مشاهد ضبابية ما زالت محفورة في ذاكرتي .. عايشتها وأنا طفل في الخامسة من عمري .. ومدينتي رفح ومخيمها تعيش أياما سوداء ستظل محفورة في الذاكرة الفلسطينية .. وتشغل صفحات حزينة في تاريخ الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة أثناء العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 .. كانت البداية عندما اشغل رجال وشباب المخيم بحفر الخنادق في الشوارع التي كانت جميعها ترابية وتغطيتها بألواح الزينكو والرمال تحسبا من غارات الطيران الصهيوني في الحرب التي بدأت بوادرها السياسية والحربية ..
وجاءت الحرب .. وكانت رفح هي البداية لوجود القيادة العسكرية المتقدمة وخط الدفاع الأول عن سيناء في منطقة " الماسورة " جنوب شرق رفح القريبة من خط الهدنة .. والهدف : عزل القطاع عسكريا عن غزة وخانيونس .. وفي صباح الإثنين التاسع والعشرين من أكتوبر " تشرين أول " بدأت عملية " قادش " انطلق الجيش الإسرائيلي لاحتلال سيناء والوصول إلى قناة السويس لتكون ذريعة لبريطانيا وفرنسا للسيطرة على القناة التي قام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميمها قبل ثلاث شهور ( 26 يوليو 1956 ) .. وكانت القوات المدافعة عن رفح تتكون من ضباط وعناصر الكتيبة 43 من الفرقة الفلسطينية اللواء 86 التي تشكلت قبل عامين ومقر قيادتها شرق دير البلح في المنطقة التي تعرف اليوم بإسم " التبة 86 " المحاذية لطريق كيسوفيم .. والقوة الرئيسية المصرية المدافعة عن الطريق الاستراتيجي رفح – العريش – القنطرة ( قناة السويس ) الذي يشكل المحور الشمالي في سيناء كانت مشكلة من الفرقة 87 بقيادة اللواء يوسف يوسف العجرودي .. ووسط السيطرة الكاملة لسلاح العدو الجوي لم تشفع المقاومة الباسلة للمدافعين عن رفح في منع اجتياح قوات العدو للمدينة صبيحة اليوم التالي ..
وبعد سقوط رفح وعزل القطاع عن سيناء ورغم معارك البطولة والفداء في خانيونس وتلة المنطار في الشجاعية بغزة إلا أن القائد العسكري المصري اللواء محمد فؤاد الدجوي وقع وثيقة استسلام القطاع لقائد المنطقة الجنوبية في جيش العدو البريغادير عساف سمحون .. وتبدأ عمليات الانتقام الصهيوني ومطاردة عناصر الفدائيين من الفرقة الفدائية 141 التي شكلها ضابط المخابرات الحربية المصرية الشهيد مصطفى حافظ وعملياتها الفدائية الجريئة داخل فلسطين المحتلة بداية من العام 1954 والذي استشهد بطرد ناسف مساء الأربعاء 11 / 7 / 1956 بتدبير من المخابرات الإسرائيلية .
مع دخول قوات العدوان الإسرائيلي لرفح ازدحمت شوارع المخيم في الطرق المؤدية إلى منطقة المواصي على شاطئ البحر بالسكان الهاربين من بطش اليهود .. وخرجت مع عائلتي نحو المواصي ومهمتي حمل " بابور الكاز " الذي كان من الأدوات المنزلية الثمينة الموجودة في بيوت المخيم .. وبعد يومين سقطت العريش لتعود الجموع إلى بيوت المخيم والخوف مخيم على المخيم .
في صباح الأحد 12 / 11 / 1956 صحا الرجال والشباب على الصوت الضعيف من بوق وليس ميكروفون : على الشباب والرجال من سن 15 حتى 50 الخروج من منازلهم فورا رافعي الأيدي والتجمع في ساحة المدرسة الأميرية في وسط المدينة .. كانت الرشاشات الصهيونة تتمركز في شارع البحر الرئيسي تطلق نيرانها العشوائية نحو مجموعات الرجال القادمين من الأزقة الفرعية نحو المدرسة الأميرية .. والرجال يتساقطون في الشوارع .. كان بيتنا يطل على الشارع الفرعي الواصل بين مركز التموين وعيادة الوكالة ووسط صيحات والدتي ومحاولاتها إعادتي إلى البيت كانت نظراتي تشيع والدي وأعمامي ورجال حارتي من عائلات الأخرس وأبو عرمانة والنواجحة .. وشاهدت منظرا ما زال محفورا في ذاكرتي : شاب من عائلة النجيلي يسقط على الأرض من صلية رشاش وتخرج أمعاؤه من بطنه وتسرع الحاجة عايشة النواجحة وتسحبه داخل بيتها وتلفه بالبطانية ويبقى جريحا داخل المنزل حتى عاد من عاد من الرجال ويحملونه إلى عيادة الوكالة .. معجزة ربانية .. عاش الشاب واستضفناه في ذكرى المذبحة الذي نظمته جمعية الذاكرة الفلسطينية في ساحة المدرسة الأميرية في العام 2005 وتوفي بعدها بشهور .
