة ثلاثة أرباع النواب في جميع الولايات الأمريكية من أجل إقراره.
ترامب أيضاً وعد بإلغاء أو تعديل الإتفاق النووي مع إيران، لكن قدرته على القيام بذلك محدودة أيضاً. هنا حتى لو تمكن ترامب من الحصول على موافقة الكونغرس لإلغائه، وهذا مستبعد لأن هنالك غالبية ترى في الإتفاق مصلحة أمريكية، الإتفاق دولي، إعتمده مجلس الأمن، وتخلي الولايات المتحدة عنه لا يلزم بقية الأطراف الموقعة عليه بذلك، كما أنه يخلق أزمة سياسية مع روسيا التي يحاول ترامب بناء جسور تعاون معها.
لكن كون صلاحيات الرئيس الأمريكي مقيدة في كل ما يترتب عليه إلتزامات ماليه أو إتفاقات ملزمة للولايات المتحدة لا يعني بأن الرئيس لا يمتلك صلاحيات يمكنها أن تؤثر على العالم أجمع وليس فقط على الأمريكيين.
ترامب أعلن خلال حملته الإنتخابية مثلاً بأنه لا يؤمن بأن إستخدام النفط والفحم سبب في التغير المناخي، وأن الإلتزام بسياسات تهدف لإيجاد مصادر بديلة للطاقة عمليه مكلفة هدفها جعل الصناعات الأمريكية غير منافسه في السوق العالميه. لذلك أعلن بأنه سينسحب من إتفاق باريس بهذا الشأن والذي وافقت عليه إدارة أوباما نهاية العام ٢٠١٥. ترامب يمكنه القيام بذلك لأن الكونغرس لم يحول إتفاق باريس الى قانون. وهو أعلن رسمياً بعد إنتخابه بأنه سيصدر قرارات رئاسية في المائة يوم الأولى تسمح بالعوده لإستخدام الفحم وإنتاج النفط الصخري بكثافة كبديل لسياسة الإستثمار في الطاقة المتجدده.
لكن الأهم ربما في صلاحيات الرئيس هي تلك المتعلقة بسياسته الخارجيه. تحديد من هم الحلفاء ومن هم الأعداء وبالتالي سياسة الأمن القومي الأمريكي. هذا لا يحتاج الى مباركة أو موافقة من الكونغرس الأمريكي.
يمكننا هنا إستقراء شكل سياسات ترامب الخارجيه بناء على تصريحاته خلال حملته الإنتخابية وعلى البيان الذي أعلنه بشأن سياساته في المائة يوم الأولى لرئاسته والذي قال صراحة فيه بأن سياساته ستعتمد على مبدأ أمريكا أولاً. ويمكننا أيضاً على حقيقة أن ترامب لا يمتلك أيديولوجيا وهو ليس من دعاة نشر الديمقراطية في العالم. كل ما يملكه الرجل حقيقة من أجل بناء سياسة خارجيه قائم على مبدأ ماذا ستكسب أمريكا إقتصادياً من سياستها.
لذلك يرى ترامب في الصين العدو الأساسي لبلاده وهذا لا يتعلق بالطبع بقدراتها العسكريه لأن الصين تنفق بالكاد ١٣٠ مليار دولار سنوياً على جيشها في حين تنفق الولايات المتحدة خمسة أضعاف هذا المبلغ. الصين عدو بسبب منافستها التجاريه للولايات المتحدة وبسبب إمكانياتها الإقتصاديه التي تجاوزت في ناتجها القومي الولايات المتحده. الصين بالتالي ستكون المستهدف الأساس في سياسات ترامب الخارجيه وهو ما يعني علاقات أقوى مع حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان وتايلاند وكوريا الجنوبية من أجل التضييق على الصين ومحاولة إستنزافها.
روسيا تتحول هنا الى صديق محتمل طالما أنها لا تشكل خطر على مصالح الولايات المتحدة الإقتصاديه ويمكن بالتالي التنازل لها عن سورية وعن أوكرانيا خصوصا إذا وجدت روسيا ما تعرضه على ترامب في المقابل لتبرير سياساته التي مهد لها بالقول أن روسيا تحارب الإرهاب في سورية وهذه مصلحة أمريكية.
أوروبا لن تتحول بالتأكيد الى عدو. لا يوجد مبرر أو مصلحة أمريكية لذلك في نظر ترامب، لكن دولها ستضطر للإنفاق عسكرياً على جيوشها أكثر من السابق لأن الولايات المتحده في عهد ترامب غير مستعده للإنفاق على حمايتها من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين. أثناء حملته الإنتخابيه قال ترامب صراحة « لماذا ننفق أموالنا على دول قادرة إقتصادياً على الإنفاق على نفسها».
في نظر ترامب الشرق الأوسط مشروع إقتصادي خاسر. لذلك سياساته ستكون قائمة على تكريس مبدأ الإنسحاب منه والتي بدأت في عهد أوباما. هذا يعني التخلي كلياً عن المعارضه في سورية، إيقاف أية مبادرات أمريكية تهدف لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إستنزاف دول الخليج العربي مالياً تحت مسمى الحماية، وسياسة عدائية تجاه إيران ليس هدفها الصدام العسكري معها وإنما إيجاد ذرائع لحرمانها من إسترداد أموالها المحتجزه في أمريكا والتي تقدر بأكثر من (١٥٠ مليار دولار).
ترامب لا يمتلك الكثير من الصلاحيات لأن الدستور الأمريكي يحرمه الكثير منها، لكنه على الرغم من ذلك قادر على تغير العالم كما نعرفه اليوم.


