خبر : سيناريو الرعب وتجاهل الانتفاضة وتبييض الاحتلال... اسماعيل مهره

الأربعاء 28 سبتمبر 2016 07:37 ص / بتوقيت القدس +2GMT
سيناريو الرعب وتجاهل الانتفاضة وتبييض الاحتلال... اسماعيل مهره



المنظومة العسكرية الإسرائيلية، بما فيها أذرع الاستخبارات، تضع استراتيجياتها وخططها وفق قراءتها للتهديدات المحتملة، حتى لو كانت احتمالية حدوثها تصل إلى الصفر؛ ورغم أنها منظومة مهنية فإن تحديد التهديدات وتدريجها من حيث الخطورة والإلحاحية قد يخضع لاعتبارات سياسية غير مهنية، وقد يستخدم ويوظف لأغراض أخرى، فبالنسبة لنتنياهو أي خارطة تهديدات لا تضع الخطر النووي الإيراني كالتهديد الأكثر خطورة أو اعتبار استمرار الاحتلال كتهديد لمستقبل إسرائيل كدولة "يهودية وديموقراطية" يعتبر إضرارًا بمصالح إسرائيل وخضوعًا لأجندات مشبوهة.
ايزنكوت مع أركان جيشه مهووسون بالاستعدادات لمواجهة التهديد الأكبر: اشتعال الجبهات الأربعة وإمطار إسرائيل بآلاف الصواريخ، وهو ما أطلقوا علية اسم "سيناريو الرعب"، نعم، سيناريو الرعب وكأنهم يطلقون اسمًا على مشهد هوليوودي مرعب أشبه بغزو الأرض من قبل كائنات فضائية، حيث وفق السيناريو - "سيناريو الرعب" الذي يتدرب عليه الجيش الإسرائيلي وقيادة جبهتهم الداخلية - ستقصف المدن الإسرائيلية، بما فيها كل مشآتها الحيوية وبنيتها التحتية من محطات كهرباء ومياه ومستودعات الوقود والصناعات البتروكيماوية، بليس أقل من 1500 صاروخ ومقذوفة صاروخية يوميًا على مدار أيام اندلاع الحرب التي ستوقع مئات القتلى، قرابة 350 إلى 500 قتيلًا غالبيتهم العظمى من المدنيين، وستضطر الجبهة الداخلية - مع هذا السيناريو - لإخلاء أكثر من مليون ونصف المليون مستوطن من سكان الجنوب والشمال خشية من عدم القدرة على توفير الحماية لهم من قذائف الهاون قصيرة المدى التي لا تستطيع القبة الحديدية التصدي لها ومن احتمالية نجاح بعض عمليات التسلل إلى داخل التجمعات السكانية الحدودية.
"سيناريو الرعب" كما يسميه الجيش وضع وصدرت الأوامر بالاستعداد لمواجهته والعمل على احتوائه وتقليل مضاعفاته، سواء تسليحًا أو تخطيطا أو توسعًا في الأبحاث والتجارب لجعل شبكات الإنذار أكثر قدرة وفاعلية ومنظومة التصدي للصواريخ أكثر نجاحًا في صيد الصواريخ، فهي حرب الصواريخ، والأهم تعزيز قدرات الجبهة الداخلية من حيث امتلاك الوسائل وتجهيز الملاجئ وإعداد الجميع، بما فيهم الأطفال، لتأمين أنفسهم والصمود في المواجهة أو تحويل المجتمع إلى سبارطة كبيرة، أي قلعة محاربين.
والسؤال: لماذا الإصرار على تخيل اللامُتخيل والتعامي عن التهديد الحقيقي الواقعي القائم والمُعاش يوميًا؟ تخيل سيناريو هوليوودي عن قوى الشر التي تريد الفتك بقوى الخير دون أدنى دوافع مفهومة وموضوعية تحركها سوى الكراهية والرغبة في التدمير والتخريب والقتل، إنها طريقة أخرى للتنصل من أية مسؤولية عن استمرار المواجهات ونزع للشرعية الأخلاقية والسياسية لأعمال المقاومة والقول بطريقة أخرى ليس لهم إلا أن يتقنوا فنون القتل ويمتلكوا كل أدواته، بما فيها الغواصات النووية وطائرات الشبح، والاستعداد الدائم للقتال وقتل أعدائهم حتى أصغرهم بلا رحمة لضمان البقاء والاستمرار ولضمان حماية "القيم الحضارية والانسانية في المنطقة الأكثر توحشًا وبربرية في العالم".
والسيناريو كما في هوليوود يجهز المشاهد للأسوأ، لكنه لا يحطم معنوياته، فكل ما تستطيعه قوى الشر هو نجاحها في القيام بالكثير من الفوضى والتخريب وبعض القتل، وفي النهاية سينتصر البطل المسلح بالتكنولوجيا والقيم الانسانية طبعًا، ويفتك بالوحش ويلقنه درسًا ويردعه لفترة أخرى من الوقت حتى تأتي الجولة الأخرى أو حتى يذعن الوحش ويقبل بتعلم قيم الاستسلام على طريقة السلام الإسرائيلية.
