يبدو أن مظاهر الصراع على الساحة الفلسطينية ستشهد مزيدا من التأجج قد يصل إلى مرحلة الإنفجار الذي سيزيد من وضع القضية سوء بعد سوء , من الملاحظ ومنذ حدوث الإنقلاب تم إعلان حالة الطواريء في عموم أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، و تم تعطيل المجلس التشريعي و كثير من مواد القانون الأساسي بموجب حالة الطواريء التي منحت الرئيس الكثير من الصلاحيات، التي أصبح بموجبها لديه الكثير من السلطات المطلقة دون حسيب أو رقيب .
حماس التي إنقلبت على الشرعية، لأنها ترى نفسها صاحبة الحق في تلك الصلاحيات التي منحها الرئيس لنفسه بعد الإنقلاب، لم تنصاع لمرسوم إعلان حالة الطواريء ومارست كل أشكال الحكم، وصادرت الكثير من صلاحيات الرئيس عباس ومنحتها لحكومتها في غزة، مما أدى إلى تعزيز الإنقسام ليس فقط جغرافيا بل سياسيا و قانونيا وإجتماعيا، وأصبح المشهد الفلسطيني كله في مهب ريح الإنقسام.
وباتت أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية بلا سيادة حقيقية للقانون الذي يئن تحت وطأة الإنقسام , والقانون الذي فقد سيادته أصبح وسيلة المنقسمين في تحصين أنفسهم وحماية شرعيتهم التي تأكلت بفعل مرور الوقت، وفقد الثقة الشعبية بهم بسبب سوء أدائهم في الحكم، حماس رغم كل ما قامت به إلا أنها تدرك جيدا أن الرئيس عباس أقوى منها في حماية شرعيته لأن صلاحياته أوسع من صلاحياتها وهو يستمد شرعيته من أكثر من جهة تفتقدها حماس، فهو لديه منظمة التحرير التي يرأسها، والشرعية العربية التي أعطته الثقة منذ اليوم الأول للإنقلاب، ودعمته في تثبيت حكمه.
الرئيس عباس الذي يدرك هذه النقطة جيدا لم يتوانى في إستخدام صلاحياته القانونية، بشكل أصبحنا فيه نعيش في عصر السلطة المطلقة له، فهو رئيس السلطة التنفيذية و المشرع القانوني والمتحكم في السلطة القضائية، يقيل من يشاء منها وقتما يشاء، ويصدر قرارات التغيير والتعيين فيها حسب رؤيته الشخصية، حتى أصبح القضاء الفلسطيني في قبضة يده.
ولم يكتف الرئيس عباس بالتدخل في السلطة القضائية بذلك الشكلـ بل فاجىء الجميع عندما أعلن عن تشكيل المحكمة الدستورية العليا، والتي جاء تشكيها ليضع المزيد من علامات اللإستفهام لتشكيلها، وكان من الواضح أنها ستكون أداته الأخيرة في إنتزاع ما تبقى من صلاحيات وقف القانون حجر عثرة في طريقه للحصول عليها، فلا بد من التغلب على القانون بالقانون، وأمس شهدنا جميعا قرار الدستورية بمنحه الصلاحية برفع الحصانة عن نواب المجلس التشريعي، وهذه الفتوى تمنحه ضمنيا إقالة المجلس التشريعي.
إن المحكمة الدستورية التي إتخذت ذلك القرار لم تنتبه أنها بقرارها الأخير تضرب بعرض الحائط بأهم المباديء الدستورية التي يقوم عليها النظام السياسي والقانوني في فلسطين، وهو مبدأ الفصل بين السلطات حيث ساهمت الدستورية بالأمس بتركيز جميع السلطات في يد الرئيس عباس الذي أصبح يمتلك سلطة مطلقة، سوف يستخدمها ضد جميع خصومه السياسيين في معركته القادمة لتثبيت شكل النظام السياسي الفلسطيني الذي يرسمه الرئيس عباس للمستقبلز
و لكن السؤال المهم إن عباس الذي منح نفسه الحق في الحصول على كل تلك السلطة المطلقة، ألا يخشى على النظام الفلسطيني بعده من بعده من الإنهيار بسبب عدم وجود ضابط أو رقيب على كل تلك السلطة المتركزة في قبضة يده، والتي قد تؤدي خنق الحالة الفلسطينية التي قد تنفجر لتخلق المزيد من الفوضى في الحالة الفلسطينية التي تقبل الفوضى ولا تصبر على الدكتاتورية.
على الرئيس عباس الإنتباه جيدا أن ما يقوم به حاليا هو تشريع لمن سيأتي بعده لإستغلال كافة الصلاحيات التي منحها لنفسه لذلك على كل عقلاء فلسطين و ضميرها الحي الإنتباه لما يحدث في النظام الفلسطيني و التدخل لإنقاذ ما تبقى من هذا النظام المترهل قبل فوات الأوان و لكي لا يصبح عصر عباس سنة للحكم الدكتاتوري.


