خبر : ناهض حتر كما عرفته ... محمد ياغي

الجمعة 30 سبتمبر 2016 11:03 م / بتوقيت القدس +2GMT



شهر أيلول هذا، كان فيه مفاجأتان: الأولى خبر اعتقال الزميل الصحافي ناهض حتر بشأن إعادة نشره لرسم يسخر من طريقة رؤية داعش للذات الإلهية، والثاني خبر مقتله بسبب الرسم نفسه.
المفارقة أن اعتقال ناهض ومقتله تسبب، مثل جميع الأحداث التي تجري حولنا، الى انقسام الناس بين مؤيد للاعتقال والقتل، وبين مندد لكليهما.
ناهض الذي التقيته في شباط العام ٢٠١٢ في شقته في جبل اللويبدة في عمان، كان آخر همومه تشخيص فهم الحركات الإسلامية للخالق.
خلال لقائي به الذي استمر أكثر من ساعتين، كان الرجل مشغولاً بثلاثة ملفات:
التنظير لهوية أردنية تستقي جذورها من واقع سابق لنشأة المملكة ومتجسدة في أحداث أعقبتها منها الثورات التي شهدتها الأردن ضد الوصاية البريطانية في عشرينات القرن الماضي، والدور الذي لعبه وصفي التل في بناء قطاع عام أردني، وكيف أدت اللبرلة الاقتصادية التي شهدها الأردن مطلع هذا القرن الى إعادة تعريف الهوية الوطنية الأردنية.
التنظير لدسترة فك الارتباط بين الضفة الغربية والأردن من أجل حماية الأردن وفلسطين من مخاطر أطروحات الوطن البديل. ناهض كان يرى أن دسترة فك الارتباط تؤدي تلقائياً لتعريف من هو أردني ومن هو فلسطيني. بعد هذا التعريف، يمكن المطالبة بحسب اعتقاده الى تحويل الأردن لدائرة انتخابية واحدة تحسم الجدل المتعلق بضعف التمثيل الفلسطيني في البرلمان الأردني.
التنظير للمقاومة وعنوانها في العام ٢٠١٢ لم تكن سورية وحزب الله فقط، ولكن معهما «حماس». ناهض كان يدعو حكومة دولته الى تحالفات مختلفة عن تحالفاتها الحالية. في نظرة مصدر الخطر على الأردن ليس إيران، أو سورية، أو «حزب الله» أو «حماس» ولكن إسرائيل.
مواقف ناهض لم تجلب له تأييد القوى الفاعلة سياسياً. الحكومة رأت فيه معارضاً سياسياً ومحرضاً على سياسات لا تتفق معها. المعارضة الإسلامية (الإخوان المسلمين في الأردن) اعتبرته أحد دعاة الفتنة الإقليمية. المعارضة الأردنية اليسارية ارتأت أن الابتعاد عنه أسلم لها: هي تتفق معه بشأن التحالف مع «المقاومة»، وتختلف معه فيما يخص الهوية الأردنية ودسترة فك الارتباط.
الشخصيات المستقلة انقسمت بشأنه: قلة أيدته صراحة، قلة عارضته صراحة، لكن الغالبية اختبأت خلف شعار «ما يطرحه ليس أوانه».
للبعض كان ناهض أداة يحركها النظام السوري، وللبعض الآخر كان أداة تحركها المخابرات العامة من وادي السير، ولمن يعرفه عن قرب كان ناهض يمثل الأردني الذي يعشق بلده، ويدافع عن مصالح مُفقَريه ومهمشيه، ومتقاعديه من الموظفين الحكوميين والعسكريين. هكذا بدا لي على الأقل عندما التقيته، وهذا ما أفهمه من قراءتي لمقالاته.
ناهض كان حالة فكرية سياسية يمكن الاتفاق أو الاختلاف معها، لكن لا يمكن التقليل من أهمية الأفكار التي حملها ودافع عنها.
البعض يريد اختصار ناهض في رسم لم يكن الهدف منه الإساءة للذات الإلهية، بمقدار ما كان الهدف منه تذكيرنا بأن البعض لا يرى الله كما تراه غالبيتنا كبشر: تلك القوة المطلقة التي لا يمكننا إدراكها، لكننا نشعر بها، ونطلب حمايتها ورحمتها. وفي ذلك يستوي خلق الله جميعاً أياً كانوا دينيين أو لا دينيين.
هؤلاء، في «داعش» و«النصرة» ومعهم العديد من حركات الإسلام السياسي احتكروا معنى الألوهية، وأعطوا أنفسهم حق التكفير والإخراج من المِلة والقتل.
بتعبير مجازي: هؤلاء قاموا باحتكار «المُقَدَس»، ولا يمكن هزيمتهم بدون كسر هذا الاحتكار، لأن الله سبحانه وتعالى، إلهنا جميعاً.
البعض الآخر يريد اختصار ناهض في موقفة المؤيد لسورية. لكن سورية وما يجري فيها كان موضع خلاف منذ البداية. لماذا يرى البعض التدخل التركي والأميركي والإسرائيلي، وعشرات الدول الأُخرى مشروعاً بينما التدخل الإيراني والروسي غير مشروع؟ لماذا يرى البعض جرائم النظام، ولا يرى جرائم «المعارضة»؟ كيف يبرر البعض وقوفهم مع «المعارضة» باسم الديمقراطية بينما هي تشبه الى حد بعيد جماعة طالبان؟
الأسئلة كثيرة والإجابات عليها ليست سهلة بطبيعة الحال.
ناهض اختار الوقوف مع النظام السوري. التدخل الخارجي الأميركي، الإسرائيلي، التركي، العربي، كاف في تقديره لتبرير وقوفه في خندق النظام أو بتعبيره في خندق «المقاومة». هذا ينسجم مع دعواته السابقة للحكومة الأردنية للتحالف مع «حماس». آخرون ركزوا على همجية شبيحة النظام وغضوا الطرف عن معارضة فاشية في كل سلوكها وفكرها. وآخرون وهم القلة على أية حال، اختاروا رفض كلا الطرفين دون أن يقدموا بديلاً عملياً وممكناً للشعب السوري.
في تقديري المتواضع، ربط ناهض برسم أو بالموقف من النظام السوري، هو تسطيح واختزال لما يمثله الرجل في النقاش الأكثر أهمية الذي يخص الأردنيين: مفهوم الهوية، العلاقة بين الأردنيين والفلسطينيين، والخيارات الاقتصادية لتنمية بلدهم.
رحم الله ناهض الذي آمن بحق شعبه بالحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية.