خبر : الشرف الرفيع ...سما حسن

الخميس 06 أكتوبر 2016 08:42 ص / بتوقيت القدس +2GMT





المجتمع العربي، هنا أو هناك، مستقل أو تحت احتلال، ما زالت الجرائم فيه تتم تحت مسميات ومبررات سامية، لا وجود لها سوى في العقول والنفوس المريضة.
قتل النساء الذي ما زال يستمر بوقاحة ودون إنسانية، مسلسل دامية حلقاته، تكاد لا تنقشع حلقة حتى تظهر أُخرى، فتتكرر المأساة التي يمكن تجنبها لو صفت النوايا، وتم تحكيم العقل والمشاعر النبيلة.
قاتل مجرم، وسكوت يقرّ بقتل لا يعني إلا المشاركة في الجرم، فمتى ننتهي من تعذيب النساء وقتلهن؟ متى؟ موجعة الأسئلة والأجوبة أكثر وجعاً.
وهكذا قتلت الأم دعاء أبو شرخ أمام أطفالها الأربعة في مدينة اللد، وخرجت المدينة الغاضبة القليلة الحيلة لكي تشيعها إلى مثواها الأخير، وسمحت الشرطة لأشقائها بالمشاركة في مراسم التشييع تحت حراسة مشددة، وهم ضمن لائحة الاتهام الأولية بقتل المغدورة الثلاثينية، ولكن أحداً لم يسمع ما تهامس به أهل المدينة وكل من قرأ الخبر في مناطق أخرى، فهي قطعاً تستحق القتل لو كان ذلك على خلفية الشرف، ومن قتلها سيخرج حتماً بطلاً من السجن بعد قضاء مدة محكومية قصيرة، وسيجد أن عائلته في أحسن حال وأموره تسير على ما يرام، وسيجتهد باقي أفراد الحمولة في توفير المال وسبل الراحة له لأنه أنقذ شرف العائلة وغسل عارها، وسيطوى الزمان سيرة القتيلة وكأنها لم تكن.
يوم الغضب هو اليوم الذي شيعت فيه المغدورة دعاء أبو شرخ لأنها قتلت بدعوى الدفاع عن الشرف لتضاف إلى قائمة ضحايا الشرف الرفيع الذي لا يسلم إلا حين تراق على جوانبه الدم، ولأنها قتلت على مرأى من أطفالها حين كانوا في زيارتها، وكان ثلاثة منهم في حضانة الأب، والرابع في حضانتها، وقد اجتمعوا في يوم الزيارة المخصصة لهم من قبل المحكمة الشرعية عند أمهم، وحين كانت تودعهم وهي لم ترتو بعد من حبهم، ولم تشبع من رؤيتهم، ولم تهنأ بمعانقتهم باغتها مجهول مقنع وأطلق عليها الرصاص وأرداها قتيلة أمام أعين صغارها.
المعلومات التي تلت خبر مقتل الأم تختلف تماماً عما أشيع بأنها قتلت بدافع الشرف، وهو السبب الجاهز حين تقتل امرأة وتموت هذه الميتة البشعة؛ فحادثة قتل دعاء ليست الأولى في منطقة اللد والرملة، ولكن المعلومات التي توفرت على لسان عائلتها أماطت اللثام عن حقائق جديدة، منها أن والد أولادها وهو زوجها الثاني ولديه أبناء شباب من زواج سابق، كما أن فارق العمر بينها وبينه كبير على الرغم من ثرائه، ما مهد لدخول الخلافات الزوجية التي تنتج عن مثل هذه الحالة من الزواج؛ فالزوجة شابة في مقتبل العمر وعلى قدر من الجمال، كما أنها تنحدر من أسرة يشهد لها بالمنبت الحسن ولها مكانتها في المجتمع، وقد تردد أن دعاء وعائلتها كانا يخوضان حرباً في المحاكم من أجل الطلاق وما يتبعها من نزاع على حضانة الأطفال الأربعة.
جريمة قتل الأم الثلاثينية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة أمام سبب أو عذر جاهز وهو الدفاع عن الشرف، أمام تواطؤ المحاكم الإسرائيلية وصمتها وتلكئها بعدم تقديم أي مجرم للعدالة بعد وقوع عدة حوادث قتل مماثلة، وما يزيد الطين بلة هو ظهور ظاهرة القتلة المستأجرين في مناطق العام 1948، بحيث أصبح هناك قائمة أسعار تتراوح قيمتها حسب العمل المطلوب ما بين القتل من مسافة صفر، أو الترهيب بإطلاق الرصاص على الأرجل أو التسبب بإعاقة دائمة للهدف.
في حادثة قتل هذه الأم وما سبقها وما قد يعقبها علينا ألا نسكت، كما تسكت الشرطة، يجب ألا نجعل دماء النساء رخيصة، فهن الأمهات والشقيقات والزوجات الغاليات، وهن "منا وفينا"، كما أن القتلة "منا وفينا"، وعلينا أن نقف في وجه من يسمح لمثل هذه الجرائم بأن تستمر. علينا ألا نسمح للقتلة لكي يستمروا مع تواطؤ الشرطة وعدم الإسراع في التحري والكشف عن الملابسات، واستسلامها أو تسليمها بأن أي حادثة قتل لامرأة عربية هي دفاع عن الشرف، فتزيد بموقفها هذا من تصفيات الحساب بين الناس، فليست كل جريمة سببها الشرف لأن جرائم قتل النساء يكون لها أسباب أخرى، مثل الصراع على الميراث والغيرة والحقد وكيد النساء وبغض الرجال، كما أن القاتل المستأجر في حالة قتل دعاء أبو شرخ قد فعل فعلته وهو يعلم تماماً أن القليل من البحث والتحري قد يوصل يد العدالة إليه، ولكن يد العدالة المضمومة لليد الأخرى والوقوف بمشهد المتفرج هو ما أتاح له أن يفعل فعلته في وضح النهار، ويهرب دون أن يمسك به أحد من المارة، أو حتى دون أن يحاول أحد أن يفعل لأنه يحمل السلاح، وسوف يثأر من الشهود أو من ذويهم فهم لا يعرفونه وهو يعرفهم.
إذا كانت الكارثة هي أن الشرطة تحمي أمثال هؤلاء القتلة، فكارثتنا أننا ما زلنا نلوح بالشرف كسبب لهدر دم امرأة، وذريعة لإزهاق روح بريئة، وإذا كانت هذه الجريمة قد وقعت في اللد فغيرها يقع كما ابتدأنا في مناطق أخرى من فلسطين وفي الدول العربية المجاورة، ولكي تتوقف هذه الجرائم يجب أن تتوقف المفاهيم الخاطئة عن شرف المرأة، فأغلب ضحايا الشرف من النساء في فلسطين ممن قتلن خلال العام 2015 وبعد فحص الطب الشرعي لجثثهن تبين أنهن ما زلن عذراوات، علماً أن العلم الحديث القادم من الصين لم يترك مكاناً للبكارة الحقيقية، وأصبح الغش والتدليس تحت مسمى غشاء البكارة الصناعي والعذرية الصناعية من أرخص البضائع التي ترد إلى البلاد العربية من هناك، بل هي أرخص من ثمن رصاصة.