مؤتمرات سياسية ومجتمعية مظهر جميل وتقليد بائس. ا. علاء منصور

الخميس 24 نوفمبر 2016 01:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
مؤتمرات سياسية ومجتمعية مظهر جميل وتقليد بائس. ا. علاء منصور



تكدست الأبحاث السياسية والمجتمعية التي عالجت السلام والانقسام عبر المؤتمرات السياسية والمجتمعية بمختلف مسمياتها وتنوع منظميها, وبمرور عشرين عاماً على السلام وعشرة سنوات على الانقسام جفت الأقلام وصمتت الأفواه وشحت الأفكار, ولم تكن مخرجات تلك المؤتمرات والمستحدث منها أفضل حالاً ممن سبقها, فالأفكار والخلاصة والتوصيات والنتائج لم تختلف عن مثيلاتها, سوى بالقائمين على الإعداد والتقديم أما الخواتيم فذاتها.

وأصبحت المؤتمرات البحثية المذكورة لا تتعدى كونها بوق اعلامي من طراز جديد ينبري فيها المتحدثين والمتحذلقين من الأحزاب والفصائل الفلسطينية ومن دار في فلكها ليدلي بدلوه المكرر والمنسوخ بنسخة أصلية عتيقة لتصريحات زعيم الحزب أو الفصيل, فحتى الخمر المحرمة شرعاً وقانوناً كلما قدمت زادت فعالية هذيان متعاطيها, وأتت أُكلها بعقله وجسده, ولكن المنسوخ والمنقول والمقتبس من تلك الأبحاث لا يتعدى صداه نوافذ وأبواب قاعات المؤتمر, حتى ولو تم نقلها وبثها عبر القنوات الفضائية, وتم التقاط الصور عبر كاميرات الجوالات لتنهال التعليقات من المعجبين والأعزاء المحبين.

عدم حيوية ونجاعة تلك المؤتمرات البحثية يعود لأكثر من سبب فالمشكلة تدور حول الثالوث المشكل للمؤتمر من مدخلات ومعالجات ومخرجات لا تحظى بالحد الأدنى من الاهتمام بالمستوى السياسي, فكافة الأطراف تتحمل المسئولية وليس طرف بعينه, كالجهة المنظمة للمؤتمر وغايتها .. اعلامية .. حزبية.. أو كونها باتت طريقة مستحدثة لترف الأحزاب الكبرى وغدق الأموال على القاعات الفندقية, أو لمسح الغبار عن الوجوه التي صدئت بمواقفها وتصريحاتها الموسمية.

ولقد تهاوى الى أُذني قبل أربع سنوات عن عقد المؤتمر الأول للأمن القومي الفلسطيني بغزة, وتشوقت للمشاركة كباحث مختص بالأمن القومي بمساهمة غير مألوفة أو حتى للمشاركة كمستمع ومحاور بحد أدنى, وما أن رأيت المشاركين وأوراق العمل والمتحدثين والمعقبين والخلاصات, حتى أدركت تماماً أننا لم نتجرع الدواء بعد, فكان الصحفي المعروف وضاخ خنفر رئيساً لمؤتمر الأمن القومي الفلسطيني الأول, والذي عقد في غزة (مركز رشاد الشوا الثقافي) على مدار يومين, ومن منا لا يعرف الصحفي الذي خنفر سنوات كمدير عام لقناة الجزيرة القطرية, والذي شاهدناه يُخنفر من على متن الدبابة الأمريكية معلقاً وناقلاً لمجريات الغزو الأمريكي للعراق الشقيق, فهذا إحدى المدخلات المشوهة لطبيعة المؤتمرات البحثية, فكيف يا ترى تكون المخرجات؟؟. والأدهى من ذلك عندما يتم قبول ورقة عمل أو بحث متميز وغير مألوف ينبري القائمين على المؤتمر ذوي التوجه الواحد بكافة درجاتهم العلمية لنقض ما جاء به الباحث دون دراية أو

معرفة بطبيعة البحث العلمي الهادف للكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين أو البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين, بل دفاعاً مقيتاً عن سياسة الحزب أو الحركة, محققين بذلك عمق الانتماء والولاء بعيداً عن تقبل الآخر أو حتى البناء على الفكرة الجديدة وتطويرها.

فمن الضروري في ظل المرحلة الراهنة أن ننهل المعرفة والعلوم بشتى الوسائل والطرق ومن مختلف الجهات المتقاطعة والمتناقضة مع أفكارنا وعقيدتنا للوصول الى التقدم المعرفي والثقافي والمجتمعي على طريق الحرية والسلام والتقدم, وهنا أشير لمؤتمر الأمن القومي الاسرائيلي السنوي والذي يعقد بمدينة هرتسيليا... من طبيعة المشاركين .. كرؤساء حكومات .. جنرالات عسكرية.. زعماء أحزاب... رؤساء منظمات أجنبية.. كتاب وباحثين بدرجات علمية متفاوتة, أوراق بحثية متنوعة الأفكار, والجوهري فيها وبالمقام الأول يكون بالمخرجات والتي تأتي في معظم الأحيان بتوصيات يأخذ بها المستوى السياسي على محمل الجد ويشق الطريق لتنفيذها, لتتحقق أهدافهم المرجوة... بالتطور والتقدم وحماية أمن اسرائيل والحفاظ على وجودها, وبالتالي يكون للمؤتمر السياسي جدوى تعود بالنفع على الفرد والمجتمع والدولة.

ولقد حان الوقت للتخلص من الثقافة المجتمعية البائدة التي تدور حول التقليد بالمسمى والشكل والابتعاد عن المضمون والجوهر الهادف للرقي بالمجتمعات العربية نحو العلم والمعرفة سبيلاً لتحقيق الطموح بالحرية والأمن والسلام والتقدم.

أ. علاء محمد منصور

كاتب وباحث بالدراسات السياسية