عندما تجف الأرض ، و تعطش و تتشقق و تجف ، تجدها متشوقة من شدة الظمأ لأي قطرة ماء تنزل عليها فتشعر بها وتتراقص تحتها ، تبتهج لأصغر قطرة ، و تبتلعها حتى ولو مسمومة !!
شدة التطرف في كل مكان و إتجاه ، ولّدت حالة عطش ، للأمان ، عطش للإعتدال .. الناس ، ليس فقط في وطننا العربي المحتل ، بل في أنحاء الأرض ، أصبحت في حاجة ماسة لكلمة هادئة ، لوعد ، لطمأنينة و راحة ، بعد هذا الصخب و الصراخ و القتل المجاني ، و العنف المجنون ، عنف في المقالة عنف في السينما في الكاريكاتير ، يقابله عنف في التعليق يصل إلى القتل كما حدث لحتر الأردني ، تطرف في الدين يقابله تادي و تعدي و تجرؤ في اللادين .. هذا هو إيقاع العالم هذه الأيام ..
و لمن لا يصدق إستنتاجي هذا ، أدعوه لإعادة مشاهدة إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الواحدة و السبعين الأخيرة .. راقبوا كلمات الرؤساء و القادة ، حاولوا ان تجدوا معي أجنحتهم ، تكاد تظن أنهم ملائكة ، محبون للسلام ، و حق المرأة و مساواة النوع ، و الديمقراطية ، و العدل و المساواة و رفض العنصرية ، و إذا إقتربت قليلاً ، ستجد حتى الفيسبوك ، يريد أن يحارب التطرف و التحريض ، فيتفق مع إسرائيل راعية السلام و الوئام و المحبة على ذلك !!..
كل طرف يبرر ما يفعل بأنه يهدف للحب ، و رفض التطرف و السلام و إحترام الآخر .. و لا أبالغ إن قلت ، حتى داعش و النصرة و الإخوان و الرفاق و الولدان و الخصيان ، كلهم يحملون ذات الرسالة و يرددون نفس الكلمات على ذات اللحن و الإيقاع ..
أمريكا رسالتها الحرية و الديمقراطية و المجتمعات المدنية ، لذلك هي تدمر أعداء الحرية في العراق ، فتحرقها و تهرس أهلها ، و تدمر سورية ، و تمزق ليبيا ، من أجل السلام و إحترام الآخر .
إسرائيل تريد السلام ، و المحبة و العدالة ، لذلك هي تفتك بأطفال و نساء فلسطين ، و رجال فلسطين و تزور التاريخ و الجغرافية و تلوي عنق الدين ، لتحارب الفلسطينيين على الأرض و على صفحات فيسبوك أيضاً .
الشئ و نقيضه ، العلة و تبريرها في وقت و مكان واحد .. و الرسالة واحدة من الجميع و للجميع .. السلام و محاربة الإرهاب و التطرف ، و الدعوة للحريات و الشفاية و المساواة و البناء و الخير ..
فكر معي ، كم نقيض يجتمع مع نقيضه تحت هذه الرسالة ؟ روسيا تؤيد سورية و تنسق مع إسرائيل ، تركيا حدث ولا حرج عن التناقض في أبهى و أوضح صوره ، دولاً عربية ، تحارب التطرف و تمده بالمال و السلاح و الغطاء السياسي ، تؤيد المقاومة ضد الإحتلال و تقيم للمحتل قواعداً عسكرية و أمنية و إقتصادية على أراضيها و ترفع علمه خفاقاً في قلب عواصمها ..
وطنيا و محليا ، العلة ذاتها ، فحماس تريد إنهاء الإنقسام و تغلظ الأيمان و تحلف على ذلك ، و تريد السلام و المحبة و الوئام ، و ترفض أو تقبل " زيارة " رئيس الوزراء أو الوزراء أو القادة إلى غزة ، تسلم الحكومة ، و تجبي الضرائب و تنشر قوات الأمن و تعتقل و تحاكم و تعدم و تسجن، و تتحكم في المعابر و التجارة و التنفس .. !!
فتح تريد وحدة الوطن ، و تهدد أنصارها و أتباعها ، و تطاردهم ، و تدفعهم بقوة إلى اليأس و الرفض و ربما الإنتحار السياسي و الإجتماعي .. ترفض الجهوية و تهدد بقطع أرزاق الناس من جهة محددة ، و لا أعرف من الألمعي الذكي الذي يفكر لها خاصة على أبواب الإنتخابات من أي نوع في كل مرة ؟!!
نقيم حفلاً لأوكا و أورتيجا في رام الله ، و نبكي على ضحايا السجون من الأسرى و ندعو العالم أن يضع وشاحاً أسوداً و يتعاطف معنا .. على راي المثل المصري ( دي نقرة و دي نقرة ) ، أو كما قال أحدهم يفتي في الحشيش : ( إذا كان حرام أدينا بنحرقه ، و إذا كان حلال أدينا بنتكيف منه ) ..
بالفعل ، يبدو أن ألحان أوكا ، أصبحت بتناقضها هي السيمفونية ، هي الإيقاع السائد ،المايسترو الذي تمشي بإشارته السياسة الدولية ، و الإقليمية و الوطنية ..
عمنا خالد مشعل أبو الوليد ، لم تفته الفرصة ، و لاحظ ضرورة المشاركة في بث ذات الرسالة و ألا ينشز بلحنة عن اللحن الأممي العولمي ،تماماً كمواقف ومقالات بدأت تصدر عن قيادات معسكره ، مثل الدكتور غازي حمد ، بتوقيت واحد مع اللحن العام الذي يروي الأرض العطشى ، و يُبهج مَن تَراكَمت على ظهرة أثقال السنين و همومها ، فينجده بكلمات ، كلمات ليست كالكلمات ، فيُقر بأخطاء تنظيمه في الحكم و الإدارة و بضرورة الإعتراف بالآخر ، و بالديمقراطية و السلم و المجتمع المدني ، و إنهاء الإنقسام ، حتى ظننت أنه سيستغل الوقت قبيل نهاية ولايته ، و يصدر أمراً مباشراً من فوق منبره ، لكافة القوى المسلحة و الأمنية و السياسية و الإقتصادية في قطاع غزة ، لتسليم نفسها لرئيس الوزراء وزير الداخلية الفلسطيني ، و ضرورة تسليم كافة الملفات السياسية للرئاسة و الخارجية الفلسطينية .. حتى يثبت صدق ما يقول ...
و لكنه لم يفعل !