كان المشهد عصيبا عند باب المدرسة وفي ساحتها .. معظم الشهداء استشهدوا خارجها .. وجرت العملية لفرز مقاتلي الفرقة 141 من الفدائيين ومقاتلو الجيش الفلسطيني .. منهم من قتل على الفور في عمليات قتل جماعية خارج المخيم ومنهم من نقل إلى معسكرات الأسرى في بئر السبع داخل فلسطين المحتلة .
وقمة المأساة كانت تدور أحداثها في منطقة رفح الغربية عند موتور المياه بجوار منزل المختار حجازي .. سيارتا جيب عسكريتين من الفرقة الصهيونية 101 الإنتقامية بقيادة الرائد أرئيل شارون المنفذة لمذبحتي قبية وكفر قاسم والتي كلفت بتنفيذ مذبحتي خانيوس ورفح .. الجنود يقتادون الفدائي الشهيد أحمد عبد الله جودة " الأحمر " الفدائي من المجموعة 141 والذي يحمل الرقم العسكري 437 في الكتيبة الفلسطينية .. مشهد وثقته شهادات سيدات من عائلة حجازي : كل سيارة من سيارتي الجيب تربط قدما من قدمي الشهيد وتتباعد السيارتان .. منظر لا يوصف .. ولماذا هذا الانتقام الرهيب ؟ .. أحمد جودة بطل كمين يبنا داخل فلسطين المحتلة .. في منتصف عام 1956 كلف من مصطفى حافظ مع إثنين من فدائيي المجموعة بعملية فدائية جريئة مستغلا شعره الأحمر وبشرته الشقراء .. ارتدى الأحمر وزميليه ملابس الشرطة العسكرية في الجيش الصهيوني ونصبوا حاجزا طائرا عن مداخل قرية يبنا المغتصبة ( 40 كيلو مترا شمال غزة داخل فلسطين المحتلة ) .. أدت العملية الفدائية السريعة إلى مقتل ستة من جنود العدو .. وبكيفية تسللهم إلى مكان العملية عادوا إلى غزة سالمين .. وقيادة المخابرات الحربية المصرية أبلغت الرئيس جمال عبد الناصر بالعملية .. الشهيد أحمد عبد الله جودة النازح من قرية أسدود إلى مخيم رفح لم يعرف مكان دفن جثمانه الطاهر .
قائمة الشرف والشهادة
طوال عشر سنوات بعد المذبحة وكل من يمر في شارع البحر الرئيسي في رفح ويقترب من سور المدرسة الأميرية يشاهد آثار رصاصات الرشاشات الثقيلة التي أصابت العشرات من شباب ورجال رفح برصاص الغدر والانتقام .. والكلمات بالخط الأسود العريض تملأ السور " تذكروا شهداء 12 / 11 / 1956 " وفي طفولتنا وصبانا كنا نغني بالنغم الحزين " في اطنعش احدعش لمونا ياحانونا .. في الشوارع قتلونا يا حانونا " .
في شهادته أمام الجمعية العامة ذكر السيد " لا بويس " مدير وكالة الغوث الدولية ( الأونروا " ) .. في تقريره عن ضحايا الاحتلال الإسرائيلي لغزة في الفترة من 19 أكتوبر 1956 حتى إنسحابه في 7 مارس 1957 .. قتل في يوم 12 / 11 / 1956 في رفح 102 من سكان المدينة ولكن من شطبت أسماءهم من سجلات الوكالة أثناء العدوان كان 127 شخصا .. والحقيقة أن ضعف هذا العدد كانوا شهداء رفح حيث لم يذكر مدير الوكالة عدد الشهداء الذين لا يحملون بطاقة تموين من عائلات رفح من غير اللاجئين .
