خبر : القشـــة الصاروخ !! محمد الوحيـــدي

الثلاثاء 04 أكتوبر 2016 02:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
القشـــة الصاروخ !! محمد الوحيـــدي




و أنت تحاول تفكيك مشهد قرار المحكمة العليا بشأن الإنتخابات البلدية ، و ما تبعه من ردود أفعال سواء من "ممثلي " الشعب ، و هيئاته ، و تنظيماته السياسية و الثورية و الإجتماعية و الطلابية .. ولو تأملتم معي المشهد ، بهدوء و إنصاف لإكتشفتم ، أن ثلاثة أرباع شعبنا ، قضاة ، متخصصون في القانون بجميع حقوله و مجالاته .. ولو أضفتم شيئاً من الدهاء و المكر إلى سابق النية بالتحليل المنصف ، لإكتشفتم كم التجارة ، و ركوب الأمواج التي مورست خلال الثماني و أربعين ساعة الماضية .. من الجميع ضد الجميع .. و في النهاية ، ستتلون لديكم صورة ، غامقة واضحة ، مليئة بالخطوط المتقاطعة ، و الألوان المتنافرة ، الصارخة ، غير ذات المعنى ، بالعربي الدارج " شخبطة " ..
التشكيك ، و إنعدام الثقة بالنفس و بالآخر ، هما العنوان الأبرز ..
المرض ، بدأ أصلاً ، منذ أن تم إقناع عقول و نفوس أن تقيس و تحكم على الدنيا من منظورها ، ووفق معاييرها ، و بعيونها هي ، بمصلحتها هي ، حتى الدين ، تم تأويله ، و إستخدامه ، ضغطاً و فرداً ، تمديداً و إختصاراً و إجتزاءً ، ليتناسب مع أهداف سياسية ، و أغراض ذاتية .. على المقاس ، في ظل إعدام للضمير ، سواء الإنساني ، أو الوطني ..
وهذا التصرف ، لاقى قبولاً كبيراً ، و إقبالاً من الشارع ، ببساطة لأن الشارع مقهور ، مسكين ، تراكمت على كاهلة الهزائم و الخيانات و الإحباطات ، يريد أن يرى أي ملمح من ملامح الرفض ، و لو حتى باللفظ ، يريد أن يشم رائحة الكرامة ، ولو أنه يعرف في قرارة نفسه أنها رائحة كذابة ، مغشوشة ، مضروبة ، مزيفة .. فيطرب لسماع خطبة رنانة ، تذكره بأمجاد خلت ، و ينتعش لسماع أغنية حماسية تعبر عن القوة و الإنتصار ، الشارع يريد أن يشبث بقشة ، تنجيه من الغرق أكثر في حالة الإكتئاب الجمعي و العيش النكد و الأفق المظلم ..حتى ولو كانت قشة ، يريد أن يعتبرها صخرة ، سفينة ، بارجة ، يرون القشة صاروخاً ، قاراً على تمزيق و تبديد الليل الحالك حولهم ، الشارع يريد أن يسمع أي كلام يروي عطشه ..
و هنا تتوفر البيئة الخصبة ، و المناخ المناسب ، و الفرصة السانحة للإنتهاز فينتشر الدجالون ، و سحرة فرعون ، يشمرون عن سواعدهم ، و يجلون حناجرهم ، و يمسكون بطبولهم و دفوفهم و ينطلقون في أنشودة ( القشة الصاروخ ) .. ولو سألت نفسك ، هل معقول أن كل هذه القيادات ، و الرموز ، لايوجد بينها أو حولها من المستشارين من يفهم معنى إحترام القضاء ، و جريمة إنتقاد أحكامه ؟ و أن الطريق و السبيل لنقض قرار اي محكمة هي المحكمة ، بتقديم ما يلزم من قرائن و دفوع ، بشكل حضاري ، قوي ، مقنع ، و فوق كل هذا قانوني ؟
أم أنهم يعرفون ، و يريدون إستغلال مشاعر و ركوب ظهور من لا يعرفون ؟ تلك إذن هي المصيبة .. و هي بالمناسبة ليست جديدة ، ففصال منظمة التحرير الفلسطينية و أخص منها اليسار ، عودنا على سلوك هذا السبيل في " النضال" الجعجعي ، الحنجوري الفارغ ، وعودنا أن نراه أول من يتخلى عن وحدة و تماسك منظمة التحرير، و يتماهي و يتحد و يتعامل مع اي إطار خارج النسق و الإجماع الرسمي ضد ذاته .. و ضد اي شئ ، و أروع من يصفف الحجج و التبريرات ، و يمنطقها ثم يعود آخر الشهر ليحتج على نقص في الموازنة ، و يبكي و ينوح إذا ما سحب منه تصريح أو أي منع من السفر أو حرم من إحتلال أعلى نسبة دعم أو توظيف لكوادره في مؤسسات العدو الإمبريالي الغاشم .. كل هذا فيم تستمر الأبواق في النقد ، و التنفيس عن أوجاع و هموم الشعب المكلوم بهم اولاً قبل غيرهم .. تماماً كما ينفس بعض شعراء العامية الشعبوية وهم يلوكون الأفيون ، و الحشيش ، ينظمون و يصففون الكلام المعبر عن الشرف و الكرامة ..
هل أصبحت محاكم غزة ، شرعية الآن ؟ هل هي بهيكليتها و تمويلها تابعة للسلك القضائي و العدلي الرسمي أم هي في واد ، و الشرعية في واد ؟ هل أصبحت قراراتها ملزمة ، سواء في المحاكمات و قرارات الإعتقال و الإدانة و الإتهامات ، و الإعدام ، و غيرها من قرارات في مختلف قطاعات الحياة و القانون ؟؟ ألم تقفوا صفاً و أقمتم الندوت وورش العمل و الريسبشنات المليئة بما لذ و طاب من المقبلات ، تحت عناوين مبهرة و بارقة حول حقوق الإنسان و تهكمتك و رفضتم قرارت و عمليات إعدام و سجن " غير شرعية" بالأمس القريب ؟؟
ربما هناك عوار في قرار المحكمة العليا .. ولكن هل لا يعرف الدكاتره و المثقفون ، و الثوريون و الشرفاء أن هذا العوار ، لا يمكن أن يسمى بهذا الإسم ، إلا إذا توفرت القرائن و الحجج ، و أن رد الحكم ، لا يكون عبر مكبرات الصوت و لا اللقاءات التلفزيونية التي يتبعها ظرف ( مكافأة) بالدولار أو اليورو ..؟؟!!
لا المحكمة ، و لا قرارها ،و لا الإنتخابات ، هي ما يهم هنا ، الأهم هنا أننا يجب أن نقف و ننتبه ، و نستخلص العبرة ، و نكشف هذا الاسلوب و المسلك الذي تتبعه فصائلنا و أحزابنا ، و هذا النمط من التعامل مع الشعب بمنطق ( الإستحمار ) .. كفاكم إرهاقاً لهذا الشعب ، كفاكم تجارة بهذا الشعب .. و الله العظيم حرام .