ما كان مستحيلًا في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وحلمًا بعيدَ المنال مطلع العام الجاري، وهمسًا ودندنة وتسريبات في الصحف اللبنانيّة مطلع الشهر الماضي، أصبح اليوم واقعًا وعيانًا: ميشال عون رئيسًا للجمهورية اللبنانيّة.
وعون، القادم من معارك الحرب الأهلية اللبنانيّة ومجازرها، الرافض لاتفاق الطائف الذي أنهاها، لا يخجل من تاريخه العسكري ولا ينكره بل يتبجّح به، وتحدّث عنه في أكثر من مناسبة، وأهمه دوره الذي جاهر به في مجزرة تل الزعتر، التي أودت بحياة أكثر من 3000 شهيد فلسطيني، خلال حصار استمر أكثر من خمسين يومًا، في واحدة من أبشع الجرائم ضد شعبنا الفلسطيني.
ففي مقابلة أرشيفية مسجّلة معه، قال عون إنه أشرف على 'خطة تطويق تل الزعتر بغية تحريره، وطرحت عليهم التفاوض حتى يفتحوا الطرقات ويجرّدوه من السلاح (في إشارة إلى مخيم تل الزعتر)، ولكن الأمور سارت على غير ما يرام، ظلت الأوامر تعطى للفلسطينيين بأن يقاموا، ظل الحصار 52 يومًا، اعتقد، وما خرج الفلسطينيون، وتأتيهم الأوامر بأن قاوموا وقاوموا'.
وبعد تلك المقاومة، يقول عون 'صار في ملل وضجر، وشالوه للمخيّم'، دون أن يبدي أي أسف أو ألم لما تم داخل المخيم من مجازر مروّعة، بل وبرّر ذلك بهدوء أعصابٍ، قائلًا 'قد يكون حصل تجاوزات لأنهم غير عسكريين'.
وفي سياق التبجّح في تاريخه العسكري ذاته، رد عون على صورته مع قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي في العاصمة اللبنانيّة، بيروت، مصافحًا إياهم ومبتسمًا، بالقول إنها 'ليست سرًا' دون أن يأسف لها، بل بررها بالتذرع أنها قديمة ونشرت في صحف عالمية كثيرة في العام 1982، إبان حصار بيروت.
وبعد التوصل لاتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانيّة، رفض عون تسليم قصر بعبدا لحكومة الوحدة الوطنية، إلى أن تم إقصاؤه من القصر في عملية مشتركة لبنانية سورية وفر من القصر هاربًا إلى السفارة الفرنسية، التي سمحت له، في الثامن والعشرين من آب/أغسطس 1991، أي بعد عام من فراره، بمغادرة البلاد إلى منفاه الاختياري في فرنسا.
وفي فرنسا، بدأ عون حراكًا من أجل 'طرد الاحتلال السوري من لبنان'، وصل ذروته أثناء 'شهادته' في الكونغرس الأميركي، في السابع عشر من أيلول/سبتمبر 2003، أي بعيد احتلال العراق بأشهر معدودة، دعا فيها إلى تمرير فوري لقانون 'محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان'، متهمًا النظام السوري بأنه حوّل لبنان إلى أرض خصبة وملاذ آمن للإرهاب.
أما حول حزب اللبناني، الذي أوصل عون إلى رئاسة الجمهورية، عبر رفضه اختيار زعيم تيار المردة، سليمان فرنجية، رئيسًا للبلاد، مطلع العام المقبل، فقد رفض عون تأييد عملياته ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي البتّة، قبل أن يتحالف معه لاحقًا دون أن يخفي رغبته بأنه يفعل ذلك، كما فعل كل ما سبق، دومًا، من أجل الوصول لرئاسة الجمهورية.