ملاحظات حول انتخابات الرئاسة الأميركية: الأثر على السياسة الخارجية

السبت 12 نوفمبر 2016 09:11 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ملاحظات حول انتخابات الرئاسة الأميركية: الأثر على السياسة الخارجية



 

بقلم : د.علي الجرباوي
 
أما وقد فاز دونالد ترامب وأصبح الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأميركية، فكيف سيكون عليه مضمون السياسة الخارجية في عهده، وكيف سيضع عناصر برنامجه الانتخابي المتعلقة بهذا الخصوص موضع التنفيذ حينما يتسلم مهام منصبه في كانون الثاني القادم، علماً أن هذه العناصر كان عليها خلاف داخلي حاد في الأوساط السياسية، ليس من قبل الحزب الديمقراطي فقط، وإنما في داخل حزبه أيضاً؟
قد يكون مفيداً في البداية التأكيد على أن على ترامب العمل بداية على رأب الصدع الحاد الذي نشأ جرّاء الحملة الانتخابية المضنية والسلبية داخل أميركا بشكل عام. ومع أن الجمهوريين حققوا انتصاراً باهراً في الانتخابات، ليس على المستوى الرئاسي قط، وإنما بتحصيلهم أغلبية في مجلسيْ الكونجرس، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن ترامب سيتمكن من تنفيذ وعوده الانتخابية ووضع نظرته حول العلاقات مع بقية العالم موضع التنفيذ التلقائي. سيكون عليه أولاً، تحقيق المواءمة الضرورية مع المؤسسة الحزبية الجمهورية، بمكوناتها الرئيسة من القادة في الكونجرس. وقد يؤدي ذلك إلى تخفيف حدّة هذه النظرة قبل وعند التطبيق.
نظرة ترامب للعالم هجومية، ومنها انطلق خلال حملته الانتخابية لتحديد رؤيته لدور علاقة أميركا مع العالم. هو يعتقد أن أميركا أصبحت مستضعفة من قبل الآخرين الذين يقومون باستغلالها، ويرى ضرورة إعادة الاعتبار لعظمتها لإنهاء هذا الاستغلال، وتحقيق المصالح الأميركية المتراجعة. ويمكن تلخيص نظرته هذه في أربعة مجالات ستشكل محاور سياسته الخارجية: الهجرة، التجارة، التحالفات التقليدية، ومحاربة الإرهاب.
فيما يتعلق بموضوع الهجرة، يرى ترامب أن بلاده أُغرقت بالمهاجرين غير الشرعيين، خاصة من وعبر المكسيك. وقد أدى وجود الملايين من هؤلاء المهاجرين إلى تقليص مساحة العمل للأميركيين، وارتفاع معدلات البطالة بينهم، وزيادة الضغط على الخدمات العامة المستغلّة من قبل المهاجرين الذين لا يساهمون بدعمها. لذلك، يريد ترامب إغلاق باب الهجرة غير الشرعية من خلال بناء جدار على الحدود مع المكسيك، وقد وعد بأن تدفع الأخيرة تكاليف هذا الجدار ـ ستضع هذه الرؤية العلاقات الأميركية مع الجارة الجنوبية في أزمة، علماً أن حجم التبادل التجاري مع المكسيك مرتفع، وميزانه يرجح لصالح أميركا التي من المتوقع أن تُواجَه بردّ فعل مكسيكي.
ويجدر ألا يغيب عن البال في هذا السياق أيضاً أن لترامب موقفا سلبيا عاما من الهجرة للولايات المتحدة واستيعاب اللاجئين فيها، خاصة وأنه يربط ما بين ذلك والإرهاب داخل أميركا. وقد وعد بمنع دخول مهاجرين ولاجئين، وتحديداً من المسلمين. ومع أنه من غير الواضح ماهية الوسائل والطرق التي سيتبعها لتحقيق ذلك، إلا أن من المتوقع أن ذلك سيؤدي إلى خلق توترات، ولو خافتة، مع بلدان وهيئات دولية.
