كان يحق وبحق لرئيس القائمة المشتركة أن يفاخر بإنجازات المجتمع العربي في مجال التعليم، فقد كتب على حسابة على الفيسبوك "بفخر شديد أنظر إلى 550 طالب عربي جديد يبدأون مسيرتهم التعليمية في التخنيون، 60% منهم من الشابات. يُصنّف التخنيون بين المؤسسات الأكاديمية المتقدّمة عالميًا، وبالنسبة لنا نحن أبناء وبنات المجتمع العربي كان التخنيون على مدار سنوات مغلقًا أمامنا نوعًا، ما ومنذ نهاية الستينيات دخل أول طالب، ثم كوكبة في السبعينيات، وهذا من أسباب السعادة الكبيرة والشعور بالفخر والاعتزاز عند سماعي للمعطيات الجديدة من صديقي بروفيسور يوسف رفيق جبارين.25 % من الطلاب الذين تم قبولهم للتخنيون هذا العام هم طلاب عرب، 35% من الطالبات الجديدات في التخنيون عربيات، وأكرر هذه الجملة: 35% من الطالبات الجديدات بالتخنيون هنّ من الشابات العربيات. ويتعلم في التخنيون اليوم حوالي 2500 طالب/ة عربي/ة، بالنجاح لجميع طلاب وطالبات الجامعات، سنعمل معًا على المضي بمجتمعنا قدمًا".
هذا النجاح العربي في زيادة نسبتهم سنويًا داخل الجامعات الإسرائيلية بات اتجاهًا راسخًا وواضحًا تؤكده البيانات الإحصائية السنوية الصادرة عن مجلس التعليم العالي الإسرائيلي، وهو ما أثار حفيظة عضو الكنيست العنصري بتسلئيل سموتريتش من "البيت اليهودي" الذي عزا هذا النجاح إلى التفضيلات الإيجابية والتسهيلات التي - حسب زعمه - تمنحها الجامعات للطلاب العرب.
بحسب إحصاءات التعليم العالي للعام الماضي فإن نسبة الطلاب العرب من بين كل المسجلين للحصول على اللقب الجامعي الأول في إجمالي الجامعات والكليات الإسرائيلية بلغت 15%، في حين كانت نسبتهم 9,8% سنة 1999، ففي الجامعات وحدها ارتفعت النسبة من 9% قبل عقدين إلى 5,16% في العام الماضي، في حين أن النسبة في الكليات ارتفعت من 5,5% إلى ما يلامس 10%. أما نسبة الطلاب العرب لدراسة اللقب الثاني، فقد ارتفعت من 6,3% من إجمالي طلاب اللقب الثاني قبل 15 عامًا إلى 5,10% في العام الدراسي الماضي، وارتفعت نسبة الطلاب العرب للقب الدكتوراه الثالث من 8,2% قبل 15 عامًا إلى 9,5% في العام الدراسي الماضي.
والملفت للنظر بحسب التقرير هو ارتفاع نسبة الطالبات العربيات، فقد ارتفع عددهن من نسبة 40% من إجمالي الطلاب العرب في العام 1995 إلى 66% في العام الدراسي المنتهي؛ غير أن الملفت الأكبر في العام الدراسي الجامعي الجديد - بحسب ما أعلن البروفسور يوسف جبارين من معهد "التخنيون" - هو أن 35% من إجمالي الطالبات اللاتي يبدأن تعليمهن هذا العام للقب الأول في "التخنيون" هن عربيات، وهذه نسبة كانت تُعتبر مستحيلة قبل سنوات.
لكن لابدّ من التأكيد على أن هذه الإحصاءات لا تتصف بالدقة والشمول، لأنها لا تشمل الأعداد الكبيرة من طلاب الـ 48 الذين يدرسون خارج إسرائيل، سواءً في أوروبا أو الأردن أو في جامعات الضفة الفلسطينية، حيث ان المصاعب الكثيرة التي لا زال يواجهها الطلاب العرب لقبولهم في الجامعات والمعاهد الإسرائيلية وأجواء العنصرية تدفعهم للدراسة خارج إسرائيل. وبحسب بعض الإحصاءات فإن قرابة 14 ألف طالب يدرسون في الجامعات الأردنية، قرابة الألف منهم استفادوا من المنح المقدمة من الحكومة الأردنية، حيث تقدم لهم قرابة مائتي منحة سنويًا، كذلك فإن أعداد الطلبة المتوجهين إلى أوروبا - وبشكل خاص لدراسة الطب - في تزايد، وبشكل خاص شرق أوروبا، حيث تنتشر معاهد أميركية وبريطانية في دول مثل هنغاريا ورومانيا، بالإضافة لمواصلة الطلب على الدراسة في إيطاليا واليونان وألمانيا.
كما ان نسبة الطالبات التي تصل إلى 66% هي نسبة صحيحة فقط مع من يدرس داخل الجامعات الإسرائيلية، وليست صحيحة بالنسبة لإجمالي الطلاب العرب الذين يدرسون في الداخل والخارج، وتعود أسباب زيادة الطالبات العربيات إلى فتح عدد من الكليات في المدن والبلدات العربية، ممّا يجعلهنّ قادرات على الالتحاق بالكلية دون الاضطرار لمغادرة أماكن سكناهن، بالإضافة لرغبتهن في مواكبة العلم ودخول سوق العمل.
الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو كانت قد أقرت موازنة لتطوير البني التحتية في المناطق العربية، لجسر الهوة وتحقيق الدمج والمساواة، ومن بين ذلك تضمنّت الخطة زيادة أكثر من مليار شيكل لتطوير التعليم في المناطق العربية، ويقول نفتالي بينيت وزير التعليم، وهو رئيس حزب "البيت اليهودي"، وهو حزب يميني يمثل المستوطنين، ان وزارته وضعت خطة لزيادة نسبة الطلاب العرب الملتحقين بالجامعات لنيل اللقب الأول والثاني والثالث، كما ان مجلس التعليم العالي صادق على إقامة أول جامعة في الوسط العربي وقد أتم المخططات اللازمة ونشر عطاءات إنشائها؛ إلا ان كل ذلك لا زال بمثابة نقطة في بحر العنصرية الصهيونية ضد المواطنين العرب في جميع المجالات، ومن بينها المجال الأكاديمي.
معهد التخنيون - الذي يعتبر من أهم جامعات البحث العلمي الإسرائيلية، والذي استطاع العرب أن يحتلوا نسبة جيدة، وهي في زيادة مستمرة - لم يرق له هذا النجاح العربي في تحقيق شروط الالتحاق بالمعهد، فأعلن مؤخرًا رفع نسبة قبول اللغة العبرية من 105 نقاط كحد أدنى إلى 113 نقطة من أصل 150 نقطة، في حين أن 85% ممّن يُفرض عليهم شرط قبول اللغة العبرية هم من الطلاب العرب، كما ان جامعة تل أبيب رفعت نسبة قبول اللغة العبرية - دون الاضطرار لدورات تعليمية - إلى 135 نقطة، وهذه تعتبر زيادة في الشروط التعجيزية أمام قدرة الطلاب العرب على الالتحاق بهذه الجامعات، نظرًا لأن معظم الطلاب العرب لديهم ضعف عام في اللغة العبرية بالمقارنة مع نظرائهم اليهود، وفقط 25% من المتقدمين لامتحان اللغة العبرية يحصلون 110 فما فوق .
الصعوبات التي تواجه الطلاب العرب في استكمال دراستهم الأكاديمية كثيرة وكبيرة، تبدأ مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومع المدارس الأساسية في بلداتهم التي لا يتوفر فيها الحد الأدنى من المعايير المطبقة في المدارس اليهودية، بحيث يصعب تهيئتهم لمنافسة نظرائهم اليهود، وما إن يتقدموا بطلبات الالتحاق في الجامعات الإسرائيلية حتى يصطدموا بصعوبات أكاديمية وأخرى ذات طبيعة عنصرية تجعل من الصعب عليهم استكمال دراستهم، حتى بعد اجتيازهم السنة الدراسية الأولى بنجاح.
مجلس التعليم العالي يرصد تسعة أنواع من هذه الصعوبات؛ أولها اللغة والسكن والمواصلات والقدرة على التعليم والتوجيه الأكاديمي وصعوبات الالتحاق في سوق العمل، ومجلس التعليم لم يذكر الصعوبات الممنهجة العنصرية، مثلًا حرمان الطلاب العرب من المنح بحجة عدم خدمتهم في الجيش أو تأخير القبول لبعض المساقات لتتلاءم مع سن التخرج من الخدمة الإلزامية في الجيش، فضلًا عن أعمال البطش والقمع الأمني للطلاب العرب، لا سيما في ظل انفجار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، حيث كان الطلاب العرب يخافون الذهاب إلى جامعاتهم ويفضلون الجلوس في البيت في ظل انفلات الهجمات العنصرية.
وزير التعليم بينيت - الذي يتحدث عن جسر الهوة في التعليم - لا يألو جهدًا في صهينة التعليم وإضفاء المزيد من مضامين الصهيونية الدينية ذات الطابع القومجي على جهاز التعليم، ويخصص المزيد من الميزانيات لتعزز الطابع الديني اليهودي الصهيوني، وحسبما يقول "تأتي الصهيونية أولًا ثم التفوق العلمي".
عن الأجواء العنصرية والقلق من تزايد نسبة الطلاب الجامعيين العرب في الجامعات الإسرائيلية، كتب كوبي نيف في "هآرتس" تحت عنوان "الحذر: إرهاب أكاديمي"، أن "عضو الكنيست سموتريتش قلق من حقيقة أن نسبة كبيرة من العرب في إسرائيل يتعلمون في مؤسسات التعليم العالي، فهل نتوقع سن قانون جديد للحد من هذا الإرهاب الأكاديمي، مثل كلب الصيد المدرب، لاحظ عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش على الفور خطر الاندماج ... يحفرون لنا الأنفاق للتدمير: أنفاق التعليم العالي".
رغم كل هذه الأجواء والعراقيل العنصرية، فإن المجتمع العربي في الداخل يخوض غمار حرب البقاء باقتدار وبطولة، لا سيما في ساحة التعليم التي تعتبر من أهم أسلحة الدفاع والبقاء والمحافظة على الهوية والكينونة العربية، وتمثل إنجازاتهم في الحقل الأكاديمي - على الرغم من أنها لا زالت أقل من نسبتهم الاجمالية، وعلى الرغم من أن الطريق لا زالت طويلة وشاقة - بقعة ضوء كبيرة، تبدد عتمة الليل وتنشر التفاؤل وتسقى الأمل، بأن شعبنا أقوى من كل عوامل التفتيت والتفكيك والطمس والإلحاق.