من خلال جمعية الذاكرة الفلسطينية برفح نجحنا والزملاء في الجمعية : سمير أبو نحلة وعصام قشطة ومحمد الشيخ علي وابراهيم الزاملي والعبد لله .. في جمع وتوثيق 124 من شهداء مذبحة المدرسة الأميرية المدعومة بالعديد من صور الشهداء .. إضافة إلى أسماء وصور بعض الجرحى .. واشتملت قائمة الشهداء على :
1 - ابراهيم أبو هاشم 2- ابراهيم محمد الدغمة
3- اسحق صالح الشامي 4 – احمد حماد سالم عياش
5 – احمد صالح عرادة 6-احمد عبد الله المسلمي
7- احمد عودة الله زعرب 8- احمد محمد حسين عبد العال
9- احمد مصطفى البلبيسي 10- ابراهيم سليم احمد ابو حسنة
11- ابراهيم محمد عبد القادر الرياطي 12- اسماعيل سعد ضهير
13- اسماعيل محمد ابو الحصين 14- تركي محمد ياسين
15- جمعان سليم البحابصة 16- جمعة سليمان القاضي
17- جودة عبدالله السلال 18- حسين سعد الدين ابو عون
19- حمدي صفيرة 20- خليل اسماعيل يوسف
21- خليل سعيد السباخي 22- رمضان محمد المدلل
23- سعد الغول 24- سلام العمواسي
25- سلمان احمد ابو شلوف 26- سلمي عيد عودة شلوف
27- سليمان جميعان شلوف 28- شحدة احمد ابو محسن
29- صالح حسن عواجة 30- صبحي حمدان برهوم
31- عاشور صالح مصلح زعرب 32-ابراهيم احمد طباسي
33- اسبيتان رزق محمود ابو شعر 34- آمنة ابو الوليد
35- احمد سليمان رشوان 36- احمد عايد العرجا
37- احمد عبد الله جودة 38- احمد محمد ابو ختلة
39- احمد محمد حماد برهوم 40 ابراهيم ذياب عبد الله لافي
41- ابراهيم عبد الغني محمود الأسمر 42- ابراهيم محمد عرادة
43- اسماعيل عبد الرحيم غنيم 44- بشير محمود خلف
45- جاسر ابراهيم برهوم 46- جمعة حميد محمد الصوفي
47- جميل جمعة حسن صويلح 48- حسن جمعة البحابصة
49- حماد عيد ابو الحصين 50- حميد حماد سالم عياش
51- خليل حسين بريكة 52- خليل سليم خليل شلوف
53- سالم حميدان عبد الله ابو مطر 54- سعيد برهم حسن قشطة
55- سلامة رمضان سالم شلوف 56- سلمان محمد شلوف
57- سليم محمود سليم المسلمي 58- سليمان حميد عودة ابو شلهوب
59- شوقي خميس الرنتيسي 60- صالح محمود عمران
61- صقر ابراهيم محمد الأطرش 62- عبد الحميد منصور
63- عبد العاطي خميس سليمان النمس 64- عبد الغني محمود الأسمر
65- عبد القادر عطية صالح شعت 66- عبد الله ابو حدايد
67- عبد الله احمد اسماعيل العرقان 68- عبد الله حامد حمد
69- عبد الله محمد علي الرياطي 70- عبد الله محمد نصير الشاوي
71- عبد ربه عبد الله ابو جياب 72- عبد ربه حامد سالم عياش
73- عبد الله جدوع الصوفي 74- عبد الله درويش ابو ختلة
75- عبد الله عبد الحميد ابراهيم الخطيب 76- عطوة حماد ابو حمتو
77- عطوة علي عودة ابو عاذرة 78- علي سالم ابو غيث
79- علي نصير نصار الشاوي 80- عليان علي ابو البطيخ
81- عواد سليم خليل شلوف 82- عواد عياد حمدان شلوف
83- عودة الله موسى خليل زعرب 84- عودة احمد ابو سنيمة
85- عودة علي عودة ابو عاذرة 86- عودة محمد حسن زعرب
87- عيد عودة حمدان شلوف 88- عيد عودة عيد شلوف
89- عيسى مصطفى خليل غنيم 90- غانم محمد محمد شلوف
91- فاطمة محمد عواد شلوف 92- فريجة سلام عيد شلوف
93- فريد سليمان حمدان برهوم 94- محمد ابراهيم برهوم
95- محمد حماد الدباري 96- محمد حمدان شريقي السلطان
97- محمد حميد سالم عياش 98- محمد الدويك
99- محمد ديب سليم شقفة 100- محمد زكي احمد هديهد
101- محمد سالم ابو قريع 102- محمد سالم السقاوي
103- محمد سليم محمود إقليم 104- محمد سليمان ابو صوصين
105- محمد عبد العزيز ابو ختلة 106- محمد عبد الله عاشور
107- محمد عودة عوض الغرابلي 108- محمد محمد سالم عياش
109- محمد شيخ العيد 110- محمود السبع
111- محمود احمد الرياطي 112- محمود احمد سالم عياش
113- محمود حسين بريكة 114- محمود حميد حماد الصوفي
115- محمود حميد سالم عياش 116- محمود محمد ابو العيش
117- محمود علي عبد القادر الرياطي 118- مرعي عواد ابو غالي
119- مسلم حسين مسلم ابو شعر 120- موسى علي برهوم
121- نصرة ابو نصر 122- يوسف خليل غنيم
123 يوسف ديب عبد الجبار 124- يوسف عبد الله ابو مسامح
125- يونس القططي .
رحم الله شهدائنا الأبرار.