منذ عشرات السنيين، ومع بدايات القرن الماضي، أتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسات خارجية متنوعة ومتعددة الأوجه في التعاطي مع السياسة الدولية، حيث انتقلت سياستها الخارجية من الانعزال ما قبل فترة الحرب العالمية الأولي 1917، إلى فترة التدخل خلال فترة الرئيس "ويلسون" والرئيس "روزفلت" إلى سياسة الاحتواء خلال فترة الحرب الباردة، إلى سياسة الردع والعمل الاستباقي بعد فترة الحرب الباردة وخصوصاً خلال فترة الرئيس "بوش الإبن".
وقد أدارت الولايات المتحدة سياستها الخارجية خلال فترة "بوش الإبن" وفريقه من المحافظين الجدد ، بناءً على رؤية أسست لها كتابات "صراع الحضارات" لصموئيل هنيغتون، "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكوياما، "نظرية برنارد لويس" القائمة على التقسيم الطائفي، وكتابات "هنري كيسنجر" حول الشرق الأوسط، ليست لمجرد استخدام القوة في التعاطي مع التهديدات المحتملة للولايات المتحدة، وإنما بنيت على أساس إعادة تشكيل للبيئة الداخلية لدول الشرق الاوسط، بما يقود إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وإنتاج شرق اوسط جديد ضمن الرؤية الامريكية التي تحافظ دائماً على المصالح القومية للولايات المتحدة.
وخلال فترة الرئيس "باراك أوباما" التي ظن فيه العرب أنه المخلص لأزمات المنطقة، حملت السياسة الخارجية الامريكية رؤية بدت للمراقبين وكأنها مغايرة عن السياسة الامريكية التقليدية في الشرق الأوسط، حيث اتسمت هذه السياسة الخارجية الامريكية بإعادة ترتيب للأولويات وترتيب للمصالح ليس إلا ، تقوم هذه السياسة على التالي:
خلق بيئة إقليمية غير مستقرة.
زيادة النعرات الطائفية والحروب الأهلية، والصراعات الإقليمية على أسس قومية ومذهبية.
نشر الإرهاب المتطرف والتحكم به ضمن الإرادة الامريكية.
توريط دول إقليمية ودولية في صراعات مرهقة وخلط الأوراق بين أطرافها.
الضغط على أوروبا بأهمية ابقائها ضمن المنظومة الأمنية الامريكية.
تثبيت اسرائيل ككيان فريد ومهيمن ويشكل نموذج قيمي.
عدم تقديم حلول جدية لحل القضية الفلسطينية ورفض أي تدخل دولي قد يشكل اداة ضغط يلزم اسرائيل بحلول عادلة.
واليوم وفي ضوء نتائج انتخابات امريكية وصفها كثير من الباحثين والمراقبين بالصدمة، أفرزت رئيس أمريكي جديد للولايات المتحدة هو " رونالد ترمب" الرئيس الــــ (45) للولايات المتحدة، وحملت معها شكوك حول شخصية وسياسة الوافد الجديد للبيت الأبيض تجاه كثير من الملفات السياسية الإقليمية والدولية، يمكن طرح التساؤل: إلى متى سنبقى ننتظر الرئيس الأمريكي؟ من هو؟ وما هو لونه أبيض أسود؟ وما هو حزبه جمهوري ديمقراطي؟ استراتيجيته رؤيته؟ تصريحاته وأقواله؟ كيف ينظر للشرق الاوسط؟ اسرائيل وكيف سيتعامل معها؟ أولوياته وأدوات سياسته الخارجية؟ أسئلة كثيرة هي المثارة اليوم وفي انتظار الإجابات والردود والتوضيحات.
الجواب واضح، ليس بحاجة لجهد كبير أو لحيز واسع من تفكيرنا، فالسياسة الامريكية كالشمس لا يغطيها غربال، منذ الرئيس "جورج واشنطن" مروراً بـــــ"روزفلت" و"أيزنهاور" و"جون كيندي" و"نيكسون" و"ريغان" و"بوش الإبن" و"اوباما" وصولاً لــــ "ترمب" الولايات المتحدة هي الولايات المتحدة، وسياستها الخارجية ستبقى قائمة ومدفوعة بالمصالح الثابتة للولايات المتحدة وهي حماية المصالح الأمريكية في شرق اوسط متغير، وحماية إسرائيل والحفاظ على وجودها باعتبارها نموذج للقيم الامريكية والغربية في منطقة لابد من إعادة رسم ملامح خريطتها الجيوبوليتيكية.
لذلك، فإن الولايات المتحدة وعلاقتها بالشرق الأوسط ترسم بناءً على الاستراتيجيات الامريكية المتتابعة وليس بمن يقطن البيت الأبيض، فهذه الدولة العميقة دولة مؤسسات متعددة في صنع القرار، لا تخضع للرئيس فقط، فهناك الكونغرس بمجلسيه، وزارة الخارجية، مجلس الأمن القومي، المخابرات المركزية، ووكالات أخرى ذات علاقة.
فنحن لسنا بحاجة لعشرات السنين أو لقرن آخر من الزمن لنمارس نظام الانتظار بماذا يفكر الآخر؟ والتحدي أمامنا نحن، فهل نحن أمة، فيها مبدعيها وعلماءها مفكريها وسياسيها، مؤرخيها وأدباءها، قادرة على بلورة استراتيجية نخط خلالها رؤيتنا ومصالحنا وتصوراتنا للتعامل مع الغير ضمن ذلك.
"ترمب" ليس مختلفاً وليس مفاجئاً وجوده أو تصريحاته أو أقواله أو أفعاله المتوقعة، المفاجئ أن نبقى بلا فعل وبلا إرادة وبلا مكان في تاريخ سيكتبه أصحاب الفعل يوماً ما.