هذا السيناريو ليس مستحدثًا أو جديدًا من اكتشاف ايزنكوت وقيادة أركانه، فهو السيناريو القديم للمحافظة على "الفيلا داخل الغابة" وللمحافظة على تقليد قتل الوحوش دون رحمة، حتى لو كانت تنبعث منهم رائحة حليب الرضاعة، ربما الجديد فيه هو التحديث ليجاري روح العصر والموضة، فالسيناريو القديم - الذي وضعة بن غوريون وظل قائمًا إلى ان انتهت أو تفككت الجيوش الكرتونية التي مثلت دور الشرير - كان يصور هجومًا عربيًا كاسحًا من جميع دول العرب وعبر الجبهات الثلاث، وهو سيناريو لم يكن محتملًا حتى من الناحية النظرية، ولم يكن بن غوريون يتوقعه حقيقة حتى في أحلك كوابيسه، لكنه زرعه في عقول الإسرائيليين وعزز فيهم الخوف والرعب ليس من قدرات العرب؛ بل من نواياهم تجاه دولة اليهود، لاستفزاز مكوناتهم الدفاعية والهجومية وللحفاظ على مخزون الكراهية اللازم للإبقاء على صناعة القتل والقتال؛ هذا فضلًا طبعًا عن رسائله وأهدافه الخارجية، سواء المتعلقة باستعطاف يهود العالم أو تشجيع العالم الغربي والتأثير عليه فيما يخص تقديم المساعدات المالية والعسكرية والسياسية لإسرائيل والتضامن والدفاع عنها والتصدي لأي توجهات لإدانتها أو انتقادها في المحافل الدولية.
الغريب ان "سيناريو الرعب" المخيف - والذي يستند إليه الجيش لزيادة ميزانيته التي تتجاوز الـ 55 مليار شيكل، إضافة إلى قرابة 4 مليارات دولار مساعدات أمريكية سنوية - لا ينجح إلا في قتل بضع مئات من الإسرائيليين، وهي خسارة صغيرة ومحدودة جدًا بالمقارنة مع أرقام قتلاهم في انتفاضة الأقصى، وصغير نسبيًا بالمقارنة مع معارك حدثت وليست مجرد سيناريو أو حتى مع انفجار مقاومة السكاكين التي أوقعت اربعين قتيلًا حتى اليوم، وهي المقاومة الاستنزافية اليومية المستمرة، والتي يصر الإسرائيليون على التعامي عنها وعدم ورؤيتها، ويتهربون من الانشغال بها عمدًا إلا عندما تكثف عملياتها أو تنجح في عملية ما، والانشغال يتجاهل الدوافع والأهداف الحقيقية والسبب الحقيقي، وهو الاحتلال بطبيعة الحال، ويركزون انشغالهم للتنافس في ربط موجة "العنف" التصعيدية بأي شيء، التحريض هو الأول حضورًا، سواء تحريض الشبكات الاجتماعية أو الرئاسة وتلفزيون فلسطين أو تحريض حماس والجهاد، ثم يأتي ربطها بعيد الأضحى، سواء للتضحية بالنفس أو التضحية بيهودي كافر، وبالأعياد اليهودية، وربطها بـ "داعش" تأثرًا بإلهامها، أو سوء الأوضاع الاقتصادية، وأخيرًا ثمة من وجد متهمًا جديدًا اسمه الانتخابات المحلية كمحرض على "العنف".
يتهمون كل شيء إلا الاحتلال، فالاحتلال بالنسبة لهم هو ضحية التحريض والتعنت الفلسطيني، ونحن متهمون لأننا لا نساعدهم على التخلص من عبء احتلالهم لنا، فالاحتلال هنا له دور وظيفي في احتواء عنفنا وتحريضنا، وحتى حمايتنا من بعضنا، وعندما نكف عن كراهيتهم ونتوقف عن تطهيرهم عرقيًا سينتهي الاحتلال.
ايزنكوت متمثلًا بدوره كرئيس لماكنة القتل أعد السيناريو بطريقة روبوتية لتتلاءم مع منظومة قيم دولة فاشية عنصرية استيطانية، لكنه عندما تحدث كرجل مهني داخل الأروقة المغلقة للجنة العلاقات الخارجية والأمن في الكنيست أكد ان التهديد الأول المحدق بدولة إسرائيل ليس الخطر الإيراني ولا خطر حزب الله ولا حماس؛ بل هو خطر داخلي، مما أثار غضب وانتقاد أحزاب اليمين الذين رأوا فيه اسنادًا خطيرًا لانتقادات الكثير من النخب عن سطوة الغوغاء الفاشيين وممثليهم على مقاليد الحكم.
إسرائيل ليست بحاجة لاختلاق أي سيناريو رعب وهمي، فهي بسياساتها الاحتلالية الاستيطانية تحقق بيديها أسوأ سيناريو رعب حقيقي، وليس وهميًا، كان ممكن ان يتخيله هرتزل أو بن غوريون، سيناريو نهاية المشروع الصهيوني وتفكك كيانهم قبل لحظة من ان يحظى بالشرعية الأهم، وهي شرعية الضحية، فمسيرة النهاية تبدأ عادة في ذروة القوة، وذروة القوة والغرور لا بد منها لفقدان البصيرة والحكمة اللازمة لبداية التدهور، ويبدو ان الضحية هي الأخرى يجب ان تفقد كل شيء حتى تضطر للقتال دون خشية فقدان أي شيء.