أما بالنسبة للتجارة فمنطلق ترامب حِمائي، فهو يريد لأميركا الاحتفاظ بوظائفها ومصانعها. ولذلك يقترح فرض ضرائب على البضائع العائدة إلى البلاد من المصانع الأميركية المهاجرة للخارج (للمكسيك والصين وجنوب شرقي آسيا). ليس هذا وحسب، بل يريد إعادة التفاوض حول اتفاقيات تجارية ماضية وسارية المفعول لتغيير ما يعتقد بأنه مجحف بحق بلاده، وخصوصاً مع المكسيك والصين. كما يريد أن يضع ضوابط تمنع الصين من استغلال التحكم بعملتها لتحقيق الفائض في التبادل التجاري مع أميركا، والحدّ من الأفضلية الصينية في التجارة الدولية الناجمة عن هذا التحكم. هذا سيؤدي إلى إرباك الأسواق المالية، وبالتأكيد سُيدخل العلاقة مع الصين (كما المكسيك) في أزمة قد تؤدي إلى حرب تجارية على الصعيد الدولي.
قد يكون أهم ما سيميّز السياسة الخارجية لإدارة ترامب، إن وضع نظرته موضع التنفيذ، يتمثل بإعادة النظر في التحالفات الخارجية التقليدية التي يرى أنها ترهق بلاده مادياً، وخصوصاً فيما يتعلق بالحفاظ على أمن العديد من الحلفاء، مثل اليابان وكوريا الجنوبية ودول الخليج العربي ودول أوروبا المشاركة في حلف الأطلسي. يريد ترامب أن تُسهم كل هذه الدول بحصة وافرة في منظومة الحفاظ على أمنها أميركياً. ومن لا يرغب منها بذلك، عليها أن تحمي نفسها بنفسها، حتى لو أدى ذلك إلى تطوير هذه الدول، كاليابان وكوريا الجنوبية، للأسلحة النووية. هذه السياسة، أن طُبّقت، يمكن أن تؤدي إلى تغيرات جوهرية في شكل التحالفات الدولية، ما يُمكن أن يُسرّع في تغيير خارطة النظام الدولي الحالي، ويؤدي إلى تسهيل بزوغ نظام جديد.
في هذا المجال، يجدر إيلاء نظرة ترامب لمستقبل العلاقة الأميركية مع روسيا اهتماماً خاصاً. فهو، على عكس التوجه الأميركي التقليدي، يحبّذ إحداث تقارب في هذه العلاقة. فإن حصل، سيكون لذلك آثار مهمة على صعيد العلاقات الدولية والنظام الدولي، خاصة وأن مثل هذا التقارب يمكن أن يضع ضوابط أمام إمكانية تطوير العلاقة الروسية - الصينية، ما يحدّ من إمكانية تشكيل تحالف قوي مضاد لأميركا.
إن حصل التقارب الأميركي - الروسي فسيؤدي إلى تغيّر في كيفية محاربة أميركا للإرهاب، وخاصة في المنطقة العربية، وبالتحديد في سورية والعراق. فمثل هذا التقارب يمكن أن يؤدي إلى توسيع التدخل الروسي على الأرض، بمباركة أميركية، لمواجهة تنظيم "داعش". بالمقابل، سيؤدي ذلك إلى تخفيف الضغط عن النظام السوري، والدفع باتجاه تحقيق تسوية سياسية للصراع في سورية. إن حصل ذلك، يمكن أن تتوتر العلاقات مع الدول الخليجية، وخاصة العربية السعودية، والتي من المتوقع أن تتصاعد أزمة علاقاتها مع أميركا خلال فترة رئاسة ترامب.
وأخيراً، لا يتُوقع أن يؤدي وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة إلى حدوث تغيّر جوهري في موضوع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. فالدعم التقليدي لإسرائيل سيتواصل ويتدعم. ولكون إدارة ترامب ستكون منهمكة في قضايا أكثر أهمية وإلحاحية لها على الصعيد الدولي، فإن مسألة التسوية لسياسية للصراع لن تشهد انطلاقة حيوية، وخصوصاً في المستقبل المنظور. أكثر ما يمكن أن يحصل هو الدفع باتجاه إحياء مسار المفاوضات الرتيبة لإعادة وضع الصراع على النار الهادئة والمريحة لإسرائيل والعالم.